ماذا تخفي تحركات الساعات الأخيرة التونسية حول ليبيا؟

20 ابريل 2019
تونس تتابع بقلق ما يجري بليبيا (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -

تكثفت التحركات التونسية حول ليبيا بشكل لافت في الأيام الأخيرة، ما يعكس محاولاتها لتفادي الأسوأ خصوصاً بعد المتغيرات الدبلوماسية في الملف الليبي، والانحياز الواضح لبعض الدول الغربية والعربية للحرب التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس.


وشهدت العاصمة التونسية تحركات واتصالات عديدة مع مختلف الأطراف الليبية. وحضر بداية الأسبوع رئيس مجلس الدولة خالد المشري، والتقى وزير الخارجية التونسية خميس الجهناوي، وعقد ندوة صحافية قبل أن يلتحق به نهاية الأسبوع وزير الخارجية في حكومة الشرق المؤقتة عبد الله حويج.
وتكثفت اللقاءات في قصر الرئاسة بقرطاج ووزارة الخارجية التونسية، وجمعت الرئيس التونسي باجي قايد السبسي بالنائب الأوّل لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا أحمد معيتيق، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، بعد انقطاع دام أشهراً، ووفداً من الكونغرس الأميركي يتقدمه رئيس "اللجنة القضائية" السناتور ليندسي غراهام.
وأكد السبسي أن تونس تتابع باهتمام بالغ المستجدات الأخيرة، وتداعياتها على الشعب الليبي وعلى استقرار تونس ودول الجوار والمنطقة عموماً. وأبرز سعي بلاده الدائم لحثّ "الأشقاء الليبيين على تغليب المصلحة الوطنية العليا ومواصلة الحوار برعاية الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة تضمن وحدة ليبيا واستقرارها، وتجنّب الشعب الليبي الشقيق مزيداً من المعاناة، وتمكّنه من استعادة أمنه في أقرب وقت".
كما التقى السبسي بالجهيناوي، الذي كشف عن فحوى لقائه برئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري، والاتصالات الهاتفية التي أجراها مع حفتر، ووزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة، ورئيس البعثة الأممية إلى ليبيا غسان سلامة.
وجدّد الجهيناوي تأكيد موقف تونس الداعي إلى "الوقف الفوري للاقتتال في ليبيا، وتجنيب الشعب الليبي مزيداً من المعاناة واستئناف المسار السياسي التفاوضي في أقرب الأوقات، تحت رعاية الأمم المتحدة وبعيداً عن أيّ تدخل خارجي". كما دعا إلى ضرورة تحلّي كافة الفرقاء الليبيين بأقصى درجات التعقل وضبط النفس، ووضع مصلحة بلادهم العليا فوق كل اعتبار.
وأكدت وزارة الخارجية، أنه يجري العمل حالياً على عقد اجتماع لوزراء خارجية تونس والجزائر ومصر بتونس العاصمة، لتنسيق جهود الدول الثلاث بهدف إنهاء حالة التوتر في ليبيا واستئناف المباحثات السياسية.
كما أشارت الوزارة في هذا الخصوص، إلى أن الجهيناوي يواصل القيام باتصالات وإجراء مشاورات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، للتعجيل بإنهاء المواجهات العسكرية في هذا البلد المجاور لتونس.

وتستميت تونس في الدعوة إلى "ضبط النفس وتغليب لغة الحوار والعودة إلى المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل سلمي توافقي ليبي ليبي يعيد الأمن والاستقرار إلى هذا البلد"، برغم كل الأطراف الدولية والإقليمية التي تؤجج الحرب في ليبيا، وتتوهم إمكانية الحسم العسكري.
وفيما تتشبث تونس بنفس موقفها السابق مع الجزائر خصوصاً، إذ تمكنت إلى حد بعيد من منع التدخل العسكري الخارجي لفترة طويلة، يبدو أن تطور الأحداث السريع وتغير الموقف الأميركي يقود المنطقة إلى مرحلة جديدة من التصعيد.
وقلب الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحفتر عدة مفاهيم، إذ "أثنى ترامب على الجهود التي يبذلها المشير حفتر في محاربة الإرهاب وتأمين المصادر النفطية الليبية" وفقاً لبيان للبيت الأبيض، الجمعة، الذي أشار إلى أن الاتصال الذي جرى، الإثنين، وتم خلاله "مناقشة الطرفين نظرة مشتركة لتحول ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي".
واعتبرت تصريحات ترامب تحولاً مخالفاً لموقف واشنطن المُعلن مطلع الشهر الجاري الذي جاء على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، إذ قال حينها: "أوضحنا أننا نعارض الهجوم العسكري لقوات خليفة حفتر على الحكومة في طرابلس، ونحث على وقفها فوراً".
ورداً على سؤال عن المكالمة بين ترامب وحفتر، قال القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان، إن "البنتاغون والسلطة التنفيذية متوازيان حول ليبيا"، مؤكداً أن "الحل العسكري ليس ما تحتاج إليه ليبيا"، بحسب ما أورده موقع "سي أن أن" باللغة العربية.
وبرغم الموقف التونسي الثابت من حل الأزمة في ليبيا، واقتناعها المؤكد بأن الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا سياسياً، إلا أنه كان من الطبيعي أن تبعثر هذه التطورات بعض أوراقها.
وجاءت مكالمة الجهيناوي مساء الخميس، في اتصال هاتفي مع حفتر لتؤكد من جديد "الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا وحقن دماء الليبيين". كما شدد على ضرورة استكمال بقية مراحل المسار السياسي الجاري تحت رعاية الأمم المتحدة في أقرب الآجال، معتبراً أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية للأزمة الليبية إلا بالحوار والتفاوض.
وأكد وزير الخارجية أهمية العمل على إيجاد أرضية توافق بين مختلف أطراف الاقتتال الدائر حالياً في طرابلس وعدد من المناطق الليبية الأخرى، تفضي إلى وضع الآليات الكفيل بحل الخلافات بين الليبيين بعيداً عن لغة السلاح، مشدداً على أن ما يجمع الفرقاء في هذا البلد الشقيق أكثر مما يفرقهم.
وبرغم أن تونس تؤكد التمسك بوجهة نظرها في حل المسألة الليبية، إلا أنها تسعى إلى أن تكون على مسافة واحدة من الطرفين لتبقي مجال تدخلها ممكناً، وإمكانية أن تحتضن حواراً قادماً متى حانت الظروف لذلك.

وجاء تعبير حفتر عن "امتنانه لمواقف رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي من الأزمة في ليبيا، وجهوده الدؤوبة من أجل التوصل إلى حل ليبي ليبي، ولمواقف تونس الداعمة للشعب الليبي"، وتنويه المشري "بوقوف تونس المتواصل إلى جانب الشعب الليبي وبما يجمع البلدين من وشائج الأخوّة، والجهود التي تبذلها على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف للدفع باتجاه حل سلمي للأزمة الليبية"، ليشير إلى أن تونس يمكن أن تؤدي هذا الدور بعد الانحياز المصري الواضح وانهماك الجزائر في مشاكلها الداخلية.