هكذا يحكم الحوثيون قبضتهم على حياة اليمنيين

31 ديسمبر 2019
مظاهر غير مسبوقة لإحياء المولد النبوي بصنعاء(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
منذ أن كانوا جماعة محظورة في جبال صعدة وحتى اليوم، يحرص الحوثيون (أنصار الله) على التحكّم بحياة الناس ووضعهم تحت السيطرة المباشرة للجماعة، وتحت مجهر رقابتها، واعتمدوا في سبيل ذلك طرقاً مختلفة، تراوح بين القمع المفرط والإرهاب المنظّم وبين تغيير القناعات الفكرية للمواطنين بما يجعل انقيادهم لها واجباً دينياً وطاعة لله والرسول، مروراً بالمغريات النفعية والمصالح المباشرة.

الخطاب والمناسبات الدينية

اعتمد الحوثيون خطاباً دينياً قائماً على مبدأ الولاية وحق آل البيت في الحكم، ومكانتهم وسلطتهم الفريدة التي يجب أن يتمتعوا بها وفقاً لخطابهم الديني، وحققت الجماعة نجاحاً في المناطق ذات الأكثرية الزيدية في شمال اليمن، وكان لمعقلهم في صعدة دلالة كافية على ذلك، إذ تُعد مركزاً تاريخياً للإمامة الزيدية منذ القرن الثالث الهجري. كان التعليم الديني والمذهبي أداة أساسية اعتمدها زعيم الجماعة السابق حسين الحوثي لاستقطاب الصغار والشباب منذ تسعينيات القرن الماضي، وأصبحت ملازمه التي تتضمن محاضراته الدينية مرجعاً أساسياً لنشر ثقافة الجماعة حتى الآن، في ما تسميه الدورات الثقافية، إذ ترغم موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري على الالتحاق بهذه الدورات، لتغيير أفكارهم وعقيدتهم، وفي الوقت نفسه لاختبار ولائهم وشخصياتهم والطريقة المناسبة للتأثير عليهم، ويتم تقييمهم وظيفياً بناء على تقارير الدورة، فمنهم من يحصل على امتيازات خاصة بعد مشاركته في دورة ما، ومنهم من يتعرض للمضايقة أو الإقصاء بناء عليها أيضاً.

وبما أن اليمنيين عموماً يمنحون الدين اهتماماً خاصاً، ويفسرون ظواهر حياتهم بناء على الموروث الديني الإسلامي، فإن تكريس الخطاب الديني أمر لا يجرؤ أحد على الاعتراض عليه، حتى ولو كان مخالفاً لما يؤمن به، ولمذهبه الديني، وطريقته في التديّن والعبادة، ولهذا كانت المساجد من أولى المؤسسات التي حرص الحوثيون على السيطرة عليها واستخدامها في خلق الرأي العام وكسب الأتباع. ويتبع الحوثيون خطوطاً عريضة لتصنيف الآخرين، تنطلق من اعتبارات دينية أولاً، فألا تؤمن بمبدأ الولاية الذي يمنح سلالة الهاشميين حصرياً حق الحكم، أو حتى تقلل من أهميته وتعتبر الديمقراطية والانتخابات الوسيلة المثلى للوصول إلى السلطة، تكون قد حصلت على تصنيف خطير، يشكك حتى بإيمانك بالدين الإسلامي، وحبك للرسول محمد مهما كانت درجة تدينك والتزامك الديني. وإن أبديت إيمانك بالولاية وجب عليك أن تؤمن بزعيم الجماعة كمرجع تجب طاعته وموالاته ومعاداة أعدائه بما يترتب على ذلك من التزامات لاحقة.

بطريقة ذكية وتدريجية كرس الحوثيون سلوكاً حياتياً يتوافق مع أفكارهم وأهدافهم في حياة اليمنيين، فما يجري في صعدة وحجة وعمران من فرض طقوس خاصة في الحفلات والمناسبات الخاصة، كرفع الصرخة (شعار الجماعة: الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام) لا يجري في صنعاء إلا لدى أتباع الجماعة، فلم يُفرض على الجميع ولم يمنع الفن أو يحظر الغناء في الحفلات الخاصة، أو تشديد منع الاختلاط في الأماكن العامة، لكنهم جربوا ذلك في صنعاء كجس نبض وبدأوا في اعتباره سياسة إجبارية في كثير من المرافق، إنما بدرجة أقل حدة وصرامة حتى الآن.

