السودان: حميدتي يتفرّد بالمجلس العسكري بدعم سعودي وإماراتي

25 مايو 2019
يواصل آلاف السودانيين اعتصامهم في الخرطوم (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد المخاوف في السودان من توسع النفوذ الإماراتي والسعودي، خصوصاً بعد تسريب معلومات ورصد مؤشرات حول محاولات الطرفين إدارة المجلس العسكري، عبر نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي" وضمان استفراده بالمجلس وإقصاء من يعارضه، فضلاً عن محاولات أخرى تجرى لاستقطاب أطراف سياسية عدة. وتعززت المخاوف بعد زيارة قصيرة قام بها "حميدتي" إلى جدة، بدأها مساء أول من أمس الخميس وانتهت أمس الجمعة، والتقى خلالها مع ولي العهد محمد بن سلمان.

وكان لافتاً أن الزيارة أتت بعد ساعات على تغييرات مهمة طاولت هياكل المجلس العسكري، بما في ذلك تسريبات تحدثت عن إجبار رئيس الاستخبارات السابق في الجيش الفريق مصطفى محمد المصطفى على الاستقالة من عضوية المجلس العسكري بعد خلاف مع حميدتي، الذي يسعى للتمدد وأن تكون له الكلمة الأولى، مسنوداً بدعم إماراتي سعودي. كذلك جاءت الزيارة في وقت قال فيه مصدر عسكري سوداني، طالباً حجب اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تذمراً وسط ضباط الجيش من الدعم السعودي الإماراتي لتقوية قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، على حساب القوات المسلحة التي تعد أحد أهم ممسكات النسيج الوطني في البلاد.

وبحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعودية "واس"، فقد بحث حميدتي مع بن سلمان التعاون الثنائي بين البلدين، إلى جانب استعراض الأحداث الإقليمية. وفي موازاة ذلك، كان حميدتي قد جدّد في تصريحات صحافية، بمجرد وصوله إلى السعودية، تعهدات المجلس بالإبقاء على الكتيبة السودانية التي تقاتل ضمن التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، في مقابل التزام محمد بن سلمان بتأييد المجلس العسكري وتقديم حزمة دعم مالية واستثمارية للخرطوم في المرحلة المقبلة. وجاءت الزيارة الأولى لحميدتي إلى خارج السودان، منذ توليه المنصب الجديد عقب عزل الرئيس عمر البشير في 11 إبريل/نيسان الماضي، فيما كانت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" تؤكد وقوف المحور السعودي الإماراتي المصري وراء تحريض المجلس العسكري على الالتفاف على المطالب الشعبية ونقض التفاهمات التي تم التوصل إليها مع قوى "إعلان الحرية والتغيير".

ويبدو أن هذا الأمر أدى إلى بروز خلافات عدة داخله، تمثل أحد انعكاساتها بخروج المصطفى، الذين يعتبر آخر ممثلي الإسلاميين في المجلس، ليحل مكانه الفريق أول ركن جمال الدين عمر إبراهيم الذي اختير رئيساً للجنة الأمن والدفاع في المجلس. وتصف مصادر، تحدثت مع "العربي الجديد"، الأخير بأنه أحد الأشخاص المقربين من رجل البلاط السعودي، الفريق طه عثمان الحسين، الذي أقاله البشير من منصبه كمدير لمكتبه في 2017، مشيرة إلى أن تعيينه في هذه المرحلة يعطي دليلاً على تنامي نفوذ حميدتي داخل المجلس العسكري. وفي رسالة أريد لها إبعاد وجود أي شبهة خلاف بين مكونات المجلس، برر المصطفى استقالته لمعاناته من ظروف صحية قاهرة، مشيراً إلى جاهزيته لتقديم خدماته إلى رفاقه العسكريين في المرحلة المقبلة.



