"صفقة القرن": "أونروا" تخوض معركة بقائها

24 مايو 2019
"أونروا" مسؤولة عن 5.6 ملايين لاجئ (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
حملت تصريحات المبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات، أمام مجلس الأمن، أول من أمس الأربعاء، ما يكفي من التهديدات للسلطة الفلسطينية على خلفية موقفها الرافض للمشاركة في مؤتمر البحرين، الذي تعتزم تنظيمه في 25 و26 يونيو/ حزيران المقبل، تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، والذي سيكون أولى الخطوات الرسمية للإطلاق الرسمي لمسار "صفقة القرن" الهادفة فعلياً إلى تصفية القضية الفلسطينية.

لكن تصريحات غرينبلات، المعروف بمواقفه الصهيونية، تضمنت أيضاً شقاً لا يقل خطورة ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا)، وهو ما أثار مواقف عدة منددة، خصوصاً من المفوض العام للوكالة بيير كرينبول، الذي أكد في مؤتمر صحافي عقده في المقر الإقليمي لـ"أونروا" بغزة، أن الوكالة "لن تسمح بمحاولات بعض الأطراف نزع الشرعية الدولية عليها"، وذلك رداً على قول غرينبلات إن "الوكالة لن تحل الصراع مع إسرائيل وخذلت الشعب الفلسطيني" وأن "الوقت قد حان لكي تتسلم الدول المستضيفة للاجئين والمنظمات غير الحكومية الخدمات التي تقدمها الوكالة الدولية".

أما السلطة الفلسطينية، فلم تقف كثيراً عند تهديدات غرينبلات بأنها ستخسر من عدم المشاركة، إذ أعلنت موقفها بشكل رسمي بعدم المشاركة في مؤتمر البحرين بأي شكل من الأشكال، مشددة على أن منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، لم تفوض أحداً للحديث باسمها. ومن وجهة نظر السلطة، التي يجري رئيسها محمود عباس منذ أيام جولة عربية قادته إلى الأردن، أمس الخميس، حيث التقى الملك عبد الله الثاني، فإن كل هذا الوعيد الأميركي يأتي استكمالاً لحرب مالية شنتها الإدارة الأميركية عليها منذ نحو عام، قطعت بموجبها 850 مليون دولار، وأوقفت جميع مشاريعها في الضفة الغربية المحتلة، بالتوازي مع قطع المساعدات المالية عن "أونروا".

وعقب تصريحات غرينبلات، نشطت "أونروا"، منذ صباح أمس الخميس، عبر مؤتمرات وبيانات صحافية ترفض التهديدات، وكشفت عن مؤتمر لدعم الوكالة مالياً سيعقد في 25 يونيو المقبل، أي في الموعد ذاته لمؤتمر البحرين. وقال المتحدث باسم الوكالة سامي مشعشع، لـ"العربي الجديد"، إنه "لم يخذل اللاجئ الفلسطيني إلا المجتمع الدولي، لأنه هو ذاته الذي فشل في إيجاد حل سياسي لقضية اللاجئين على مدار سبعة عقود، وبالتالي مرفوض بتاتاً تحميل الوكالة فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي لقضية اللاجئين". وأضاف أن "الجانب الآخر أن الوكالة ليست في الرمق الأخير كما أشار البعض، وليست ضمادة أو شيئاً مؤقتاً، بل إنها تقدم خدمات مهمة جداً للاجئين الفلسطينيين في مجال التربية والتعليم والصحة والخدمات الإغاثية والخدمات الطارئة، وبالتالي هي ليست شيئاً طارئاً أو مؤقتاً، وهي ستذهب للبيت عندما يقرر المجتمع الدولي أنه تم حل قضية اللاجئين".


وحول تصريحات غرينبلات بأن الحديث سيتم مع الدول المضيفة للاجئين وتقديم الدعم لها ولبعض المؤسسات وليس للوكالة، قال مشعشع إن "الحلول البديلة المطروحة لوجود الوكالة لا تستطيع أن تغطيها، سواء كانت الوكالة تقدم هذه الخدمات أو غيرها. السؤال هو أين الحل السياسي لقضية اللاجئين؟ حسب الدول المتبرعة للوكالة، فإنها من أكفأ المؤسسات الدولية في تقديم الخدمات، والكل يشيد بقدرتها. أنت لا تستطيع أن تستعيض عن الوكالة بما يتعلق بإدارة 715 مدرسة أو تدريس 526 ألف طالب وطالبة، بالإضافة إلى أن الدول المضيفة وغيرها لا تريد أن يكون هناك بديل للوكالة بل تريدها أن تستمر، لأنها عامل استقرار في المنطقة، وتريد أن تسلط الأضواء على الشق السياسي وليس الخدماتي والإنساني من قضية اللاجئين". وعما إذا كانت "الأونروا" قد تواصلت مع الدول المضيفة للاجئين بما يتعلق بهذه التهديدات، قال "هذه قضايا معروفة لهذه الدول، وسيكون هناك مؤتمر مهم لحشد الموارد المالية في 25 يونيو/ حزيران المقبل في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، للاستمرار في حشد الأموال من الدول المتبرعة، وهذا يتم بتنسيق كبير مع الدول المضيفة للاجئين، ومع الدول الكبيرة المتبرعة للوكالة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي ودول أخرى".

ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت الحرب فعلاً على الوكالة، اعتبر مشعشع أن "التوصيفات لا تفيد الوكالة. إن تصريحات الممثل الأميركي غرينبلات في جلسة مجلس الأمن كانت قاسية وغير دقيقة، وحاولت تحميل الفشل لمؤسسة إنسانية لا يوجد لها دور في هذا الفشل". وتعتبر وكالة "الأونروا" مسؤولة عن 5.6 ملايين لاجئ فلسطيني، يقيمون في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسورية، وتشرف على 715 مدرسة و526 ألف طالب وطالبة.

وأعلن كرينبول، أمس الخميس، أن قيمة العجز المالي الحالي في ميزانية الوكالة بلغت نحو 200 مليون دولار. وقال "نعلم أننا سنتعرض للكثير من الهجمات والانتقادات، لكننا سنواصل تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، حسب التفويض الممنوح لنا من الأمم المتحدة، ولن نسمح على الإطلاق بأي محاولة لتدمير شرعية اللاجئين". وشدد على أن "الأونروا" ليست مسؤولة عن زيادة أعداد اللاجئين، مضيفاً "المسؤول عن ذلك هو فشل السياسة".

من جهته، رفض مسؤول ملف اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد أبو هولي، التعليق على تصريحات غرينبلات. وقال، لـ"العربي الجديد": "لا أريد استباق الأمر. هناك اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الأحد المقبل، وسيكون هناك موقف رسمي حيال هذا الأمر". لكن الموقف الفلسطيني المتمسك بالرفض الكامل لـ"صفقة القرن" ورفض المشاركة في مؤتمر البحرين، وقبله مؤتمر وارسو، لا يبدو أنه يملك خطة داخلية حقيقية على الأرض لمواجهة القادم، فيما تتركز الجهود الفلسطينية على بعث رسائل شخصية مباشرة للعديد من الدول لدفعها إلى اتخاذ مواقف داعمة للقيادة الفلسطينية ورافضة للصفقة، ما يفسر وجود غالبية الصف الأول من المستوى الرسمي الفلسطيني في مهمات دولية لحشد رأي ضاغط ضد "صفقة القرن" التي يتوقع الإعلان عنها الشهر المقبل. ويقوم بهذه المهام الرسمية عدد كبير من المسؤولين، الذين توجهوا إلى عدة دول، على رأسهم الرئيس محمود عباس الذي توجه إلى قطر مع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، ثم إلى الأردن، ظهر أمس الخميس، للقاء الملك الأردني عبد الله الثاني، فيما توجه نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول إلى الصين، وعدد آخر من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى السنغال والهند ودول عربية وإسلامية وأجنبية.

وقال مستشار الرئيس للشؤون الدولية نبيل شعث، لـ"العربي الجديد": "لو أن البحرين ستدعونا إلى مؤتمر عربي أو إسلامي كنا ذهبنا من دون تردد، لكن أن نذهب إلى مؤتمر يقول عنه (مستشار الرئيس الأميركي جاريد) كوشنر إنه لعرض صفقة القرن، بحيث يتم تقديم الطعم قبل رمي الصنارة، أي أن الولايات المتحدة ستقدم لنا الدعم الاقتصادي قبل أن يفجعونا ويصدمونا بالحل السياسي. بالتالي من غير الممكن أن نذهب". وأضاف أن "القيادة الفلسطينية ترفض بالكامل أي حل أميركي ترامبي. لم نذهب إلى مؤتمر وارسو للأسباب ذاتها، ولن نذهب إلى مؤتمر البحرين أيضاً". وحول ما إذا كانت القيادة الفلسطينية قد طلبت من الدول العربية والإسلامية عدم المشاركة في مؤتمر البحرين، قال شعث "نحن نطلب منهم عدم الذهاب إلى كوشنر ومبادرة ترامب. كما قلنا لأشقائنا العرب لا تذهبوا إلى وارسو نقول لهم لا تذهبوا إلى مؤتمر البحرين".

