في وقت يُمنّي فيه أقارب السجناء ومعتقلي النظام المصري أنفسهم، بصدق شائعات إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جديداً بالعفو عن مجموعة أخرى من السجناء بمناسبة حلول عيد الفطر، أفصح العشرات من المحكومين، الذين تضمّنهم قرار العفو الأخير الذي أصدره السيسي بمناسبة حلول شهر رمضان، لذويهم وأصدقائهم عن تفاصيل مرعبة عن الأيام الأخيرة لهم في السجون، والضغوط والظروف التي تعرضوا لها قبل صدور القرار رسمياً وإسقاط العقوبة عنهم، ما يعكس تغيراً في أسلوب تعامل النظام مع الحالات المشمولة بالعفو، قياساً بما كان يحدث مع المستفيدين من قرارات العفو السابقة.
وحصلت "العربي الجديد" على شهادات من أقارب وأصدقاء 7 من المحكومين المشمولين بالعفو من محافظات مختلفة، نقلاً عنهم لما تم بحقهم من إجراءات داخل السجون ومقارّ أمنية أخرى نقلوا إليها في الأسبوع السابق لشهر رمضان. واتفقت الشهادات على أن معظم المشمولين بالعفو تم نقلهم من عنابر السجن إلى زنازين انفرادية لمدة يومين أو ثلاثة، بلا أي مقدمات، فيما قضى البعض الفترة نفسها بشكل طبيعي مع زملائهم في العنابر. وقبل العفو بنحو 6 أيام تم نقل جميع السجناء المختارين، سواء المحكومون في قضايا عادية أو عسكرية، إلى مقارّ الأمن الوطني في محافظاتهم الأصلية من دون إخبارهم بهدف هذا النقل، ليبدأ فصل مؤلم في حياة كل منهم.
الشهادات المنقولة عن 4 من الذين تم العفو عنهم، وجميعهم من محافظات الصعيد، وكانوا محبوسين على ذمة قضايا عسكرية تتعلق بتظاهرات وأحداث ما بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، توضح أنه فور نقلهم مع زملاء لهم، قدروا أعدادهم بالعشرات، إلى مقارّ أمن الدولة في محافظة كل منهم، تم إجبارهم على خلع ملابسهم عدا الثياب الداخلية، أما أعينهم فتم تغميتها بأربطة قماشية، وأدخلوا في مجموعات إلى عدد من الضباط، أكثر من مرة، وتم استجواب كل مجموعة عدة مرات أمام أكثر من ضابط. والشهادات المنقولة عن 3 معفو عنهم آخرين، وهم من محافظات الدلتا والقناة، وكانوا محبوسين على ذمة قضايا تظاهر وانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، كشفت أنهم أخرجوا من السجون أولاً إلى مديريات الأمن في مراكز محافظاتهم، ثم تم نقلهم إلى مقار الأمن الوطني، وبقوا محتجزين لمدة يومين تقريباً في زنازين ضيقة سيئة التهوئة، قبل أن يخرجوا ويتم تغمية أعينهم أيضاً لاستجوابهم بشكل متتالٍ على يد مجموعة من الضباط.
وبحسب الشهادات، فإن الاستجواب لم يكن يهدف إلى التعرف إلى تفاصيل حياة أو انتماءات المحكومين، بقدر ما يهدف إلى تحطيمهم نفسياً واختبار مدى إمكانية انخراطهم في حياتهم العادية مجدداً. أحد المستفيدين بالعفو قال لقريبه، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إن "الضباط خاضوا في أعراض بعض السجناء، قاصدين اختبار صمتهم من عدمه. وتحدثوا عن فشل وعجز آخرين تم فصلهم من أعمالهم وحاولوا زرع اليأس فيهم، وهناك سجناء ردوا عليهم بقسوة وتشاحنوا معهم كلامياً، فتم استبعادهم من مجموعات العفو وعادوا إلى السجن مرة أخرى". وذكر آخر أن مجموعات السجناء في مقارّ الأمن الوطني لم تتعرض للتعذيب البدني بقدر تعرضهم للإذلال والإهانة بصورة أكبر، وتم توجيه عبارات نابية لهم بشكل دائم، غالباً لاختبار تحملهم وصمتهم، وأن بعض الضباط تعمّدوا إجراء ما يشبه التحقيقات مرة أخرى مع المحكومين المغماة أعينهم للتعرف إلى علاقاتهم خارج السجون ودوائرهم وأصدقائهم، والشخصيات التي كانوا يرتبطون بها خلال فترة الأحداث التي قبض عليهم فيها.
