هيئة الحوار في الجزائر: تعثّر بانتظار السيناريو البديل

31 يوليو 2019
رفض للإفراج عن الناشطين الموقوفين بسبب الرايات الأمازيغية(فرانس برس)
+ الخط -
أعاد خطاب قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، يوم الثلاثاء الماضي، المشهد السياسي إلى نقطة الصفر، بعد اختراق ظرفي حققته الرئاسة بالتعاون مع بعض أطياف المعارضة السياسية، عقب نجاحها في تشكيل هيئة حوار وطني بقيادة رئيس البرلمان السابق كريم يونس، كانت تتجه إلى بدء لقاءات مع القوى السياسية والمدنية، قبل أن تواجه صداً قاسياً من الجيش لمطالبها بتنفيذ إجراءات تهدئة تتمثّل بسبعة شروط كانت قد نقلتها إلى الرئاسة أساساً. وتتمثّل أبرز هذه المطالب باستبعاد حكومة نور الدين بدوي والإفراج عن الناشطين وإنهاء إغلاق العاصمة يوم الجمعة.

ويتجه عدد كبير من أعضاء هيئة الحوار الوطني إلى إعلان انسحابهم وتقديم استقالاتهم من الهيئة السبت المقبل، على ضوء موقف قيادة الجيش. وفي هذا الإطار، قال منسق هيئة الحوار، كريم يونس، في حديث للإذاعة الرسمية أمس الأربعاء، إنّ "عدم تلبية رئاسة الدولة للشروط المعلنة خلال هذا الأسبوع، يعني انتهاء عمل هذه الهيئة"، مشيراً إلى أنّ "أعضاء الهيئة متمسكون بمطلب تنفيذ إجراءات التهدئة التي تعتبر شروطاً أساسية للشروع في مسار الحوار، خصوصاً إطلاق سراح شباب الحراك ورفع الحصار عن العاصمة".

بدوره، ذكر عضو هيئة الحوار عبد الوهاب بن جلول، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ أعضاء الهيئة قرروا عقد اجتماع، اليوم الخميس، لمناقشة تطورات الموقف على ضوء تصريحات قائد الجيش ورفضه تنفيذ مطالب وإجراءات التهدئة التي طرحتها الهيئة قبل مباشرة الحوار، مشيراً إلى أنّ "أعضاء الهيئة يتحلون بالمسؤولية السياسية في ظرف بالغ الحساسية، لكن بعض المواقف والقرارات الرسمية تعقد من مهامهم ولا تساعد على توفير مناخ جيد لإقامة حوار ناجح". ولفت في السياق إلى وجود بعض القلق من مسألة جهة الاتصال التي ستتعامل مع الهيئة ومطالبها.

وكان بن جلول يشير إلى أنه عندما نقلت هيئة الحوار في جلسة تنصيبها، الخميس الماضي، إلى الرئاسة سلة مطالب بإجراءات تهدئة تتعلق بالإفراج عن الناشطين الموقوفين في تظاهرات الحراك الشعبي بسبب الرايات الأمازيغية، ورفع تدابير إغلاق العاصمة يوم الجمعة، والتخفيف من التضييق الأمني على التظاهرات، وإنهاء الضغوط على وسائل الإعلام، كانت تنتظر رداً من الرئاسة نفسها بصفتها المؤسسة السيادية الشريكة والراعية لمسار الحوار السياسي. لكن الردّ جاء من قيادة أركان الجيش التي اعتبرت أنها وحدها المخولة بالرد على مطالب الهيئة.

وفيما كانت الهيئة تفترض أنّ الحصول على هذه المطالب سيكون بمثابة إعلان عن نوايا حسنة من جهة السلطة، تقدمها الهيئة كمكاسب تمهيدية تعزز صورتها لدى الرأي العام وتدعم موقفها أمام القوى السياسية والمدنية وتشجع الأخيرة على الحوار، جاء ردّ الجيش لينسف كل هذه التقديرات، بعد الرفض الحاد من قبل قيادة الأركان لهذه المطالب. ولم يكتف قائد الجيش برفض أي استجابة لأي من المطالب السبعة، لا بل وصفها "بالدعوات المشبوهة والأفكار المسمومة والإملاءات المرفوضة".

وإذا كان العضو في هيئة الحوار، إسماعيل لالماس، قد فهم رسالة الجيش مبكراً، وأعلن مباشرة بعد خطاب قايد صالح استقالته من الهيئة، ورفضه الاستمرار في إدارة الحوار الوطني، بسبب ما اعتبره عدم وجود أي نية لدى السلطة للتفاعل الإيجابي مع مطالب الهيئة والشعب، فإنّ الهيئة الآن في موقف لا تحسد عليه، إذ تواجه اعتراضاً من الحراك الشعبي، ورفضاً للتعاون معها من قبل القوى السياسية والمدنية، وصداً من الجيش، خصوصاً أنّ رئيس الهيئة كريم يونس، كان قد أعلن السبت الماضي أنه يمنح السلطة مهلة أسبوع حتى تظاهرات الجمعة المقبل، لتنفيذ المطالب السبعة، معلناً أنه في حال لم يتم ذلك، فانّ الهيئة ستقرر تعليق عملها أو حلّ نفسها.

