تنشغل الساحة السياسية التونسية بالانتخابات المقررة في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لكن أقل المهتمين بالشأن الانتخابي هم الجمهور الناخب الذي تراجعت حماسته واتسعت حيرته، ولا يبدو أنه حدد خياراته بشكل واضح، مع وجود نسبة كبيرة منه تفكّر في عدم المشاركة، وفق استطلاعات الرأي التي أجريت أخيراً. أما الأحزاب فقد انغمست في ترتيب أوضاعها الداخلية والبحث عن نقاط ضعف منافسيها، إلى جانب البحث عن أطراف يمكن أن تكون قريبة منها والتي قد تحتاج إلى التنسيق أو التحالف معها. حتى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة مشدودتان أيضاً لما سيحصل في شهر أكتوبر، على الرغم من تأكيدهما في تصريحات صحافية أنهما تفكران في "مصلحة البلاد". لكن السؤال المطروح اليوم، هل ستتجه الأوضاع نحو تغير الخارطة السياسية، أم أن استمرارية المشهد ستفرض نفسها من جديد مع تغير في المواقع؟
تبدو حركة "النهضة" مطمئنة مقارنة ببقية الأحزاب، فكل المؤشرات تضعها في المقدمة، أو في أسوأ الاحتمالات قد تحتل المرتبة الثانية. كما تُعتبر المستفيد الرئيسي من انقسام حزب "نداء تونس"، لتتصدّر المشهد بحصولها المحتمل على ثلث أصوات الناخبين، على الرغم من وجود مساعٍ لإرباكها عبر اتهامها بامتلاك جهاز سري، واعتبارها الحزب المتحكّم في رئيس الوزراء يوسف الشاهد وحكومته.
أما حزب "نداء تونس" الذي انتصر في انتخابات 2014 عندما كان موحّداً ومدعوماً شعبياً، فجمهوره المتبقي اليوم ستتوزع أصواته بين جناح حافظ قائد السبسي المفكك، وبين حزب "تحيا تونس" الداعم ليوسف الشاهد. وهذا من شأنه أن يشتت أهم كتلة انتخابية مناهضة لحركة "النهضة"، مما سيكون في صالح هذه الأخيرة.
ويشعر "الندائيون" بالقلق من المرحلة المقبلة، بعد أن خسر حزبهم الكثير من كوادره الفاعلة، إلى جانب استمرار التناحر الداخلي بين من بقي من قادتهم. وحتى يضمن المحافظة على مواقعه الحالية، أكد نجل الرئيس، حافظ قائد السبسي، أن "لا خيار لنا غير ترشيح الباجي قائد السبسي للرئاسة"، واعتبر ذلك رغبة ملحّة من قواعد الحزب. وبالتالي فإن الورقة الوحيدة المتبقية للحزب هي السعي نحو الاحتفاظ برئاسة الجمهورية مهما كانت الظروف، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تؤكد تراجع حظوظ السبسي الذي نزل إلى المرتبة الثالثة في آخر عملية استطلاع للآراء أعدتها مؤسسة "سيغما كنساي"، وذلك بحصوله على نسبة تسعة في المائة مقابل يوسف الشاهد الذي حصل على 30,7 في المائة.
اقــرأ أيضاً
مع ذلك يواجه يوسف الشاهد معارضة شديدة من جميع الأطراف بما في ذلك "النهضة". الكل يتهمونه باستغلال الدولة من أجل تأسيس حزبه. وبعد التأييد الذي تلقاه من حركة "النهضة" مما جعله مديناً لها ببقائه في السلطة، إذ بزعيم "النهضة" راشد الغنوشي يدلي بتصريح أحدث ضجة كبرى في الأوساط السياسية، عندما لوّح باحتمال تغيير الحكومة والمجيء بحكومة تكنوقراط أو حكومة انتخابات، وكشف عن وجود مشاورات مع أطراف لم يسمها من أجل التوصل إلى موقف مشترك حول هذه المسألة. إعلان مفاجئ بدا وكأنه يتقاطع مع رغبة رئيس الجمهورية من جهة، ومع دعوة "الجبهة الشعبية" للإطاحة بحكومة الشاهد من جهة أخرى. وبقطع النظر عن الأسباب والدوافع، فالمؤكد أن قيادة "النهضة" أصبحت تشعر باحتمال أن ينقلب عليها حليفها الراهن عندما يكبر حجمه ويشعر بالقدرة على الاستغناء عن دعمها له.
