الحزب الحاكم بالسودان يخرج أوراقه الأخيرة: شارع مقابل شارع

10 ابريل 2019
حزب البشير حاول مجاراة الحراك سابقاً (فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن جرب العديد من الوسائل لوقف التقدم السياسي والميداني للمعارضة السياسية، من خلال الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة لمدة 5 أيام حتى الآن، يحاول حزب المؤتمر الوطني الحاكم اللجوء إلى مجاراة الحراك الشعبي باستخدام وسائل مشابهة.

وفي السياق، أعلن المكتب القيادي للحزب الحاكم تأييده لأحزاب تشاركه الحكم، والتي قررت تسيير موكب شعبي مؤيد للحكومة وللرئيس عمر البشير، الذي تطالب المعارضة ومعتصمو محيط القيادة العامة بتنحيه.

وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن الحزب الحاكم وشركاءه يسعون، كذلك، إلى تحويل الموكب المقرر له غدا الخميس إلى تجمع شبيه باعتصام القيادة العامة، على أن يكون مكانه حدائق الشهداء بوسط الخرطوم، والتي تبعد بضعة أمتار من القصر الرئاسي.

وقال أحمد محمد هارون، رئيس الحزب الحاكم المفاوض، في تصريحات صحافية، إن "المكتب القيادي للحزب وجّه كل عضويته بولاية الخرطوم للمشاركة في هذه المسيرة، لتأكيد أن صوت القوى الاجتماعية والسياسية ملتزم تجاه سلام وأمان واستقرار السودان".

وأوضح هارون أن المكتب القيادي عبّر عن "قلقه العميق لآثار وتداعيات الاحتجاجات، وما ترتب عليها من ظهور لعمليات سلب ونهب وقفل الطرق، وإعاقة انسياب حركة المواطنين في بعض أجزاء العاصمة القومية".

وأضاف أن "محاولة بعض القوى السياسية اختطاف إرادة الشعب والاستثمار في الراهن السياسي يظل رهاناً خاسراً ويظل التغيير المحتكم لإرادة الشعب هو الطريق الوحيد والآمن للحفاظ على سلامة الوطن".

ولم تكن هي المرة الأولى التي يحاول فيها حزب الرئيس عمر البشير مجاراة الحراك الشعبي. ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، حشد الحزب، رداً على حراك الشارع، آلافاً من المؤيدين، وخاطبهم البشير وممثلون لأحزاب أخرى في محاولة لتأكيد الثقل الحكومي، إلا أن النتيجة كانت عكسية تماماً، حيث ردت المعارضة بتنظيم عشرات التجمعات المناوئة، مع الاستمرار فيها لنحو 3 أشهر بعد ذلك، كما أن الرأي العام لم يتعامل مع الحشد الحكومي ويهتم به، لأن كثيرين يعتقدون أن الحكومة اعتادت على التحشيد، وتستخدم الكثير من آليات الدولة لذلك، وغالباً ما ترغم الموظفين العمومين على المشاركة، فضلا عن مشاركة النظاميين بملابس مدنية، حسب ما يقول معارضون.

ولا يستبعد مراقبون تكرار السيناريو "لأن أساليب الإغراء والإرهاب لم تعد لها جدوى، بعد أن كسر السودانيون كثيرا من حواجز الخوف منذ بدء الحراك الحالي".

وتعيد دعوة أحزاب الحكومة إلى تجمع مؤيد للحكومة إلى الأذهان تفاصيل ثورة إبريل/ نيسان 1985، والتي أطاحت حكومة الرئيس السابق جعفر محمد نميري، إذ حاول أنصار نميري تسيير موكب سموه "موكب الردع"، ليكون رداً على تجمعات ومواكب المعارضة، وبعد أن خرج "موكب الردع" الذي أشرف عليه الاتحاد الاشتراكي، وهو التنظيم السياسي لنظام نميري، صار مسار سخرية لضعف الأعداد المشاركة فيه.

وبعد أيام من ذلك الموكب، سقط نظام نميري بإعلان قائد الجيش يومها الفريق أول عبد الرحمن سوار الدهب انحيازه للخيار الشعبي واستلام السلطة لفترة انتقالية، قبل أن يعيدها إلى حكومة منتخبة برئاسة الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، بعد عام واحد فقط.

ولم يستبعد مراقبون تكرار ذات التجربة مع دعوة المؤتمر الوطني الحاكم والأحزاب القريبة منه، غير أن البعض يخشى من وجود اعتصام المعارضين من جهة، وتجمع المؤيدين من جهة أخرى، في وسط الخرطوم، ولا يفصل بينهما سوى نحو كيلومترين، سيقود إلى حدوث احتكاكات بين الجانبين.

وأكد مصدر من داخل تجمع المهنيين السودانيين المعارض، المحرك للشارع السوداني ضد حكومة الرئيس عمر البشير، أن التجمع وخلفه جموع المحتجين والمعتصمين ظلوا منذ أول موكب لهم في العاصمة الخرطوم في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي "يحرصون كل الحرص على سلمية الاحتجاجات والاعتصامات، وكل وسائل المقاومة المدنية، وسيظلون متمسكين بضبط النفس، وعدم الانسياق وراء هدف سعى له النظام منذ فترة طويلة، وهو تحويل المشهد السياسي السلمي إلى مشاهد من العنف والدماء حتى يجدوا مبررات البقاء في السلطة، رغم أن الشعب قال كلمته الفيصلية بذهاب النظام غير مأسوف عليه"، حسب قوله.


وقال الصحافي أسامة عبد الماجد، رئيس تحرير صحيفة "آخر لحظة"، لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب الحاكم وحلفاءه يريدون فقط من خلال مسيرته غداً الخميس، إرسال رسالة إلى بريد المحتجين، يؤكدون بها حضوره في المشهد السياسي، وأنه ليس غائباً كم حاول البعض تصوير ذلك".

وأضاف عبد الماجد أن الرسالة الثانية التي أراد الحزب الحاكم وحلفاؤه إرسالها هي "الرد على الحملات السياسية على رموز وقيادات المؤتمر الوطني، فضلاً عن طمأنه حلفاء وأنصار الحكومة الذين بدأوا في التشكيك في حجم المؤتمر الوطني وقدرته، فالحزب يود القول إنه ما زال ممسكاً بزمام المبادرة".

واستبعد رئيس تحرير "آخر لحظة" حدوث احتكاك بين المؤيدين والمعارضين، ذلك أن المحتجين، ولمدة يومين، لم يتم اعتراضهم أو تمت محاولة لفض اعتصامهم، وأن القوات النظامية، بما فيها الجيش والشرطة، أصدرت بيانات أكدت عدم رغبتها في فض الاعتصام أمام محيط القيادة العامة بالقوة، وهو أمر وصفه عبد الماجد بـ"الإيجابي، والمؤشر على احتفاظ البلاد بأمنها واستقرارها".

لكن عبد الماجد عاد وقال إنه "على المستوى الشخصي غير مؤيد لفكرة تنظيم المواكب المؤيدة للحكومة، لأن ذلك ليس مطلوباً في الوقت الراهن بقدر ما إن المطلوب إحداث معالجة اقتصادية تحفف العبء على المواطنين، ترافقها معالجة سياسية تخرج البلاد من الأزمة الحالية".