وأوضح معفوّ عنه آخر لذويه، الذين نقلوا إفادته لـ"العربي الجديد"، أن عدداً من السجناء تعرضوا للضرب المبرح بسبب ردودهم غير الودودة على أسئلة الضباط، وتم نقلهم مرة أخرى إلى السجون، وأن فترة تغمية الأعين كانت تستغرق معظم ساعات النهار، مع تعمد إبقائهم شبه عراة في حجرات إسمنتية أمام مصادر تهوئة شديدة، ما أصاب بعضهم بالحمّى. أحد المستفيدين بالعفو، خرج بعدما دخل اسمه في مايو/ أيار 2018 مشروع قرار العفو وتم استبعاده في اللحظات الأخيرة، قال لذويه إنه في المرة الماضية كان التعامل مع المرشحين للعفو "شفهياً" فقط، عبر المساومة للحصول على معلومات أو أخذ تعهدات كتابية بعدم الانخراط في تنظيمات معارضة، فلم يكن هناك استخدام للقوة أو تعمد للإهانة والإذلال، فكان السجناء يدخلون على ضباط الأمن الوطني ويتم استجوابهم أكثر من مرة بشأن مشاريعهم المستقبلية وأعمالهم، ووضعهم الاقتصادي وصداقاتهم داخل وخارج السجن. أما هذه المرة فالهدف كان واضحاً من بداية نقل السجناء إلى مقارّ الأمن الوطني، وهو تحطيم المعفوّ عنهم نفسياً، إلى جانب استخراج معلومات من البعض أيضاً، وخصوصاً في القضايا الكبيرة التي تضم عشرات المتهمين، كمقابل للعفو.
مصدر في الأمن العام، قال إن اتباع هذه الإجراءات مع السجناء يأتي بعد فشل برنامج دمج السجناء الإسلاميين للاعتراف بنظام السيسي، والذي اتبعته السلطة في الفترة بين 2017 و2018، في محاولة لوقف التقارب بين شباب جماعة "الإخوان" الذين دخلوا السجون في قضايا تظاهر وهم دون سنّ الرشد (21 سنة)، وبين المتهمين بالانتماء لخلايا تكفيرية تابعة فكرياً أو تنظيمياً لتنظيم "داعش". وكان من محاور البرنامج تكثيف المحاضرات الدينية للشباب الأحدث سنّاً، تُركز على طاعة الحاكم وضرورة عدم الخروج عليه، وتعيد تعريف تظاهرات "الإخوان" واعتصاماتهم بين عامي 2013 و2014 باعتبارها محاولة للخروج على إجماع الأمة، وإقحاماً للسياسة في الدين. كما تحاول المحاضرات الدينية إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة لشباب الجماعة استغلالاً لضعفهم معرفياً ومعاناتهم في السجون، ثم التوقيع على وثائق صاغها جهاز الأمن الوطني، تتضمن بنوداً واضحة للابتعاد عن العمل السياسي والتنظيمي والتعهد بالإبلاغ عن أي أنشطة معادية للدولة في الدوائر المحيطة بهم. وأضاف المصدر، أن أحد أسباب فشل هذا البرنامج شيوع معلومات بين السجناء وذويهم، عن حصول الموقّعين على هذه الوثائق على تسهيلات معيشية داخل السجن، بما في ذلك السماح للسجناء بلقاء ذويهم في مواعيد الزيارة الشهرية، وحرمان الآخرين منها، في مقابل الإدلاء بمعلومات تنظيمية أو اختلاق معلومات عن أشخاص بعينهم، وهو ما جعل السجناء يتخوفون تدريجياً من الانخراط في هذا البرنامج، خشية نعتهم بالخيانة أو الإساءة لذويهم خارج السجون.
وكان قرار العفو الأخير شمل 560 شخصاً في مراحل مختلفة من المحاكمات في أكثر من 300 قضية، جُلّها من قضايا العنف والإرهاب والانضمام لجماعات يزعم النظام أنها إرهابية، وعلى رأسها جماعة "الإخوان"، وقعت أحداثها منذ انقلاب يوليو/ تموز 2013 وحتى عام 2017، وصدرت أحكامها من محاكم عادية وعسكرية وطوارئ. ومن بين المشمولين بالعفو، العشرات ممن اقترب موعد خروجهم الرسمي، أو قضوا فترة أطول من المحكوم عليهم بها. كما تم العفو عن بعض الأشخاص، واستمرار حبس آخرين صدرت أحكام ضدهم في نفس القضايا. ويمكن أن تفسر شهادات المعفو عنهم بعض أسباب هذا التباين، الذي فتح باب التأويلات بين ذوي المعتقلين والمعفوّ عنهم ومحاميهم، حول سبب العفو عن بعض الأشخاص دون الآخرين، على الرغم من وحدة مركزهم القانوني وتطابق الاتهامات الموجهة لهم.