وفي سياق متصل، اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، في بيان، أن "مهاجمة غرينبلات للوكالة ودعوته إلى إلغائها ومنح دورها للدول المستضيفة للاجئين، تعكس دعوة صريحة وعلنية لتفكيك الوكالة الدولية، بما يؤدي إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين وإلغاء حق العودة، بطريقة لا تخلو من الوقاحة والاستعلاء والنظرة الفوقية والتهكم على المجتمع الدولي". ورأت أن "الإدارة الأميركية الحالية تتعامل مع الصراع بنظرة أحادية الرؤية في قراءة الأحداث التي أدت إلى هذا الصراع، من حيث جذوره وأسباب استمراره وتداعياته وكيفية إنهائه، وتتجاهل أيضاً قراءة التاريخ والقانون الدولي والمرجعيات الدولية ومرجعيات عملية السلام والواقع على الأرض أيضاً". ولفتت إلى "مواصلة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياستها القائمة على وضع العربة أمام الحصان، من خلال حسم قضايا المفاوضات النهائية لصالح الاحتلال بقرارات أميركية استباقية وإجراءات ميدانية استعمارية بعيداً عن أية مفاوضات، واهمةً بقدرتها على بعثرة قضايا الصراع الجوهرية، لتقوم بشطب ما تريد منها وإزاحته عن الطاولة وإعادة ترتيب ما تبقى منها وفقاً لأولويات الحلف الصهيوأميركي وما يخدم مصالح دولة الاحتلال وتوجهات اليمين وأيديولوجيته المتطرفة".

أما على الصعيد الفصائلي، فقد دانت غالبية الفصائل الفلسطينية مؤتمر البحرين، وما سيؤدي إليه من تطبيق فعلي لـ"صفقة القرن" عبر البوابة الاقتصادية. وقال نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية قيس عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن مستقبل مزدهر للفلسطينيين، من خلال مجموعة من الاستثمارات المشكوك بأنها ستتحقق، وحتى إذا تحققت فإنها ستأتي في ظل وضع سياسي مضطرب سيقود إلى تلاشي ما تنتجه من تقدم اقتصادي قصير الأمد، وستقود إلى مزيد من التراجع والدمار للاقتصاد الوطني الفلسطيني في غياب الاستقلال الذي هو العنصر الحاسم في عملية التنمية المستدامة". وتابع "لذلك نحن نقول إنه لا بد من مواجهة الخطوات الأميركية الملموسة على الأرض، بخطوات فلسطينية وعربية ملموسة على الأرض أيضاً". وحول المطلوب فلسطينياً، شدد عبد الكريم على أنه "يجب إنهاء الانقسام وإعداد الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال توحيدها لمواجهة شاملة مع الإدارة الأميركية وحلفائها في إسرائيل، والبدء في تطبيق قرارات المجلس الوطني التي تدعو إلى إعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل، والخروج من التزامات أوسلو المجحفة. وعلى قاعدة هذا الموقف الفلسطيني الموحد، التوجه بموقف حازم للدول العربية لوقف هذا الهجوم على التطبيع والانسياق وراء صفقة القرن الأميركية والمحاولات الجارية لتنفيذها". وبالنسبة لتواصل القيادة الفلسطينية مع الدول المضيفة للاجئين لمنع تنفيذ المخطط الأميركي تجاه توطينهم وإنهاء عمل "الأونروا"، قال عبد الكريم إن "لبنان والأردن لديهما مصلحة وطنية في منع أي تصفية لقضية اللاجئين يمكن أن تقود إلى توطينهم، لأن هذا الأمر سيؤدي إلى إشكالية كبيرة للبلدين. لذلك فإن هناك مصلحة مشتركة بين فلسطين والأردن ولبنان لمقاومة أي محاولة لتوطين اللاجئين وتصفية قضيتهم، ومجابهة الخطة الأميركية، والعمل سوية على تحرك دولي واسع النطاق، كما في العام الماضي، لإيجاد بديل عن الخطوات الأميركية لتجفيف موارد الأونروا".

ويرى مراقبون سياسيون أن التهديدات الأميركية التي تتعرض لها السلطة تعني أن هناك إجراءات وعقوبات مالية يتم تجهيزها لإجبارها على المشاركة في "صفقة القرن". ويقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، لـ"العربي الجديد"، إن "الإدارة الأميركية تعلم أن القيادة الفلسطينية سترفض المشاركة في مؤتمر البحرين، لذلك تأتي هذه التهديدات لتبرير تنفيذ ما تبقى من إجراءات عقابية جديدة بحقها على شكل المزيد من الحرب المالية والقيود على البنوك وتقييد حسابات بعض الأشخاص، ووضع قوائم سوداء لشخصيات فلسطينية، وتشجيع إسرائيل على القيام بإجراءات لضم الضفة".