الاتحاد التونسي للشغل: من "الحياد السياسي" إلى خوض الاستحقاقات الانتخابية

09 ابريل 2019
خلال تظاهرة للاتحاد التونسي للشغل في يناير الماضي (Getty)
+ الخط -
تعاظم دور الاتحاد العام التونسي للشغل خلال السنوات الأخيرة، وأضحى فاعلاً سياسياً أساسياً في الساحة التونسية، لا سيما بعد دوره في الحوار الوطني الذي أجبر "الترويكا" على التنحي عن الحكم، إثر الاغتيالات في عام 2013. وإذ اكتفى الاتحاد خلال الانتخابات الماضية بدور المراقب للساحة السياسية، وساهم في وضع "وثيقة قرطاج" (تم التوصل ليها عام 2016، وتتعلق بأولويات حكومة الوحدة الوطنية)، فإنه قرّر خلال المحطات الانتخابية المقبلة مع نهاية هذا العام، أن يتنحى عن دور المشاهد، ويخوض الانتخابات التشريعية، لكن من دون أن يقحم قياداته وقواعده في قائمات، وإنما عبر برنامج انتخابي تتبناه أحزاب وتنفذه إثر فوزها.

وتفادى الاتحاد العام التونسي للشغل، أن يضع نفسه في إحراج بإعلائه لدوره السياسي على دوره النقابي. وحتى يجنّب الاتحاد نفسه ذلك، ويظلّ نقابة الشغيلة لا طرفاً في الحكم إذا ما شارك مباشرة في الانتخابات التشريعية، فقد اختار صياغة برنامج انتخابي اقتصادي واجتماعي سيعمل على نشره بين الناخبين، وعرضه على الأحزاب السياسية حتى تتبناه لتلتزم بتنفيذه في حال فازت في الانتخابات.

ويأتي ذلك إثر سلسلة من التصريحات التي أدلى بها الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، والذي وصف الطبقة الحاكمة بـ"الهاوية والصبيانية"، ووجه لها تهماً بـ"الانصياع لتوجيهات دوائر المال العالمية التي لا تبالي لحال الشعوب وتهتك سيادتها".

وقال الطبوبي، خلال افتتاحه لمؤتمر الجامعة العامة للتعليم الثانوي، يوم الخميس الماضي، إنّ "البلاد ضاعت بين أيادي المراهقين السياسيين، وهي اليوم على مفترق طرق بعد أن أصبح الشعب محبطاً، ويعاني الويلات جراء السياسات المتبعة". وأضاف أنّ "الاتحاد متمسّك بالمكاسب الوطنية، وفي مقدمتها القطاع العام، وسيظلّ حجر عثرة في وجه كل من يريد بيع البلاد وتفقير التونسيين"، مشدداً على أنّ المطروح اليوم هو "استقلالية القرار الوطني. فالاتحاد الذي ولد من رحم التونسيين، سيضطلع بدوره الوطني، وسيكون معنياً بالانتخابات التشريعية والرئاسية، حتى لا يكون شاهد زور".

وكان الطبوبي قد هدّد منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إثر تعثّر المفاوضات حينها مع الحكومة حول الزيادات في الأجور، بأنّ المؤسسة النقابية لن تقف مكتوفة الأيدي خلال الاستحقاقات الانتخابية، وذلك حتى لا تعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها. وفي ظلّ تكتم تام حول شكل المشاركة منذ ذلك الحين، اكتفت قيادات الاتحاد بتوضيح جانب منها، وهي خوض الانتخابات عبر البرنامج لا المرشحين.


من جهته، فسّر الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، محمد علي البوغديري، في حديث مع "العربي الجديد"، ملامح هذا البرنامج. وقال إنه قائم في الأساس على حفظ القطاع العمومي من الإفلاس وتطويره، وعلى جانب اجتماعي يتجه نحو إنقاذ البلاد عبر التركيز على مواردها الداخلية، من أجل انتعاشة اقتصادية تحسّن وضع التونسيين.

وتعمل لجنة خبراء ضمن قسم الدراسات في الاتحاد، على صياغة تفاصيل البرنامج، الذي سيتم عرضه حال الانتهاء منه، على الناخبين في جهات البلاد كافة، وعلى الشغالين، حتى يجد حاضنة اجتماعية عريضة، على أن يكون ذلك خلال شهر مايو/أيار المقبل في شكل ندوة وطنية. واعتبر البوغديري أنّ العاجل في الوقت الحالي، هو "دعوة العمال بالفكر والساعد إلى التسجيل في القوائم الانتخابية، مما سيمكّن من مشاركة عريضة في الانتخابات، حتى لا تقرر قلة مصير البلاد".

أمّا عن الشروط التي يجب أن تتوفّر في الطرف السياسي الذي سيتبنى برنامج المنظمة الشغيلة، فأوّلها، بحسب البوغديري، "أن يكون في صفّ استقلالية القرار الوطني والمحافظة على مكتسبات الشعب، وأن يلتزم أخلاقياً وسياسياً بتنفيذ البرنامج". وأوضح أنّ "الاتحاد سيدعمه انتخابياً برصيده من المنخرطين الذين ستتم دعوتهم للتصويت على برنامج اتحادهم، مما قد يوفر ذلك لقائمات هذا الطرف وزناً انتخابياً هاماً".

أمّا موضوعياً، فالاتحاد، وفق البوغديري، "يتعامل بالأساس مع الأطراف السياسية التي تؤمن بالتشاركية والديمقراطية ومدنية الدولة". وبالنسبة للمرجعية، فإنها "قطعاً مرجعية اجتماعية تتبنى العدالة الاجتماعية، والعدالة في توزيع الثروات، والنضال من أجل برنامج اقتصادي وطني اشتراكي، والإيمان بالوحدة العربية، ودعم حركات التحرّر الوطني في العالم"، بحسب البوغديري، الذي أكّد أنّ "من يخرج عن هذا الإطار، فإنه خارج نظر الاتحاد".

ويبدو جلياً من خلال تصريحات البوغديري، أنّ الاتحاد قرّر بطريقة غير مباشرة تدعيم حظوظ الأحزاب اليسارية والاجتماعية، حتى يكون وزنها في البرلمان المقبل أكثر ثقلاً وتأثيراً.

المساهمون