وبحسب المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد" من شخصيات على اطلاع على مضمون الاجتماع الذي تداعى إليه ممثلون عن فصائل الحشد الشعبي المسلحة وزعامات سياسية مقربة من إيران أمس الثلاثاء، في بغداد، فإن اللقاء أفضى إلى تكريس توصيات عدة، متعلقة بالوجود الأميركي في العراق لا تضمن أي تصعيد عسكري.
وكشفت تسريبات من مصادر مقرّبة لفصائل عدة أنه تم الاتفاق خلال الاجتماع "على مواصلة التصعيد الإعلامي وتشكيل خلية عمل داخل البرلمان، لتسريع إعداد مشروع قانون ضد الوجود العسكري الأميركي، إضافة الى تشكيل فريق محامين ومستشارين قانونيين، أحدهم مقرّب من التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، سبق أن ظهر ضمن فريق المحكمة التي أشرفت عليها واشنطن عام 2005 لمحاكمة صدام حسين وعدد من رموز نظامه، مع الالتزام بعدم التصعيد على الأرض وتجنب أي احتكاك مع القوات الأميركية".
وأشار مسؤولون في بغداد، بينهم مستشار حالي في أمانة مجلس الوزراء، بأن رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، الذي يستعد لزيارة واشنطن، "نجح في الحصول على ضمانات من فصائل عدة، بعدم الاحتكاك مع الأميركيين على الأرض، محاولاً تمرير الأزمة الحالية ومطالبة المسؤولين الأميركيين بضرورة توقف ترامب عن إطلاق التصريحات المهينة للسيادة العراقية بين فترة وأخرى".
وبحسب مصادر خاصة داخل مكتب عبد المهدي، فإنه "نجح خلال الساعات الماضية في أخذ تعهّد من زعامات بارزة في الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، أبرزهم قيس الخزعلي (عصائب أهل الحق) وأوس الخفاجي (أبو الفضل العباس) وأكرم الكعبي (النجباء) وسعد سوار (المؤمل) وعلي الياسري (الخرساني) وممثل عن كتائب حزب الله العراقية، إضافة إلى أبو مهدي المهندس، القائد العسكري الميداني لفصائل الحشد الشعبي، بعدم استفزاز الجيش الأميركي أو القيام بأي عمل عدائي ضده داخل العراق. وهو ما تكفّل به هادي العامري زعيم تحالف الفتح، أمين عام منظمة بدر، التي تمتلك أيضاً فصيلاً مسلحاً على الأرض، كضامن لهذا التعهد".
وأكدت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أن "عبد المهدي نجح في احتواء ما اعتُبر استفزازات أميركية خلال الأسبوعين الماضيين، من تسيير دوريات وأرتال، داخل المدن المحررة وعلى مقربة من مقرات الحشد، لكن تصريحات ترامب خلقت حالة من السباق على إرضاء طهران والتقرب منها ضمن منافسة غير خافية بين الفصائل داخل العراق. وحالياً هناك تحرك متصاعد داخل البرلمان للإسراع بتقديم مشروع إلغاء الاتفاقية الأمنية أو تشريع قانون جديد، يلزم بخروج القوات الأجنبية ككل من العراق، وعلى رأسها الجيش الأميركي".
ولفتت المصادر إلى أن "الأنظار قد تتوجه في الفترة المقبلة نحو رئيس أركان الجيش، الفريق أول الركن عثمان الغانمي، الذي يتمتع فعلياً بصلاحيات أوسع من وزير الدفاع وأي منصب عسكري آخر بالبلاد. وبحسب الإجراءات، فإنه معني بتحديد مدى حاجة قواته إلى الجيش الأميركي ومدى قدرتها على حفظ الأمن بمفردها، من دون مساعدة أجنبية خلال الفترة الحالية، أو تحديد الفترة المطلوبة لتتمكن القوات العراقية من إدارة شؤون البلاد الأمنية وتثبيت الاستقرار بالعراق من دون مساعدة".