ويفهم من موقف الجيش، لناحية الرفض الحاد للاشتراطات السبعة التي طرحتها الهيئة، وإعلانه عدم استبعاد حكومة نور الدين بدوي وعدم الموافقة على تخفيف التدابير الأمنية على العاصمة وتلك المرافقة للتظاهرات، واعتراضه على طلب الإفراج عن الناشطين، سعيه إلى إبعاد تشكيلة الهيئة الحالية للحوار، ودفعها إلى الاستقالة وطلب الإعفاء، خصوصاً أنها ستنتهي عملياً إلى المآل نفسه، بسبب رفض مجمل القوى والشخصيات السياسية والمدنية التعاون وإقامة أي حوار معها. فضلاً عن رفض الحراك الشعبي الاعتراف بها، بسبب ضعف تشكيلتها والطريقة البائسة التي تمّ تشكيلها بها، وهو ما يعني فشلها المسبق، وأن استمرارها قد يكون مضيعة للوقت.

وفي حال استقالة الهيئة، سيكون على السلطة البحث عن بدائل أخرى للحوار، سواء عبر تشكيل فريق حوار ثانٍ، أو ما يصفه المراقبون لتطورات الشأن السياسي بـ"الموجة الثانية للحوار"، يكون أكثر أهلية وتقبلاً من قبل المجتمع السياسي والمدني لإنجاز الحوار المؤدي إلى المخارج السياسية الآمنة وترتيبات الانتخابات الرئاسية، أو طرح فكرة تكليف شخصية سياسية وازنة بالحوار، ومنحها فرصة تشكيل هيئة حوار وطني، أو تغيير بدوي واستبداله برئيس حكومة توافقي كوزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي، (والذي تم بالفعل إجراء اتصالات معه في وقت سابق، لم تسفر عن نتائج بسبب شروط طرحها على الجيش)، ليؤدي دور الوسيط المحاور للقوى السياسية المجتمعية والناشطين في الحراك الشعبي.

لكنّ القوى السياسية المعارضة تعتبر أنّ موقف الجيش وقراره بالاعتراض على تنفيذ مطالب سياسية قدمتها هيئة الحوار كان يمكن أن تساعد في تحقيق تقدّم واختراق لجدار الأزمة، هو تدخّل منه في ترتيبات سياسية وتجاوز لصلاحيات رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ونقض واضح للتعهدات السياسية التي التزم بها في بيانه الصادر في 25 يوليو/ تموز الماضي، قبل أن يكون إفشالاً مسبقاً لهيئة الحوار.

وفي السياق، نشر رئيس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس، تقدير موقف بشأن خطاب قائد الجيش اعتبر فيه أنّ الأخير حطّ من قيمة رئيس الدولة ومن مستوى كل المسؤولين السياسيين، وكشف أن القضاء لا يكون مستقلاً إلا عندما ينفّذ أوامره بحذافيرها. وكتب قائلاً "نائب وزير الدفاع (الفريق قايد صالح) لم يستطع إمساك نفسه أكثر من أسبوع ليذكّر الناس بأنه هو وحده الآمر والناهي. خرج لنا ليحدد ويوضح المهمة التي كلف بها ما يعرف بهيئة الحوار. فبعدما ضيّع الكثير من الوقت للجزائريين، ها هو يؤكد مرة أخرى بأنّ هدفه الوحيد من خلال هذه المناورة هو تنصيب رئيس دمية". واعتبر أنّ "الشرط المسبق الوحيد للانفراج، هو انسحاب قايد صالح بصفته رمزاً لتدخّل الجيش في الحقل السياسي".

من جهته، أكّد رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه يعتقد أنّ الوضع الراهن بعيد كل البعد عن الشروط الممكنة لحوار سياسي وحقيقي، مشيراً إلى أنه لا يمكن تصوّر أي حوار قبل توفّر الشروط المسبقة للتهدئة والانفتاح السياسي. وقال "حتى الآن تبدو الأذهان غير مهيأة للتنازلات المتبادلة والانسداد أصبح حقيقة واقعة في البلاد".

وتأتي مجمل هذه التطورات المتلاحقة قبل تظاهرات الجمعة الـ24 من الحراك غداً الجمعة، والتي سيتحدّد فيها الموقف الشعبي من القرارات الأخيرة لقائد الجيش، ويتحدد بشكل خاص مصير وقرار هيئة الحوار بالاستقالة أو الاستمرار في عملها، على ضوء سلوك المؤسسة السياسية والقضائية والأمنية، بشأن تنفيذ أو تجاهل إجراءات التهدئة.

دلالات