إحياء مناسبات دينية خاصة بالجماعة والتيار الديني الشيعي (المولد النبوي، عاشوراء...)، كان مظهراً بارزاً من مظاهر فرض الخطاب الخاص للجماعة على الحياة العامة لليمنيين من غير أتباعها. وكان المولد النبوي أول مناسبة يحرصون على إحيائها في شوارع صنعاء لأنه أقل خصوصية من ذكرى عاشوراء التي أحيتها الجماعة أيضاً بشكل أكثر وضوحاً هذا العام وكأنها تنفذ سياسة مرسومة ومرحلية، إذ يمكن أن يتقبل المسلمون جميعاً المولد كفكرة، لكن توظيفه الخاص بالجماعة تزايد وأصبح أكثر وضوحاً في كل مرة، بربطه بأحقية آل بيت الرسول بالولاية والولاء والطاعة كواجب ديني جوهري وفق معتقدهم الذي يروجونه.

ما شهدته شوارع صنعاء من مظاهر غير مسبوقة لإحياء المولد النبوي، أخيراً، هو أبرز دلالة على التوظيف السياسي للمناسبات الدينية، إذ تحوّلت المدينة إلى قطعة خضراء بشعارات المولد وشعارات الجماعة، فقد تم التعميم على كل المرافق الحكومية والمدارس وأصحاب المحلات، وحتى المنظمات المدنية بإحياء المناسبة عن طريق فعاليات أو رفع لوحات تحمل الشعار الخاص بالمناسبة. وفي كل الكلمات التي ألقيت في المناسبة وأبرزها كلمة زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، كان المحتوى السياسي هو الأبرز كرسالة، مع تكثيف المرويات التي تمجد آل البيت كجزء من الاحتفاء بالمولد النبوي، لدرجة طغت فيها رسائل أحقيتهم بالحكم ووجوب طاعتهم على أي إشارات لأخلاق أو سيرة النبي ذاته.

عملت الجماعة على نشر ثقافتها المذهبية بتعميم مظاهر الاحتفال بذكرى عاشوراء هذا العام في مناطق خارج جغرافيا المذهب الزيدي لم تكن تهتم بالمناسبات الشيعية الدينية بأي قدر، كما جرى في تعز وريمة وعتمة ووصاب ومديريات إب، وتم فيها إرغام المعلمين على رفع الصرخة (الشعار الخاص بالجماعة) لأن إحياء المناسبة تم في المدارس بشكل استهدف المعلمين والتلاميذ معاً. وتم إلقاء كلمات من قيادات التربية في كل منطقة ذات مضمون سياسي وتمجيدي لآل البيت. أما في صنعاء فقد تم تخصيص شقق ومنازل مستقلة في الأحياء، كمقرات لاستقطاب الأطفال والنساء بدرجة أساسية لتلقينهم العقيدة الدينية للجماعة بشكل مكثف، وبطريقة سرية أيضاً لتُعد ضمن المساكن الخاصة، وزوارها يأتون بطريقة فردية وليست جماعية تلفت انتباه الآخرين.

خلال كل هدنة تخللت مرحلة الحروب الست (2004 - 2010) بين الجيش اليمني والحوثيين، كانت قبائل صعدة التي تقف في صف الدولة والجيش تتعرض للتنكيل والانتقام من الحوثيين، إذ تمت عمليات قتل وهدم منازل زعماء قبليين كثر، بينما كانت صنعاء تلتزم الصمت أمام تلك الممارسات التي قلّصت نفوذها ونفوذ حلفائها باستمرار، حتى أصبحت صعدة محمية حوثية مستقلة عن الدولة عملياً. وقد استمرت سياسة تفجير منازل الخصوم كسياسة للجماعة قبل سيطرتها على صنعاء وبعدها، من منازل آل الأحمر في حاشد، إلى منازل عبد الواحد الدعام الرضمة في إب، ومنازل الشيخ عبد الوهاب معوضة في ذمار، والقائمة تطول.

