تحديات مرحلة ما بعد هزيمة "داعش" في سورية

25 مارس 2019
شكّلت "قسد" رأس الحربة في المعارك ضد "داعش"(فرانس برس)
+ الخط -

تُجمع التصريحات التي أعقبت الإعلان عن القضاء على آخر جيوب تنظيم "داعش" في منطقة شرقي نهر الفرات السورية، بعد اكتمال السيطرة على الجيب الأخير للتنظيم في منطقة الباغوز بريف دير الزور الشرقي، أول من أمس السبت، على أن قائمة التحديات التي تلي انتهاء حقبة سيطرة "داعش" طويلة، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة الاستقرار في شرقي الفرات لن يكون سريعاً.

وتتركّز الأنظار بشكل أساسي على الملفات الأمنية بوصفها الأكثر إلحاحاً، وسط قناعة بأن فقدان "داعش" للأرض لا يعني انتهاء تهديده، وأن القضاء على التنظيم نهائياً يحتاج إلى كثير من العمل. وفي جديد التطورات، سلّم مقاتلون من تنظيم "داعش" أنفسهم أمس الأحد لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في بلدة الباغوز، بعد خروجهم من أنفاق كانوا يختبئون داخلها، وفق ما أوضح متحدث باسم هذه القوات لوكالة "فرانس برس"، من دون أن يحدد عددهم. وذكرت الوكالة أن عشرات الرجال شوهدوا وهم يقفون في صف منتظم، بعضهم أرخوا لحاهم، قبل صعودهم إلى شاحنات.

ومن أبرز التحديات القائمة، يحضر مصير قيادات وعناصر التنظيم الذين فرّوا، خصوصاً أن التنظيم لا يزال يتحرك في مساحة كبيرة داخل البادية السورية مترامية الأطراف والمتصلة بمحافظة الأنبار، كبرى محافظات العراق من جهة المساحة. كذلك تحضر معضلة المعتقلين الأجانب والمحليين من التنظيم الذين توجد خلافات عدة حول كيفية التعامل معهم، لا سيما في ظل رفض دولهم استقبالهم. وفي السياق، كان قائد القيادة المركزية الأميركية جوزيف فوتيل واضحاً عندما علّق على النزوح الجماعي لعائلات "داعش" من الباغوز مع اقتراب المعارك من نهايتها قبل نحو شهر، قائلاً "ما نراه الآن ليس استسلام داعش كمنظمة، لكن في الواقع إنه قرار محسوب للحفاظ على سلامة أسرهم والحفاظ على قدراتهم".

في موازاة ذلك، فإن ملفات أخرى لا تقلّ أهمية ستكون محور المرحلة المقبلة، خصوصاً ما يتعلّق بإدارة الباغوز في الفترة المقبلة ومصير النازحين الذين خرجوا منها، لا سيما أن الفترة المقبلة ستكون حاسمة في ما يتعلق بمصير الأكراد في سورية على الصعيدين العسكري والسياسي، لا سيما بعد سحب أميركا قواتها من سورية في الأشهر المقبلة، فضلاً عن تهديدات النظام باستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد بالقوة. كما أن الجانب التركي يعوّل على الفترة المقبلة لمحاصرة القوات الكردية.

وبينما كانت "قوات سورية الديمقراطية" تشكّل رأس الحربة في المعارك ضد "داعش"، وقدّمت ثمناً باهظاً حتى أتمت تحرير أكثر من ثلث مساحة سورية من التنظيم المتطرف، مؤكدة مقتل 11 ألف عنصر منها منذ بدء عملية مواجهة "داعش" في أواخر عام 2015، فإنها تدرك جيداً خطورة المرحلة المقبلة، أكان ما يتعلق بمصيرها أو القضايا العالقة في مرحلة ما بعد نهاية سيطرة التنظيم. ولذلك بدت حريصةً منذ لحظة إعلان هزيمة التنظيم على التأكيد أنه لا يمكن لها أن تواجه هذه التحديات منفردة، خصوصاً أنها هي الأخرى تقف اليوم على مفترق طرق وعرة بعد انتهاء المهمة الموكلة لها من التحالف الدولي.


