ورغم تراجع القمع الحكومي للمتظاهرين منذ الإعلان الرسمي لاستقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عصر الجمعة الماضي، بعد سقوط أكثر من 435 قتيلاً ونحو 20 ألف مصاب، إلا أن ذلك لم يمنع اليوم إعلان وفاة ثلاثة متظاهرين متأثرين بجروحهم في الناصرية والنجف والبصرة، أحدهم فتى يدعى عقيل عبد الله يبلغ من العمر 16 عاماً، أُصيب برصاصة في رأسه قبل أيام ودخل في غيبوبة انتهت فجر اليوم بمفارقته الحياة في مستشفى وسط البصرة، وفقاً لمسؤول عراقي في وزارة الصحة، قال إن الوزارة ملتزمة توجيهات سابقة بمنع تزويد وسائل الإعلام أو مفوضية حقوق الإنسان واللجان الحقوقية بأي حصيلة لضحايا التظاهرات أو المصابين، لافتاً إلى أن الأرقام قد تكون أكبر، بسبب دفن ذوي بعض الضحايا أبناءهم مباشرةً دون الذهاب بهم إلى المستشفيات، بسبب وفاتهم على الفور في موقع التظاهرات، مؤكداً أن بغداد والنجف والبصرة والناصرية بصدارة المحافظات من حيث عدد الضحايا، تليها الديوانية وكربلاء.
وفي محافظة البصرة، أغنى مدن العراق وأكثرها فقراً، أقصى جنوبي العراق، على مياه الخليج العربي، شهدت ساحتا البحرية وذات الصواري تظاهرات واسعة اليوم الأربعاء، بالتزامن مع تظاهرات مماثلة في أبي الخصيب والزبير والمدينة والعشار، رفعت خلالها شعارات تهاجم ممثل العراق في الأمم المتحدة محمد بحر العلوم الذي قدم مساء أمس مرافعة اعتبرها المتظاهرون مزيفة وغير حقيقية حول تعامل الحكومة وقوات الأمن مع المتظاهرين، فيما شهدت الديوانية مركز محافظة القادسية تظاهرات أيضاً في ساحة الساعة وسط المدينة مع تسجيل تظاهرات أقلّ زخماً في مناطق مجاورة للمدينة، وتحديداً في بلدات الحمزة والشوميلي. في المقابل، وعلى مقربة من الديوانية، ما زالت الناصرية مركز محافظة ذي قار تشهد تظاهرات واسعة، وأقيمت اليوم مراسم عزاء رمزية للضحايا الذين سقطوا في ليلة الخميس الماضي، ونصبت عشرات التوابيت في شوارع المدينة العامة، حمل كل تابوت صورة من صور الضحايا، الذين ما زال ذووهم ينتظرون تنفيذ الحكومة وعدها بمحاسبة مرتكبي المجزرة التي راح ضحيتها 32 متظاهراً، وأُصيب عشرات آخرون وسط المدينة نهاية الأسبوع الماضي، مع استمرار إغلاق جسري الزيتون والحضارات اللذين يربطان ساحلي المدينة، وفتح جسور أخرى ثانوية، مثل الجسر الحديدي والنصر والدّوب.
وشهدت كربلاء تظاهرات في ساحة التربية وشارع ميثم التمار وسط المدينة، مع مشاركة نقابة المعلمين في التظاهرات للمرة الثانية خلال هذا الأسبوع، وسط تحشيد أمني واسع، فيما شهدت السماوة مركز محافظة المثنى تظاهرات شارك فيها آلاف من طلاب المدارس بساحة اعتصام الخضر وسط المدينة، دون تسجيل أي مواجهات مع قوات الأمن على غرار الأيام الماضية.
وشهدت النجف عملية تشييع متظاهر اسمه علي عبد الحسين، توفي متأثراً بجروح أصيب بها قبل أيام بمواجهات بين متظاهرين وحراس مرقد الحكيم وسط النجف، الذي ما زالت أزمته حتى الآن قائمة، حيث يصرّ ذوو الضحايا على اقتحام المكان ومحاسبة مطلقي الرصاص الحيّ على المتظاهرين، الذي أدى حتى الآن إلى مقتل 21 متظاهراً وجرح عشرات آخرين، واتهم المحافظ لؤي الياسري، في وقت سابق، مليشيا "سرايا السلام"، وهي الجناح العسكري لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، بالوقوف وراء استهداف المتظاهرين في تقاطع "ثورة العشرين" تحديداً، بينما تتواصل الاعتصامات والتظاهرات في ساحة الصدرين ومناطق أخرى قريبة منها، مع ملاحظة نصب سرادق جديد في المكان يمثل عدداً من عوائل النجف وعشائرها.
وتبقى العاصمة بغداد صاحبة السبق في عدد المتظاهرين والحشود التي تركزت في ساحات التحرير والطيران والخلاني والوثبة، مع بقاء التجمعات ذاتها في جسري الجمهورية والسنك ومحيط المطعم التركي وسط بغداد.
ورفع متظاهرون شعارات مختلفة خلال التظاهرات، كلها تشير إلى رفض واضح لحراك تشكيل حكومة جديدة، وتأكيد مطلبهم الأولي في حل الرئاسات الثلاث وسنّ قانون انتخابات جديد والذهاب إلى انتخابات مبكرة، مثل: "يسقط رئيس الوزراء الذي ينتج من مفاوضات إيران والأميركان"، و"لا لإعادة التدوير"، و"بلوها واشربوا ميها (ماءها)".
وفي أول تحذير من نوعه، قالت منظمة الحج والزيارة الإيرانية إنها أصدرت مجموعة توصيات للزوار الإيرانيين المتوجهين إلى العراق، نصحتهم فيها بزيارة العتبات المقدسة جماعياً، وتجنب أماكن الاحتجاجات.
ونقلت وسائل إعلام بياناً لمنظمة الحج الإيرانية، قالت فيه إنه "يتعين على قوافل الزوار في العراق أن تنتقل بين المدن المقدسة بحماية القوات الأمنية، وينبغي للزوار الإيرانيين احترام القوانين والأنظمة في العراق، وعدم التقاط الصور وتصوير أماكن التجمعات والاحتجاجات، والامتناع عن إبداء وجهات النظر حول المسؤولين والأوضاع في العراق، وتجنب أي سلوك يثير التوتر والجدال مع الموظفين والأفراد العاديين والبائعين والعاملين في العتبات المقدسة". وشددت التوصيات على "ذهاب الزوار الإيرانيين جماعياً لأداء مراسم الزيارة في العتبات المقدسة، وتجنّب الجولات غير الضرورية".