الاعتقالات

مثّلت الاعتقالات وتوجيه تهم العمالة للتحالف بقيادة السعودية، أداة فعالة ومرعبة تستخدمها جماعة "أنصار الله" ضد كل من لا تثق بولائه لها، أو من لا ينفذ توجيهات رجال الجماعة ومشرفيها. وخلال هذه الاعتقالات وحالات الإخفاء القسري، يتم تعذيب وابتزاز المعتقلين بكافة الطرق، والحرص على الترويج لهذه الممارسات حتى تكون أداة ردع وإرهاب للآخرين. هذه الاعتقالات تتم أحياناً لمجرد ابتزاز الضحية ومصادرة أمواله، أو إرغامه على توقيع وثيقة بيع لأرض أو عقار يملكه ورفض بيعه لأحد أتباع الجماعة.

وقال أحد المعتقلين لـ"العربي الجديد"، بعد الإفراج عنه، إنه تم اعتقاله من دون تهمة، وفقط لأن له علاقة قرابة مع عادل عبده فارع، الشهير بـ"أبو العباس"، القيادي السلفي الموالي للإمارات في تعز، مضيفاً أنه تم اعتقاله للضغط على أبي العباس لمبادلته بمعتقلين من الجماعة لديه، من دون أن تكون للشخص نفسه أي صلة بنشاط مناهض للحوثيين أو سواهم. وقد استجاب أبو العباس تحت ضغوط عائلية بالإفراج عن المعتقلين الحوثيين مقابل إفراج الأخيرين عن قريبه. بينما قال معتقل آخر في مدينة ذمار نجا من قصف التحالف لكلية المجتمع المستخدمة كمعتقل من قبل الحوثيين، إنه رفض بيع أرضه لشيخ فأوعز الأخير لمسلحي الجماعة باعتقاله لإرغامه على توقيع وثيقة البيع بالإكراه. وهناك قصص كثيرة في هذا السياق.


قتل واعتداء وتشويه وإذلال

قمع الجماعة وإذلالها لا يقتصر على مناوئيها فقط، بل يصل إلى شخصيات كبيرة تعمل معها، ولكن من خارج إطار الجماعة التنظيمي، وقد تمت تصفية عدة زعماء قبليين من الموالين للجماعة لمجرد خلافهم مع قيادات حوثية ذات نفوذ أقوى، كما حدث مع الشيخ سلطان الوروري في منطقة حرف سفيان، الذي تمت تصفيته بطريقة غامضة ورميت جثته في الشارع بعد خلافات مع الجماعة. إضافة إلى حوادث أخرى مشابهة تم في بعضها سحل جثة قتيل وضربها بأعقاب البنادق، كما ظهر في تسجيلات فيديو لشخصية قبلية في عمران عمل مع الجماعة قبل أن يختلف مع قياديين فيها ويصبح هدفاً للأمن، ورفض الرجل تسليم نفسه للأجهزة الأمنية وقتل عدداً من أفراد الحملة التي داهمت منزله. واعترفت الجماعة بقتله بعد نشر الفيديو، لكنها أعادت تلك البشاعة في التعامل مع الجثة لغضب أهالي القتلى الذين سقطوا عند محاولة القبض عليه. لكن نشر الفيديو شديد البشاعة، حسب متابعين لسياسة الحوثيين، لم يكن بالصدفة، بل لترويجه بغرض قمع الآخرين وترهيبهم إن خرجوا عن طاعتهم، خصوصاً في المناطق القبلية الشمالية، كعمران، التي تعد من أهم الخزانات البشرية لمقاتلي الجماعة.

في أحيان أخرى تم الاعتداء الجسدي على حلفاء للجماعة أبدوا قدراً من المعارضة لسياسات الجماعة، كما حدث مع القاضي عبد الوهاب الشرفي بعد حديثه عن فساد الجماعة في تغريدات على "تويتر"، أو تشويه السمعة والاتهام بالفساد كما حدث مع سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين عند انتقاده لممارسات أحمد حامد، مدير مكتب الرئاسة والقيادي المقرب من زعيم الجماعة قبل أشهر.