ويقفز إلى الواجهة ملفّ مئات المسلحين المنتمين إلى "داعش" الذين سلّموا أنفسهم إلى قوات التحالف الدولي و"قسد" إضافة إلى عشرات آلاف المدنيين، جلّهم من عائلات المسلحين المنتمين لنحو 40 جنسية في العالم، إذ فتح التنظيم الباب أمام المتطرفين في العالم والذين انحدروا خلال عامي 2014 و2015 من كل حدب وصوب.
وفي السياق، قال رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية في سورية، عبد الكريم عمر، في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، "قضينا على دولة داعش، وهذا إنجاز كبير جداً، لكنه لا يعني أننا قضينا على داعش". وتحدّث عن "تحديات كبيرة"، أبرزها أن "لدينا الآلاف من المقاتلين بالإضافة إلى أطفال ونساء من 54 دولة، ما عدا السوريين والعراقيين، وهذا عبء كبير وخطر علينا وعلى كل المجتمع الدولي". وحذّر عمر من وجود "الآلاف من الأطفال الذين تربّوا على ذهنية داعش" في مخيمات النازحين. وقال "إذا لم تتم إعادة تأهيلهم وبالتالي دمجهم في مجتمعاتهم الأصلية فهم جميعهم مشاريع إرهابيين". ورأى عمر أن "أي تهديد أو أي حرب جديدة ستكون فرصة" لمقاتلي التنظيم "للهروب من المعتقلات"، مضيفاً "يجب أن يكون هناك تنسيق بيننا وبين المجتمع الدولي لمواجهة هذا الخطر".

وأحصت "قسد" خروج أكثر من 66 ألف شخص من جيب التنظيم الأخير في شرقي الفرات منذ مطلع العام الحالي، بينهم خمسة آلاف مسلح على الأقل تم توقيفهم، ونقل قسم منهم إلى داخل قواعد أميركية في العراق. ونقل أغلب المدنيين الخارجين من ريف دير الزور الشرقي إلى مخيم الهول جنوب شرق الحسكة، وأكدت شبكة "فرات بوست" المحلية أن المخيم بات يضم 73 ألف نازح ولاجئ في ظل ظروف معيشية صعبة، أدت إلى وفاة 140 شخصا جلّهم من الأطفال والنساء منذ أواخر العام الماضي. ورفضت الدول التي يحمل مسلحو تنظيم "داعش" جنسياتها عودتهم، ما يضع "قسد" أمام تحدٍ كبير، إذ لا يمكنها معالجة هذا الملف الشائك منفردة، خصوصاً أنها أصبحت في مواجهة خيارات تماسكها بعد انتهاء مهمتها الرئيسية.

وإلى جانب الجهاديين المعتقلين وأفراد عائلاتهم، يشكّل وجود "الخلايا النائمة" في مناطق عدة، وانتشار التنظيم في البادية السورية مترامية الأطراف، تحدياً رئيسياً بعد انتهاء "الخلافة" جغرافياً. ولم ينته تنظيم "داعش" في سورية بشكل كامل، إذ لا يزال قوةً ضاربة في البادية السورية التي تشكّل نحو نصف مساحة البلاد (80 ألف كيلومتر)، ويحتفظ هذا التنظيم بجيوب سيطرة تضم آلاف المقاتلين الذين هربوا من مناطق سورية عدة. وحسب معلومات متقاطعة، فإن انتشار التنظيم يمتدّ من ريف بلدة البوكمال الجنوبي، خصوصاً محطة "تي 2" النفطية، إلى ريف السخنة غرباً، وريف مدينة تدمر والجبال التدمرية الجنوبية، وأطراف بلدتي القريتين ومهين في القلمون الشرقي، وصولاً إلى ريف مدينة ضمير، فيما يصل شرقاً إلى منطقة الحرات والجفيف، الملاصقة لمنطقة تلول الصفا التي خرج منها التنظيم قبل بضعة أشهر على خلفية المعارك في ريف السويداء الشرقي.
كما أن التنظيم لا يزال يمتلك عدداً من الرهائن لاستخدامهم كورقة تفاوض مع التحالف الدولي في وقت لاحق، غير أنه من غير الواضح طبيعة هؤلاء الرهائن.

وإلى جانب الملفات الأمنية، يحضر الملف الإنساني في المنطقة بشكل ضاغط. ونشر صحافيون سوريون زاروا بلدة الباغوز عقب إعلان الانتصار على "داعش"، مقاطع فيديو تبيّن حجم الدمار الكبير الذي طاول البلدة التي بقيت لأيام مركز اهتمام العالم. وتؤكد المقاطع أن التحالف الدولي كان يريد طيّ صفحة التنظيم في منطقة شرقي الفرات بشتى السبل، بما فيها استخدام قوة تدميرية هائلة، أدت إلى مقتل المئات من مسلحي "داعش" وعائلاتهم خلال فترة زمنية قصيرة.

وفي السياق، قال متحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية" يستخدم اسم مروان الشجاع الحركي، إن الباغوز "مليئة بكل أنواع المتفجرات". وأضاف أن "قسد" تقوم بتطهير المنطقة وفجّرت ألغاماً أرضية وأحزمة انتحارية خلّفها مقاتلون. في وقت قُتل فيه سائق يعمل مع طاقم شبكة "إن بي سي نيوز" إثر انفجار عبوة ناسفة في شرق سورية في وقت متأخر يوم السبت، إذ تغطي العديد من وسائل الإعلام تحرير آخر قطعة من الأراضي كانت تحت سيطرة "داعش".