لليوم الثاني على التوالي، تتصاعد في العراق دعوات أطلقها سياسيون وقوى ومنظمات عراقية، طالبت بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات المقبلة المقرّر إجراؤها في إبريل/نيسان 2020، بسبب اعتماد البرلمان آلية "سانت ليغو 1.9" في قانون الانتخابات، والتي يرى فيها الداعون للمقاطعة محاولة لتدوير الأحزاب والوجوه ذاتها، من دون السماح للقوى الناشئة والمستقلين بالوصول الى الحكومات المحلية.
واجتمعت نحو 30 منظمة عراقية في بغداد، اليوم الخميس، وأصدرت بياناً مشتركاً رفضت فيه قانون الانتخابات بصيغته الجديدة، التي صوّت عليها مجلس النواب الاثنين الماضي، موضحة أنّها تدين هذا القانون الذي وصفته بالمجحف.
وأضافت: "نعبّر عن قلقنا البالغ بخصوص معادلة احتساب الأصوات التي رُفعت لتكون 1.9"، مشيرة إلى أنّ هذه النسبة تعرقل عملية التمثيل الحقيقي للناخبين، لأنها تجعل المنافسة غير عادلة، وتحدّ من قدرة القوى السياسية الصغيرة والشخصيات المستقلّة على الوصول إلى مجالس المحافظات.
وأوضحت المنظمات التي دعت إلى المقاطعة، أنّ قانون الانتخابات يُكرّس هيمنة الكتل والأحزاب المتنفذة على المفاصل الإدارية والتنفيذية في المحافظات، داعية رئيس الجمهورية برهم صالح لإعادة القانون إلى مجلس النواب، بهدف إعادة النظر فيه بشكل ينسجم مع الملاحظات التي أبداها المجتمع المدني.
وتضمّ غالبية قوى "التيار المدني" صوتها إلى أصوات المنظمات المطالبة بمقاطعة الانتخابات، بحسب عضو التيار مجيد قاسم، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إنّ المقاطعة هي الحلّ، في حال أصرّ البرلمان على اعتماد آلية "سانت ليغو 1.9"، في الانتخابات المحلية المقبلة، مؤكداً أنّ هذا القانون يُكرّس بشكل واضح المنهج الإقصائي، الذي تتبعه أحزاب السلطة مع من تعتقد أنهم خصومها في الأحزاب الصغيرة، التي ستهدر أصواتها وتتحوّل إلى جعبة القوى الكبيرة.
ولفت إلى أنّ إصلاح العملية السياسية يبدأ من إصلاح قانون الانتخابات، معبراً عن أمله في استمرار الحراك المدني الرامي لتعديل قانون الانتخابات بصيغة ترضي الجميع.
وقال القيادي في الحزب جاسم الحلفي، إنّ اعتماد نسبة 1.9 في قانون الانتخابات، قطع الطريق أمام إمكانية التغيير في الانتخابات المقبلة، وهيأ للمتنفذين فرصة الهيمنة على الحكومات المحلية لسنوات عدة أخرى، مؤكداً أنه فتح الباب أمامهم لمواصلة المحاصصة البغيضة، وتقاسم المنافع والامتيازات، وتغذية شجرة الفساد.
وأوضح أنّ التعديل جاء ليضفي الشرعية على احتكار السلطة، ويقطع الطريق امام تلبية مطالب الشعب المتصاعدة، والداعية إلى ضرورة إنهاء المحاصصة، مشيراً إلى أنّ صنّاع القرار أوعزوا لنوابهم بالتصويت بالصورة غير المشرفة التي صوتوا بها، على حدّ قوله.
ولم تقتصر المخاوف من قانون الانتخابات وآليته الجديدة على السياسيين ومنظمات المجتمع المدني، إذ أبدى نواب مخاوفهم من احتمال انعكاسه على نسبة المشاركة في الانتخابات.
وقال عضو مجلس النواب محمد الخالدي، إنّ اعتماد النسبة المذكورة يؤدي إلى امتناع المواطنين عن المشاركة، متوقعاً، خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد، أن تقلّ نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة عن 10 في المئة، في حال الإصرار على قانون الانتخابات الحالي.
وأضاف الخالدي أنّ الصراعات السياسية خلال فترة الانتخابات، ستؤخر عملية تشكيل مجالس المحافظات الجديدة، مؤكداً أنّ بعض المناطق ستكون سائبة، تعاني من فوضى إدارية بسبب التأخير.
أما عضو البرلمان علية الامارة، فقالت إنّ اعتماد "آلية 1.9"، سيكرّس الدكتاتورية السياسية في مجالس المحافظات، موضحة في المؤتمر الصحافي عينه، أنّ هذا الأمر سيبقي القوى المسيطرة على العملية السياسية في مواقعها.
وبيّنت أنّ ذلك يعني عدم إتاحة الفرصة أمام القوى الناشئة للمشاركة بعملية التغيير والبناء في البلاد، مشددة على ضرورة اعتماد نسبة 1.4 في قانون الانتخابات كونها مناسبة للجميع.
يُشار إلى أن طريقة "سانت ليغو" هي آلية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. أما إذا زاد العدد، كأن يكون 1.5 أو 1.6 فصاعداً، فإنّ حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب الصغيرة.
وفي آخر انتخابات محلية أُجريت في العراق عام 2013، تمّ اعتماد آلية "سانت ليغو" بالقسمة على 1.4، وتسبب ذلك بفوز أحزاب صغيرة ومرشحين مستقلين تمكنوا من تغيير مسار الحكومات المحلية، الأمر الذي أزعج القوى الكبيرة التي سارعت إلى تعديل الآلية إلى 1.6 في انتخابات البرلمان عام 2014، ثم إلى 1.7 في الانتخابات التشريعية عام 2018، وأخيراً إلى 1.9 في انتخابات مجالس المحافظات المقرّرة عام 2020.