ووسط كل هذا، يترقّب الكرملين المرحلة الجديدة في كييف، بعد عهد بوروشنكو، الذي تراجعت خلاله العلاقات الروسية الأوكرانية إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، بفعل ضمّ الروس شبه جزيرة القرم في أوكرانيا عام 2014، فضلاً عن دعمهم الانفصاليين في الشرق، في منطقة دونباس (إقليمي لوغانسك ودونيتسك).
من جانب آخر، اعتبر الكرملين أنه من السابق لأوانه تهنئة زيلينسكي بفوزه أو الحكم على إمكانية العمل المشترك معه، مؤكداً في الوقت نفسه على احترام الخيار "الواضح" للشعب الأوكراني. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في تصريحات صحافية: "لا يمكن الحكم إلا بناءً على أعمال بعينها".
وخلال السنوات الخمس الماضية، بلغت الخلافات الروسية الأوكرانية ذروتها على خلفية القرم ودونباس، فضلاً عن عزوف كييف عن شراء الغاز من روسيا، كما تم وقف حركة الطيران بين البلدين، وحجب الشبكات الروسية للتواصل الاجتماعي، وحتى أن الذكور الروس مُنعوا من دخول أوكرانيا على خلفية حادثة الاشتباك بين عسكريي البلدين في مضيق كيرتش في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
في هذا الإطار، أشار الخبير في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، إلى أن "فوز زيلينسكي لا يشكّل واقعاً سياسياً جديداً لأوكرانيا فحسب، بل لروسيا أيضاً"، مستبعداً في الوقت نفسه "احتمال التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين الشقيقين". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اهتمام روسيا بالانتخابات في أوكرانيا كان أكبر من اهتمامها حتى بانتخابات الرئاسة الروسية في العام الماضي، فتحقق رهانها الرئيسي، (المتمثل في فوز أي شخص عدا بوروشنكو)، وذلك من دون أي جهود من الكرملين باستثناء رفض أي اتصالات مع الرئيس المنتهية ولايته منذ حادثة كيرتش"، المضيق الرابط بين البحر الأسود وبحر أزوف. وحول الفرص التي أتاحها فوز زيلينسكي لموسكو، قال فرولوف: "ترى موسكو في اكتساح زيلينسكي إقبالاً من الناخبين على تغيير النبرة في العلاقات مع روسيا. على الأقل لن يحمل زيلينسكي إرث سلفه في العلاقات مع موسكو، مما يفتح بعض النوافذ من الفرص التي كانت ستظل مغلقة في حال إعادة انتخاب بوروشنكو".
ورجّح فرولوف أن "يكون تحسين العلاقات الروسية الأوكرانية أقرب إلى نموذج تطبيع العلاقات الاقتصادية مع جورجيا، على الرغم من استمرار قطع العلاقات السياسية منذ (حرب الأيام الخمسة) في أغسطس/آب 2008"، حين اجتاح الجيش الروسي جورجيا، محاصراً العاصمة تبليسي. ورأى فرولوف أن "زيلينسكي قد يتخلّى عن الخطاب المعادي لروسيا، ليخلق أجواء أكثر هدوءاً لمناقشة قضايا استئناف حركة الطيران المباشر ورفع بعض القيود التجارية، في تكرار لنجاح تطبيع العلاقات بين روسيا وجورجيا بعد الحرب".
ومع ذلك، استبعد الخبير الروسي احتمال عودة العلاقات إلى مستوى ما قبل عام 2014، مضيفاً أن "زيلينسكي لن يعترف بالسيادة الروسية في القرم، على رغم اعترافه بأن أوكرانيا خسرت شبه الجزيرة فعلياً، وبأنها لن تحارب روسيا من أجلها. كما ستصطدم الأجندة الإيجابية المحدودة بعدم إحراز تقدم في التسوية في دونباس، مع وجود خلافات لا يمكن تجاوزها في إطار تحقيق اتفاقات مينسك".
بدوره، أشار رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسية، فيودور لوكيانوف، إلى أن "فوز زيلينسكي يشكل سابقة على مستوى عالمي، لانتقال ممثل من خشبة المسرح إلى الرئاسة مباشرة من دون أي مرحلة انتقالية، ولذلك لا مجال لمقارنته مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان".
وفي مقال بعنوان "أي فرص يتيحها فوز زيلينسكي أمام أوكرانيا؟" نُشر بمجلة "بروفايل"، اعتبر لوكيانوف أن "نجاح زيلينسكي يعكس حال المجتمع وفشل الطبقة السياسية، واستكمالاً للتتابع بين شخصيات معادية لروسيا وشخصيات مطبّعة لها على رأس السلطة في كييف على مدى ثلاثة عقود". ورأى كاتب المقال أن "مثل هذا التتابع أمر طبيعي في أوكرانيا، في ظل تباين التجاذبات الجيوسياسية والثقافية، وتنافس المشروعين الروسي والأوروبي".
ومنذ نيلها استقلالها جراء تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، تولى ستة رؤساء زمام الرئاسة في أوكرانيا. الأول، ليونيد كرافتشوك (1991 ـ 1994)، والثاني ليونيد كوتشما (1994 ـ 2005)، والثالث فيكتور يوتشنكو (2005 ـ 2010)، والرابع فيكتور يانوكوفيتش (2010 ـ 2014)، والخامس أوليكساندر تورتشينوف (فبراير/شباط 2014 ـ يونيو/حزيران 2014، بصفة رئيس موقت)، والسادس بترو بوروشنكو (2014 ـ 2019). ومن بين الرؤساء الستة، وحدهما كوتشما ويانوكوفيتش كانا مؤيدين للسياسة الروسية، أما الرئيس السابع، زيلينسكي، فأمامه فترة لتوضيح مساره ورؤيته.
وكانت الجولة الأولى من الانتخابات الأوكرانية، جرت في 31 مارس/آذار الماضي، وشهد سقوط المرشحة يوليا تيموشنكو. ومن المتوقع أن تشهد البلاد انتخابات تشريعية في 27 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في أول اختبار انتخابي جديد لزيلينسكي.