قام الحوثيون أيضاً بالاعتداء على وزراء كثر في مكاتبهم من قبل قيادات حوثية أدنى، كما حدث مع وزير الخارجية هشام شرف، ووزير التعليم العالي حسين حازب، وغيرهما، وأوقف مسلح طفل، سيارة أحد وزراء حكومة صنعاء التابعة للجماعة في نقطة تفتيش، وطلب من الوزير الاتصال بالمشرف المباشر عليه حتى يسمح له بالمرور بسيارته المصفحة، بينما رفض المسلح توجيهات عليا من قيادات حوثية مصراً على أنه لا يتلقى الأوامر إلا من مشرفه الذي كان هاتفه مغلقاً حينها، فاضطر الوزير للعودة من حيث أتى، فكان موقف طفل حوثي مسلح أقوى من موقفه.

في الحياة العامة، يتم توظيف حاجة المواطن للخدمات والسلع الأساسية لترويضه وانصياعه لسياسات الجماعة، فلكي يحصل على أسطوانة غاز منزلي يجب منح البيانات الأساسية للجماعة عبر عاقل الحارة (مسؤول محلي في الأحياء)، من عدد الأطفال إلى رقم الهاتف، وصورة الهوية. وتخضع عملية توزيع الغاز لاعتبارات كثيرة، فإذا كان الشخص تابعاً للجماعة فلن يضطر للوقوف في طابور للحصول على الغاز لأن نصيبه يوفر بشكل خاص، ولا في طابور محطة الوقود للحصول على البنزين لأن هناك محطات مخصصة تصرف له حاجته، وهكذا يكون الطابور وسيلة عقاب غير معلن لمن لا يتبع الجماعة فقط.

الكيانات الموازية والرموز

إذا كانت هذه مجرد مظاهر لممارسات الحوثيين، فإن الأدوات مهمة وتم التركيز عليها منذ وقت مبكر أيضاً، وقد أنشأت الجماعة كيانات مدنية موازية لما هو قائم من نقابات وجمعيات هامة، إذ أسست اتحاداً للصحافيين مقابل نقابة الصحافيين اليمنيين، ورابطة للعلماء مقابل جمعية العلماء، ومجلساً للتلاحم القبلي كان من أبرز أدواتها للتأثير على القبيلة بشكل ناعم عندما وضع ميثاق شرف قبلي منح الجماعة حق ملاحقة وعقاب كل من يتعامل مع خصومها أو يناهض سياساتها من دون حماية قبلية.

في السياق، استثمر الحوثيون الرموز السياسية والدينية والأدبية لليمنيين بمكر، فمع دخولهم صنعاء أطلقوا أسماء شخصيات يمنية شهيرة ومحبوبة على بعض الشوارع لكسب ود الناس، كاسم الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي أوحت للشارع أنها معجبة بنموذجه في الحكم، وفتحت ملف اغتياله إعلامياً، والشاعر اليمني الأشهر عبد الله البردوني، الذي وظفت قصائده وذكرى وفاته وفقاً لسياستها، وسجلت قيادات حوثية زيارات مصحوبة بتغطية إعلامية لشخصيات عامة يحترمها اليمنيون بقوة، كالقاضي محمد إسماعيل العمراني، الذي زاره صالح الصماد قبل مقتله، والدكتور عبد العزيز المقالح، الذي زاره محمد علي الحوثي قبل أيام.

عدو عدوي، صديقي

منذ البداية تعاملت الجماعة مع خصوم النظام السابق، وخصوم حزب "الإصلاح" من القوميين واليساريين تحديداً بطريقة خاصة، إذ منحتهم الحماية والدعم للتعبير عن مواقفهم، وفتحت لهم آفاق الإعلام ومنابر التأثير للتعبير عن آرائهم التي تخدم مواقفها في الأساس، كما حدث مع البرلمانيين أحمد حاشد وسلطان السامعي، أو مع مقربين منها سابقاً لكنهم ينتمون لأحزاب أخرى، مثل محمد المقالح وعلي البخيتي، القياديين في الحزب الاشتراكي اليمني سابقاً، وقد أعلن البخيتي انشقاقه عن الجماعة لاحقاً.