بيد أن المحلل السياسي، محمد نورين، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن استقالة المصطفى جاءت جراء خلافات داخل المجلس العسكري، إذ رشح حديث عن وجود تباينات حادة بينه وبين حميدتي داخل اجتماعات المجلس في ما يخص التعاطي مع قوى "الحرية والتغيير"، حيث يتجه حميدتي إلى اجتراح خطوات تضمن سيطرة المجلس على المرحلة المقبلة، بدعم من الرياض وأبوظبي. ودفع حميدتي بعدة مقترحات لتجاوز قوى "إعلان الحرية والتغيير"، ضمنها التفويض الشعبي، في نقل تام لسيناريو الرئيس عبد الفتاح السيسي بمصر، أو إجراء انتخابات مبكرة رغم التوافق مع قوى الثورة على فترة انتقالية قوامها 3 سنوات لضمان جاهزية القوى السياسية لخوض غمار الانتخابات عقب 30 عاماً من العزل والمعاناة. وأضاف نورين "في هذا السياق يمكن قراءة زيارة حميدتي للمملكة من أجل إطلاع القيادة هناك على آخر تطورات التفاوض مع قوى الثورة، إلى جانب إعلامها بالتطورات الأخيرة في المجلس" بعد استقالة المصطفى. ويعد المصطفى من الضباط المعروفين داخل القوات المسلحة، وكان مديراً لإدارة الأمن العسكري والأمن الوقائي، وكان مسؤولاً عن ملف التفاوض مع الحركات المسلحة، لا سيما الحركة الشعبية – شمال، ما يجعل من ابتعاده أمراً مؤثراً في سبيل الوصول إلى تسوية سلمية شاملة تنهي الصراعات في دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان. وتابع نورين "قد يصح أن المصطفى يعاني من ظرف صحي، لكن لا أعتقد أنه مؤثر، وإلا لما كان وافق على تعيينه. ثم إن حديثه عن تقديم الدعم والمشورة للمجلس يشي بوضوح بأنه ما يزال قادراً على العطاء، وهذا لا يترك سوى فرضية أن الرجل آثر الابتعاد أو حمل عليه. في كل حال، يعد ذلك كسباً جديداً لحميدتي داخل المجلس العسكري".

وبحسب مراصد صحافية فقد سبق أن دخل المصطفى في خلافات مع حميدتي، في عام 2016، إثر إصرار الأخير على التصعيد العسكري ضد الزعيم القبلي موسى هلال، ولم ينجل الموقف إلا بتدخل البشير. في موازاة ذلك، يقول مصدر، لـ"العربي الجديد"، إن تعيين عضو المجلس العسكري الجديد، جمال الدين عمر إبراهيم، المحسوب على طه عثمان الحسين، في هذه المرحلة، يعطي دليلاً إضافياً على تنامي نفوذ حميدتي داخل المجلس العسكري. ولفت إلى أن إبراهيم اشتهر بالصرامة الشديدة، مذكراً بأنه كان ضمن هيئة الأركان المشتركة بقيادة الفريق أول ركن عماد عدوي الذي كان من أشد الناس معارضة لقوات الدعم السريع. لكن المصدر نبه إلى تحول في مواقف بعض ضباط الجيش من قوات الدعم السريع بعد حرب اليمن، وإبرام عدد من الاتفاقات العسكرية مع دول التحالف العربي، بقيادة السعودية. وبحسب المصدر، فإن إبراهيم سبق أن شغل مناصب رفيعة داخل القوات المسلحة، وترفع إلى أن وصل إلى نائب هيئة الاستخبارات، وقد كان أحد المشاركين في جولة المفاوضات التي قادت واشنطن لرفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم.

وعلى نحو مفاجئ جرى إعفاء جمال من طاقم هيئة أركان القوات المسلحة بقيادة الفريق أول ركن عماد عدوي في عام 2013 من قبل البشير، ومن ثم أعيد إلى الواجهة باختياره في المجلس العسكري. وتتحدث معلومات عن أنه فصل من الجيش في حينه بتهمة التخابر مع جهات أجنبية. في هذا الوقت، تبدي المعارضة تخوفاً من محاولات التدخل الخارجي في مسار الاحتجاجات السودانية. وفي السياق، قال أحد قادة الحركة الاحتجاجية، لوكالة "فرانس برس" مشترطاً عدم نشر اسمه، إنّ "التغيير (السياسي) أحدثه الشعب السوداني ولا علاقة له بأي دولة أخرى"، متّهماً دول الخليج بالسعي لاستخدام السودان "ساحة معركة" لتصفية خلافاتها السياسية. وأضاف "نحن نريد علاقة متوازنة مع دول المنطقة". في هذه الأثناء، تتجه الأنظار لمعرفة مصير المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى المعارضة. وفي السياق، قال مصدر في قوى "إعلان الحرية والتغيير"، لوكالة "الأناضول" أمس الجمعة، إن "المجلس العسكري الانتقالي أبلغهم بضرورة أن يكون غالبية أعضاء مجلس السيادة من العسكر". وأوضح أن "المجلس العسكري أعلن خلال اجتماعات اللجان المشتركة، تمسكه بضرورة أن يكون رئيس مجلس السيادة عسكرياً، وأن الغلبة للعسكريين في المجلس". وأضاف "نحن أيضاً أبلغناهم تمسكنا بموقفنا حول ضرورة تكوين مجلس السيادة من المدنيين، بما فيها رئاسة المجلس". وتابع أن "المجلس العسكري بتعنته يُعقد الأوضاع ويدفع بها نحو التصعيد". وتابع "الآن ندرس كافة خياراتنا لمواجهة ذلك الموقف المتصلب، بما فيها إعلان العصيان المدني والإضراب العام".