ومعروف عن الغانمي من خلال تصريحاته الأخيرة ميله إلى "وجود قوات تساعد الجيش العراقي في ملف التدريب والتسليح وتطوير الوحدات القتالية". وعزا مراقبون ذلك إلى مخاوف جنرالات بالجيش من خطأ التفكير في الملف الداخلي فقط وضرورة إعداد الجيش بشكل يوازي الجيوش المجاورة لتتمكن بغداد من استعادة وضعها الطبيعي في المنطقة.
وقد شوهدت، أمس الثلاثاء، مروحيات عسكرية أميركية تحلّق فوق قواعد عسكرية توجد فيها قواتها في عين الأسد بالأنبار والمطار غربي بغداد وعلى ارتفاعات منخفضة، بينما شوهد ارتفاع منطاد مراقبة جديد فوق قاعدة الحبانية، لكن مسؤولاً محلياً في المدينة الواقعة على بعد 25 كيلومتراً إلى الشرق من الفلوجة قال لـ"العربي الجديد" إنه "مرفوع منذ مدة".
في غضون ذلك، نقلت وسائل إعلام محلية، بعضها مقرّب من تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، أن "الأخير عقد اجتماعاً مع وفد من تحالف سائرون بزعامة مقتدى الصدر، وأن القيادي في التيار الصدري نصار الربيعي كان ممثلاً عن تحالف سائرون، وأنه تم الاتفاق على تشكيل لجنتين؛ الأولى لإنهاء الخلافات بين الجانبين، والثانية للعمل على إنهاء الوجود الأميركي في العراق عبر تشريع قانوني".
بدوره، أكد النائب كريم عليوي، عن تحالف "البناء"، وهو الجناح السياسي لفصائل الحشد، أنه "ينبغي أن يكون هناك اجتماع عاجل بين القوى السياسية وعبد المهدي للإفصاح عن حقيقة وجود القوات الأميركية وأعداد وطبيعة مهامها"، مبيناً في تصريحات صحافية أن "تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثارت حفيظة السياسيين، لما انطوت عليه من خطورة وأن ترامب يريد جعل العراق بؤرة لضرب الدول المجاورة".
وحول الموضوع توقع المحلل أحمد الحمداني أن "يبقى الاحتقان لفترة من الزمن، لكنه سيتراجع بشكل تدريج ليعود إلى مستوياته السابقة. أما بالنسبة لموضوع التحرك البرلماني، فإنه قد يتصاعد إعلامياً، كون البرلمان في عطلة تشريعية حالياً". وأضاف أن "الفصائل لن تجازف في مواجهة مسلحة مع القوات الأميركية، لأنها قد تخسر امتيازات واسعة لها وتضع نفسها أمام معركة خاسرة. بالتالي فإنه قد يصار بالنهاية إلى وضع جدول زمني للانسحاب. ومن المؤكد أنه لن يكون خلال العامين المقبلين على أقل تقدير، خصوصاً أن خارطة توزع القوات الأميركية حالياً، هي في مناطق بعيدة عن الحدود مع إيران، وتصريحات ترامب وصلت إلى الجميع بأن هناك خشية من ابتلاع كامل للعراق من قبل الإيرانيين في حال انتهى وجودهم العسكري على الأرض". وأوضح الحمداني أن "كلمة (مراقبة إيران) بالتأكيد غير المقصود فيها عسكرياً، كون القواعد الأميركية داخل العراق ما زالت محدودة القدرات، إلا إذا كانت هناك خطة تطوير وتوسعة جديدة لعدد منها".
في غضون ذلك، كشف السفير الأميركي في بغداد دوغلاس سيليمان، في رسالة بمناسبة انتهاء مهامه رسمياً في البلاد وزعتها السفارة الأميركية ببغداد أمس الثلاثاء، عن "وجود أكثر من 5000 جندي أميركي في العراق يعملون مع القوات العراقية بالتنسيق مع الحكومة"، داعياً إياها إلى "حماية سيادة البلاد من خلال تأمين حدوده وبناء قوات أمنية تأتمر بأمر الحكومة فقط".