مقابل ذلك، هناك حزبان يشهدان صعوداً ملحوظاً. أولهما "التيار الديمقراطي" الذي ينوي ترشيح أمينه العام السابق محمد عبو إلى الانتخابات الرئاسية. هذا الحزب لا ينوي التحالف مع اليسار، وفي المقابل يرفع صوته عالياً ضد الائتلاف الحاكم ويحمّله مسؤولية الأزمة السياسية الراهنة، ويؤكد خلافه الجذري مع حركة "النهضة"، وهو ما جعله يستقطب جزءاً من الجمهور الغاضب على حكومة الشاهد وأيضاً أولئك الذين سحبوا ثقتهم من السبسي وحزبه. لكن على الرغم من هذا النمو الملحوظ لـ"التيار الديمقراطي" في أوساط جزء من الشارع التونسي، فإنه من غير الوارد أن يقلب موازين القوى وأن ينجح في إزاحة "النهضة" أو أن يقطع الطريق أمام حزب الشاهد.
أما الحزب الثاني الذي قد يصبح ممثلاً لأول مرة في البرلمان، فهو "الحزب الدستوري"، الذي له اختلافات متعددة مع التنظيمات التي خرجت من جلباب "التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل إلا أنه بصدد التوسع نظراً لعدائه الشديد لحركة "النهضة" وإعلانه الحرب عليها، ومطالبته الصريحة بحلها ومحاكمة قادتها. لكن على الرغم من ذلك، من غير الوارد أن يؤثر كثيراً على الخارطة الحزبية الراهنة.
من جهته، فإن اليسار التونسي ممثلاً في "الجبهة الشعبية"، تبدو أوضاعه صعبة، وقد يتراجع تمثيله في البرلمان في حال تم التصويت لصالح تحديد العتبة الانتخابية بخمسة في المائة. اليسار صوته عالٍ جداً، ومعركته الأساسية مع الإسلاميين، لكن وزنه الانتخابي لا يزال محدوداً نتيجة أزمته التاريخية التي يعاني منها منذ عقود، على الرغم من الجهود الكبرى التي بذلها زعيمه شكري بلعيد قبل اغتياله.
هكذا تبدو الخارطة الحزبية قبل نحو ثمانية أشهر من الانتخابات، تخيّم عليها ضبابية كبيرة، وهو ما دفع رئيس منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية، عبد الوهاب حفيظ، للقول في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المشهد غير واضح، وأن استطلاعات الرأي لا تزال عيناتها محدودة ولا يمكن البناء على نتائجها، فالمؤكد أن حركة النهضة تتمتع بقاعدة انتخابية ثابتة لا تتجاوز 450 ألف ناخب، في حين أن الجهة المقابلة لها لا تزال غير مكتملة، كما أن حزب الشاهد لا وجود له قانوناً ولذلك يصعب التكهن بوزنه الحقيقي".
اقــرأ أيضاً
تبدو حركة "النهضة" مطمئنة مقارنة ببقية الأحزاب، فكل المؤشرات تضعها في المقدمة، أو في أسوأ الاحتمالات قد تحتل المرتبة الثانية. كما تُعتبر المستفيد الرئيسي من انقسام حزب "نداء تونس"، لتتصدّر المشهد بحصولها المحتمل على ثلث أصوات الناخبين، على الرغم من وجود مساعٍ لإرباكها عبر اتهامها بامتلاك جهاز سري، واعتبارها الحزب المتحكّم في رئيس الوزراء يوسف الشاهد وحكومته.
