تهميش إبراهيم العساف: وزير الخارجية السعودي للقضايا الثانوية

17 فبراير 2019
عمل العساف وزيراً للمالية 20 عاماً (أحمد فروان/فرانس برس)
+ الخط -

على عكس فترة تولي إبراهيم العساف منصبه على مدى 20 عاماً كوزير للمالية السعودية وذلك بين عامي 1996 و2016، عندما ارتبطت الوزارة باسمه، توجد قلة اليوم قادرة على تذكر أن العساف عيّن وزيراً للخارجية السعودية في 27 من ديسمبر/ كانون الأول عام 2018، بديلاً عن عادل الجبير الذي عيّن وزير دولة للشؤون الخارجية.

منذ تعيينه يغيب العساف، إلا فيما ندر، عن المشهد الدبلوماسي السعودي المحتدم، بسبب الضغوط التي تواجهها المملكة نتيجة تورّطها في مقتل الكاتب الصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول التركية، بالإضافة إلى غرقها في الحرب اليمنية، ومحاصرتها قطر، وتقلّص نفوذها السياسي في دول المنطقة، بفعل سياسات ولي العهد محمد بن سلمان. في المقابل يحضر الجبير كمحرّك للدبلوماسية السعودية في القضايا الرئيسية، ما يجعل العساف عملياً بمثابة وزير خارجية للشؤون الثانوية والإدارية.

وتتعدد الآراء حول الهدف من تعيين العساف، الذي عمل وزيراً للمالية بين عامي 1996 و2016 ووزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء وكان أحد أبرز المعتقلين في حملة "ريتز كارلتون" التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان ضد المئات من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال لإجبارهم على التنازل عن ثرواتهم عام 2017. 
الرأي الأول يعتقد أن التعيين أتى في سياق محاولة من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وضع أكبر عدد ممكن من الحرس القديم في وزارات الدولة السيادية، على الأقل في الواجهة، في أعقاب تداعيات مقتل خاشقجي، من دون أن يعني ذلك تخلياً فعلياً عن الفريق الذي يحيط بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

لكن ثمة رأياً مختلفاً بين أوساط سعودية متابعة لأخبار البيت الداخلي للعائلة الحاكمة يعتبر أن تعيين العساف وزيراً للخارجية، حصل في إطار محاولة الملك سلمان وضع شخصيات موثوقة بالكامل من جانبه، في مراكز رئيسية في الحكم السعودي بهدف ضبط ابنه، ولي العهد محمد بن سلمان. ومن بين هؤلاء العساف نفسه، الذي يصفه كثيرون كمقرب من الملك شخصياً أكثر مما هو محسوب على ولي عهده، الذي سبق له أن سجنه في إطار حملة "ريتز كارلتون"، في خريف عام 2017. وهذه الفرضية، إن صحّت، لا تتناقض مع الوقائع التي تشير إلى أن الرجل لا يؤدي دوراً كبيراً كوزير للخارجية، بما أن أغلب الظن أن ولي العهد همّشه أو سيهمّشه على حساب عادل الجبير، المقرّب شخصياً من محمد بن سلمان.

ومنذ اليوم الثاني لتولّي عساف المنصب، كان واضحاً التمهيد السعودي لأن يكون الجبير في صدارة المشهد الدبلوماسي على حساب العساف. وفي السياق، نشرت وزارة الخارجية السعودية، على حسابها على موقع "تويتر"، إنفوغراف تضمّن شرحاً لأدوار العساف والجبير، كان واضحاً منها أن الأخير سيكون وزير الخارجية الفعلي. وحدّدت الخارجية مهام العساف بتولي "إدارة وزارة الخارجية بكافة أعمالها وقيادة برامجها التطويرية"، فيما تم التشديد على أن الجبير سيتولى منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية "ليتفرغ للأعمال السياسية والدبلوماسية". كما أنه في اليوم التالي لتوليه منصب وزير الخارجية ظهر العساف في لقاء مع وكالة الأنباء الفرنسية قائلاً إن "الجبير مثّل السعودية وسيستمر في تمثيلها حول العالم ونحن نكمل بعضنا البعض"، قبل أن يغيب على نحو شبه كامل فيما عاد الجبير للظهور المتكرر.



ولم يتولّ العساف بعدها أي مهمات دبلوماسية كبيرة متعلقة بالأزمات الخارجية التي تعيشها السعودية، خصوصاً المرتبطة بأزمة مقتل خاشقجي والحرب على اليمن. وترأس العساف الوفد السعودي المشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية، والتقى وزراء خارجية العراق واليابان والجزائر للتباحث حول الشؤون الاقتصادية والسياسية. كما اكتفى بمهمات دبلوماسية منخفضة المستوى، مرتبطة بالوجود لحظة تسليم سفراء الدول الأخرى أوراقهم للعاهل السعودي، واستقبال مسؤولين أمميين، مثل الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، فرجينيا غامبا، وتوقيع اتفاقيات هامشية مع وزير العلاقات الخارجية لدولة نيكاراغوا، دنيس مونكادا.

كان من الواضح أن الجبير لا يزال يتولى تسيير الشؤون الدبلوماسية المهمة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الرياض، في 13 يناير/ كانون الثاني الماضي في إطار جولته في المنطقة. فغاب العساف تماماً عن مراسم استقباله في مطار الرياض وسط حضور الجبير والسفير السعودي في الولايات المتحدة خالد بن سلمان. كذلك غاب العساف عن الاجتماعات التي جرت بين الدبلوماسيين السعوديين وعلى رأسهم الجبير ومايك بومبيو.

واستكمل الجبير التنسيق مع الحليف الإماراتي بعد زيارته إلى أبوظبي ومشاركته في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي، في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي. كما شارك في الاجتماع الوزاري العربي ــ الأوروبي في بروكسل البلجيكية في 4 فبراير/ شباط الحالي، الذي ناقش الجبير فيه القضية السورية والحرب في اليمن.

كذلك ترأس الجبير وفد السعودية في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، في العاصمة الأميركية واشنطن، والتقى وزير الخارجية مايك بومبيو مرة أخرى هناك، وتباحثا حول عدد من الملفات أبرزها الحرب على اليمن ومقتل خاشقجي.

وخرج الجبير في مؤتمر صحافي ليدافع عن وجهة النظر السعودية، قائلاً إن "بن سلمان لم يأمر بقتل خاشقجي وأنها كانت عملية مارقة من بعض المسؤولين السعوديين الذين تجرى محاكمتهم"، مؤكداً أن "القيادة السعودية خط أحمر، وأنه لا يعلم مكان ماهر مطرب (الضابط الذي قام بتقطيع جثة خاشقجي)"، في معرض رده على سؤال وجه إليه حول إذا ما كان مطرب قد تعرض للتصفية على يد النظام السعودي.

وعاد الجبير للظهور مرة أخرى في الولايات المتحدة، لكن على محطة "سي بي أس" هذه المرة، فدافع بقوة عن وجهة النظر السعودية المتعلقة بمقتل خاشقجي، قائلاً إنه "لا يعرف مكان جثة خاشقجي، وأن السلطات السعودية طلبت أدلّة من تركيا عبر قنوات قانونية عدة وهم بانتظار الرد منهم".