وأضاف سيليمان في رسالته التي اختتم بها عمله بعد نحو عامين ونصف العام على توليه مهامه بأن "العراق أحرز تقدماً بالرغم من صعوبة رؤية ذلك التقدم في خضم ضجيج السياسة"، مؤكداً أنه "بعد عدد من المعارك الشرسة وخسارة العديد من العراقيين، قامت القوات العراقية وبالشراكة مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بتحرير الموصل وطرد عناصر داعش منها".
وأضاف سيليمان، الذي يخلفه ماثيو تولر المعروف بمواقفه المتشددة من إيران، أن "القتال لم ينته بعد، فبناءً على طلب الحكومة العراقية وبالتعاون الكامل مع بغداد ما زال هناك أكثر من 5000 جندي أميركي يواصلون العمل بالشراكة مع قوات الأمن العراقية في قواعدهم، لتقديم المشورة وتدريبهم وتجهيزهم لضمان الهزيمة الدائمة لداعش، والدفاع عن حدود العراق". وأكد أن "التحالف الذي يضم 74 دولة وخمس منظمات دولية، درّب أكثر من 190 ألف عنصر من ضباط الشرطة والجنود العراقيين"، مشيراً إلى أنّه "مع تراجع داعش تحَسن الوضع الأمني في بغداد ومناطق أخرى من العراق تحسناً ملحوظاً، ومن خلال جهود الحكومة والولايات المتحدة وشركاء دوليين آخرين عاد أكثر من 4 ملايين نازح عراقي إلى ديارهم بأمان وكرامة. لقد بدأت المجتمعات العرقية والدينية من الأقليات بالتعافي بعد أن استهدفتها داعش بالإبادة الجماعية".
وبشأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أكد سيليمان أنه "توجد فرص لا حدود لها للعراق في المستقبل. فالعراق بلدٌ غني ولديه وفرة من النفط والغاز والمياه والأراضي الصالحة للزراعة، ويمتلك شرائح من المتعلمين الأذكياء الذين يعملون بجد، وأيضا يحظى بدعم الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى التي ترغب في رؤيته يتحول إلى بلد مستقل وديمقراطي ومزدهر وذي سيادة". واعتبر أن "البعض يريد أن يكون لدى العراق صديق واحد فقط. ولكن الولايات المتحدة تريد أن يكون للعراق مائة من الأصدقاء وأن يختار الأفكار والممارسات التي تصبُ في مصلحةِ أمن العراق ومجتمعه واقتصاده"، لافتاً إلى أنه "ستكون أمام العراقيين في الفترة المقبلة خيارات مهمة وأتمنى أن تختاروا العراق في كل مرة".
وبينما يغادر سليميان منصبه تتجه الأنظار إلى خليفته الذي يعرف بكونه أكثر المنتقدين للسياسات الإيرانية ونفوذ طهران في العراق وسورية والمنطقة العربية. مع العلم أن مسؤولاً عراقياً سبق أن أكد في حديث مع "العربي الجديد" أن "هناك توجّهاً لدى الأميركيين نحو تغيير كامل طاقمهم في العراق بعد نتائج ومكاسب متواضعة حققوها خلال مفاوضات تشكيل الحكومة وتسمية رئيس البرلمان والجمهورية". وتوقع أن "تتخذ الولايات المتحدة مع بداية عمل السفير الجديد جملة من الإجراءات في العراق، تتمثّل برفع التصعيد تجاه إيران، وزيادة الضغط على بغداد للالتزام بالعقوبات الأميركية على طهران، بالإضافة إلى تحجيم دور فصائل الحشد الشعبي المدعومة إيرانياً".