ويشعر "الندائيون" بالقلق من المرحلة المقبلة، بعد أن خسر حزبهم الكثير من كوادره الفاعلة، إلى جانب استمرار التناحر الداخلي بين من بقي من قادتهم. وحتى يضمن المحافظة على مواقعه الحالية، أكد نجل الرئيس، حافظ قائد السبسي، أن "لا خيار لنا غير ترشيح الباجي قائد السبسي للرئاسة"، واعتبر ذلك رغبة ملحّة من قواعد الحزب. وبالتالي فإن الورقة الوحيدة المتبقية للحزب هي السعي نحو الاحتفاظ برئاسة الجمهورية مهما كانت الظروف، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تؤكد تراجع حظوظ السبسي الذي نزل إلى المرتبة الثالثة في آخر عملية استطلاع للآراء أعدتها مؤسسة "سيغما كنساي"، وذلك بحصوله على نسبة تسعة في المائة مقابل يوسف الشاهد الذي حصل على 30,7 في المائة.
مع ذلك يواجه يوسف الشاهد معارضة شديدة من جميع الأطراف بما في ذلك "النهضة". الكل يتهمونه باستغلال الدولة من أجل تأسيس حزبه. وبعد التأييد الذي تلقاه من حركة "النهضة" مما جعله مديناً لها ببقائه في السلطة، إذ بزعيم "النهضة" راشد الغنوشي يدلي بتصريح أحدث ضجة كبرى في الأوساط السياسية، عندما لوّح باحتمال تغيير الحكومة والمجيء بحكومة تكنوقراط أو حكومة انتخابات، وكشف عن وجود مشاورات مع أطراف لم يسمها من أجل التوصل إلى موقف مشترك حول هذه المسألة. إعلان مفاجئ بدا وكأنه يتقاطع مع رغبة رئيس الجمهورية من جهة، ومع دعوة "الجبهة الشعبية" للإطاحة بحكومة الشاهد من جهة أخرى. وبقطع النظر عن الأسباب والدوافع، فالمؤكد أن قيادة "النهضة" أصبحت تشعر باحتمال أن ينقلب عليها حليفها الراهن عندما يكبر حجمه ويشعر بالقدرة على الاستغناء عن دعمها له.
أما الحزب الثاني الذي قد يصبح ممثلاً لأول مرة في البرلمان، فهو "الحزب الدستوري"، الذي له اختلافات متعددة مع التنظيمات التي خرجت من جلباب "التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل إلا أنه بصدد التوسع نظراً لعدائه الشديد لحركة "النهضة" وإعلانه الحرب عليها، ومطالبته الصريحة بحلها ومحاكمة قادتها. لكن على الرغم من ذلك، من غير الوارد أن يؤثر كثيراً على الخارطة الحزبية الراهنة.
من جهته، فإن اليسار التونسي ممثلاً في "الجبهة الشعبية"، تبدو أوضاعه صعبة، وقد يتراجع تمثيله في البرلمان في حال تم التصويت لصالح تحديد العتبة الانتخابية بخمسة في المائة. اليسار صوته عالٍ جداً، ومعركته الأساسية مع الإسلاميين، لكن وزنه الانتخابي لا يزال محدوداً نتيجة أزمته التاريخية التي يعاني منها منذ عقود، على الرغم من الجهود الكبرى التي بذلها زعيمه شكري بلعيد قبل اغتياله.
هكذا تبدو الخارطة الحزبية قبل نحو ثمانية أشهر من الانتخابات، تخيّم عليها ضبابية كبيرة، وهو ما دفع رئيس منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية، عبد الوهاب حفيظ، للقول في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المشهد غير واضح، وأن استطلاعات الرأي لا تزال عيناتها محدودة ولا يمكن البناء على نتائجها، فالمؤكد أن حركة النهضة تتمتع بقاعدة انتخابية ثابتة لا تتجاوز 450 ألف ناخب، في حين أن الجهة المقابلة لها لا تزال غير مكتملة، كما أن حزب الشاهد لا وجود له قانوناً ولذلك يصعب التكهن بوزنه الحقيقي".