وبحسب عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي جهاد جليل فإنّ "هناك بوادر لتشكيل أحزاب مدنية، يقودها نشطاء الاحتجاجات التي انطلقت العام الماضي في محافظات جنوب العراق، والجماهير من المحتجين السابقين في التظاهرات الذين خاب أملهم بالإصلاح الذي طالبوا به". وأوضح جليل لـ"العربي الجديد"، أنّ "تلك التحركات تسعى لتشكيل فكر مدني تتبناه بصورة واضحة، وتكون بعيدة عن الأحزاب الدينية والتقليدية". ولفت إلى أنّه "بالإمكان أن ينادي هؤلاء الشباب بالمدنية صراحة وعلناً، على الرغم من المخاوف التي قد تلاحق هذه الأحزاب الفتية، التي ستكون بعيدة عن الطائفية والمذهبية وتضم جماعات وشخصيات سياسية"، مشيراً إلى أنّ "الجماهير في الفرات الأوسط ومناطق الجنوب أكثر تقبلاً للمدنية، وربما أكثر من أهالي بغداد، لأن سطوة الأحزاب الدينية وفرض أجنداتها انتشرا في محافظات الجنوب أكثر من غيرها". وتابع أنّ "الجمهور الكبير الذي دعم تحالف سائرون (الذي يقوده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ويضم قوى مدنية والحزب الشيوعي) والتحالفات الأخرى التي ادعت دعمها للمدنية، أصبح اليوم ضدها، بعدما فشلت في تحقيق أي خدمات أو فتح ملف فساد واحد. وبالرغم من مرور نحو سنة على تشكيل الحكومة، لم تقدم تلك التحالفات حتى الآن لجمهورها أي شيء، وستكون الأحزاب الجديدة بديلاً ناجحاً للناخب العراقي عن تلك الأحزاب".
من جهته، أكد عضو مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، رياض البدران، لـ"العربي الجديد"، أن "المفوضية سجلت نحو ثمانية أحزاب جديدة، منها مدنية علمانية وأخرى إسلامية، منذ نهاية الانتخابات البرلمانية العام الماضي"، مشيراً إلى أن "عملية التسجيل ما تزال مستمرة، ولا تقتصر على موسم معين. وحالياً لدى العراق قرابة 210 أحزاب". من جانبه، لفت عضو التحالف المدني في العراق محمد عبد القادر إلى أن "التوجه نحو الأحزاب المدنية، كان واضحاً جداً خلال الانتخابات الماضية، وقد حصدت الأحزاب المدنية القليلة أصواتاً تؤهلها لأن تكون في الصفوف الأولى ضمن الأحزاب الأخرى، لكن عمليات التزوير الكبيرة، فضلاً عن احتراق صناديق اقتراع كثيرة في مدن البلاد، وهو ما ساهم بضياع أصوات الحركات المدنية وتحويلها إلى الأحزاب الدينية". وأكد عبد القادر لـ"العربي الجديد"، أن "الوعي الجمعي لأهالي الجنوب يكبُر وينمو يوماً بعد آخر باتجاه بناء وتأسيس دولة قانون تتبنى المدنية وتحترم الجميع وتؤدي واجباتها، لا دولة سلطة الأحزاب وحكم العوائل. وهناك تفاؤل كبير في الانتخابات المحلية المقبلة، وتفاؤل أكبر في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي قد تطيح بكل رموز الفساد وأعضاء الأحزاب التي سرقت البلاد".
وفقد المواطن العراقي ثقته بأحزاب السلطة، التي فشلت على مدى الفترة السابقة بتحقيق أي شيء، بينما يتراجع الواقع العراقي في كافة مستوياته. ويؤكد مراقبون أنّ الظرف الحالي مناسب لولادة أحزاب جديدة بفكر مغاير لأحزاب السلطة. وأوضح الخبير السياسي عبد الله الباسل، لـ"العربي الجديد"، أنّ "السنوات الماضية كشفت للعراقيين أن الأحزاب الحاكمة لم تعمل إلّا لمصالحها الشخصية، متجاهلة مصلحة المواطن البسيط"، معتبراً أنّ "المنفعة الوحيدة التي حققتها تلك الأحزاب، أنّها تصارعت فيما بينها وكشفت حقيقتها للمواطنين، ما تسبب بازدياد نسبة الوعي الشعبي بخطورة استمرار تلك الأحزاب المهيمنة على مقدرات البلد". وأشار الباسل إلى "وجود فرصة لولادة أحزاب جديدة ذات أيديولوجيا مغايرة لأيديولوجيات الأحزاب الحاكمة، ومن الممكن أن تشق طريقها وتحظى بدعم شعبي واسع، مستفيدة من أخطاء الأحزاب الحاكمة". واستدرك الباسل بالقول: "لكن، في الوقت ذاته، فإن الصعوبة تكمن بوجود أحزاب السلطة التي تمتلك قوة المال والنفوذ الذي ستستغله لقطع الطريق أمام تلك الأصوات التي تحاول شق طريقها في العراق". يشار إلى أنّ العراق يشهد على مدى الأعوام السابقة حركة جماهيرية ضدّ الفساد المستشري في البلاد، بينما يدعو الحراك الجماهيري، المتمثل بالتظاهرات الشعبية، إلى تشكيل حكومة تكنوقراط.