غادر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمس الثلاثاء، بلاده في جولة إلى المنطقة تشمل الكويت والأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان بين 19 و23 مارس/آذار الحالي. وفي الأصل، كانت الزيارة مقررة لمشاركة بومبيو في "الحوار الاستراتيجي" الثالث بين الكويت والولايات المتحدة، لكن على هامشها، تم ترتيب زيارته إلى إسرائيل ثمّ لبنان يوم غد الخميس وبعد غد الجمعة على التوالي. وعلى الرغم من أهمية "الحوار الاستراتيجي" الكويتي الأميركي وجدول أعماله الثنائي والإقليمي، إلا أنه أخذ من الاهتمام في واشنطن أقل مما نالته زيارة بومبيو المقررة إلى بيروت وتل أبيب؛ فمهمته في الأولى ستكون مثيرة للجدل، إن لم تكن مثيرة للمتاعب والتوتر بين الفرقاء اللبنانيين. وفي الثانية، يبدو من توقيتها أنها دخول جانبي على خطّ الانتخابات الإسرائيلية لتزويد حملة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشحنة من التأييد "الترامبي".
عادة، لا يزور المسؤولون الأميركيون إسرائيل خلال حملاتها الانتخابية، كتعبير عن الحياد والوقوف على مسافة واحدة من الأحزاب كافة، رغم أنّ بعض الإدارات الأميركية في عهدي الرئيسين بيل كلينتون وباراك أوباما، اتُهمت بالرغبة في خسارة نتنياهو الانتخابات، ولكن من بعيد وبصورة غير مباشرة. إلا أنّ الرئيس الحالي دونالد ترامب لا يتقيّد بما سبق، خصوصاً عندما يكون "صديقه" نتنياهو في وضع حرج، ويحتاج إلى مساندة، اقتضت أن يعرج بومبيو على إسرائيل في جولته، كإشارة تفضيل لرئيس حزب "الليكود" اليميني، وكخطوة موجهة إلى مؤيدي ترامب في إسرائيل. وكان يمكن لبومبيو التباحث مع نتنياهو في واشنطن التي سيصل إليها مطلع الأسبوع المقبل للمشاركة في مؤتمر اللوبي الإسرائيلي السنوي في 24 و25 مارس الحالي، حيث سيلتقي أيضاً ترامب في البيت الأبيض.
اقــرأ أيضاً
وسيكون محورُ الجولة "إيران ووكلاءها مثل حزب الله"، بحسب تعبير الإدارة الأميركية، في حين أنّ القضايا الأخرى الساخنة مثل سورية واليمن، ستكون ثانوية في هذه الزيارة. وعليه، فإنّ محطتها اللبنانية هي الأهم والأصعب. ويعترف الأميركيون بأن تعقيدات لبنان وانقساماته الحكومية، تمنع ضمه إلى الجبهة المناوئة لطهران. وقد لمس الدبلوماسي الأميركي دافيد ساترفيلد ذلك خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت مطلع الشهر الحالي، وكذلك مساعد بومبيو للشؤون السياسية، دافيد هيل، الذي زار بيروت هو الآخر للغرض نفسه خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي. وكان وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، قد سبقهما إلى لبنان في شهر فبراير/شباط من العام الماضي، ليَلقى عدم اكتراث في استقباله من قبل الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي تأخر عن موعد الاجتماع به، ما أثار ضجة في واشنطن.
الآن، يأتي بومبيو في محاولة أخرى لاختراق "الامتناع" اللبناني، ويحمل معه سلّة إغراءات وتحذيرات. وعشية مغادرته بلاده، تحدثت الإدارة الأميركية عن استعدادها "لتسهيل محادثات" بين لبنان وإسرائيل، "للعثور على صيغة ترضي الجانبين" في مسألة التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية رقم 9 المختلف حول حدودها بين الطرفين. وبذلك، تطرح إدارة ترامب حلّ شراكة معينة في مساحة بحرية يعتبرها لبنان موازية لحدوده، وبالتالي واقعة ضمن مجال حقوقه في التنقيب. لكن هذه المشاركة، في حقيقتها، ليست أقل من مساومة على حقّ لبناني.
إضافة إلى ذلك، تستمرّ واشنطن في تقديم المساعدة العسكرية للبنان بحوالي 70 مليون دولار سنوياً، وربما تعيد النظر في اعتراضها على عودة اللاجئين السوريين قبل التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية. في المقابل، تطالب واشنطن لبنان بسدّ منافذ تمويل "حزب الله"، التي قد تتوفر له من خلال المواقع الحكومية التي يشغلها كوزارة الصحة وغيرها، خصوصاً بعد أن شحّت موارده الإيرانية نتيجةً للعقوبات الأميركية على طهران. وتحذّر واشنطن مسبقاً من عواقب خرق شروطها التي قد تقود إلى توترات داخلية لا يقوى لبنان على تحمّلها في ضوء توازناته الراهنة، لا سيما إذا كانت الآليات الأميركية في هذا الشأن مطاطة، كأن تعتبر مثلاً خدمات هذه الوزارة وغيرها بمثابة تمويل لـ"حزب الله". فالإصرار على محاسبة لبنان غير المتوفّر لديه إجماع حول الموضوع، من شأنه تسعير الاشتباك السياسي الداخلي، خصوصاً إذا ترجمت واشنطن تحذيرها بفرض عقوبات تزيد من تردي الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً في البلاد.