في هذا السياق، اعتمدت الجماعة على كشف أخطاء الطرف الآخر من دون توضيح أهدافها، أو الإعلان عن نواياها، فقد دخلت صنعاء بذريعة مكافحة الفساد وإسقاط زيادة سعر الوقود في 2014، لكن أسعار الوقود بعدها تضاعفت أكثر من مرة في ظل سيطرة الجماعة، ولكنها أعادت ذلك إلى ممارسات التحالف وكون البلد في حالة حرب، من دون أن تتطرق لدورها فيه ولا إلى سيطرتها على السلطة بقوة السلاح.

قدّم التحالف بقيادة السعودية، وممارسات الإمارات، وفشل وفساد حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، بيئة خصبة وظّفها الحوثيون بذكاء عبر آلتهم الإعلامية القوية والموجّهة، بينما لم تنجح وسائل إعلام التحالف والشرعية في فعل مشابه تجاه الحوثيين على الرغم من فداحة أخطائهم، كون التحالف تحوّل إلى قوى تصارع بعضها، وأصبح الحوثي نتيجة ذلك خصماً جانبياً لها، ما منحه المزيد من فرص السيطرة والإخضاع في مناطقه، بالتعويل على غضب اليمنيين من ممارسات التحالف وحكومة هادي، وفقدانهم الأمل بأن تنجح هذه الكيانات في استعادة السلطة من الحوثيين على المدى المنظور.


المصلحة مقابل الولاء

صعّد الحوثيون زعماء قبليين موازين للزعماء التقليديين ومنحوهم حق اتخاذ القرار في مناطقهم وتزكية أو اتهام أي مواطن في مناطقهم ليحظى بالتكريم أو ينال مصيراً بائساً بناء على موقف زعيمه القبلي منه، وبالتالي أصبح الولاء لزعيم القبيلة وسيلة وحيدة للحصول على الأمان من قمع الجماعة. وفي الوقت نفسه فإن قدرة الزعيم القبلي على حشد المقاتلين والإيرادات وحشد المشاركين في فعاليات الجماعة مؤشر على مدى إخلاصه للجماعة واستمرار مصالحه معها، إذ يمكنه الاستفادة من توزيع الغاز المنزلي مثلاً، أو من تحصيل الأموال من التجار تحت ذريعة المجهود الحربي، أو حتى من توزيع مواد الإغاثة من المنظمات الدولية العاملة في منطقته والتي لا يمكنها العمل من دون موافقته وشروطه.

ملفات الأمن
عند سيطرة الحوثيين على صنعاء كانت وجهتهم الأبرز هي مبنى جهاز الأمن القومي، كما كان اعتقال مسؤولي جهاز الأمن السياسي الذي تولى ملف الجماعة خلال حروبها مع الدولة من أولوياتهم، وبما أن لديهم جهازاً أمنياً خاصاً (الأمن الوقائي)، وكانت لهم اختراقات للأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية قبل دخولهم إلى صنعاء كما ظهر لاحقاً، فقد كانت أهدافهم العاجلة تتمثل في مصادرة ملفات أتباعهم من الأمن، والسيطرة على ملفات غيرهم لاستخدامها في الضغط على من يريدون من المسؤولين الكبار والشخصيات السياسية ذات التأثير القوي، بدرجة أساسية.
تحتوي هذه الملفات غالباً على قضايا أخلاقية وأدبية يمكن لظهورها أن يدمر حياة أي شخصية لا ترضخ للجماعة وتعمل معها، تليها ملفات الفساد التي كان نظام علي عبد الله صالح يوثقها على رجاله من دون استخدامها ضدهم إلا في أوقات نادرة، ولكن توثيقها كان وسيلة ضغط كافية لترويضهم.

شكّل الابتزاز على خلفية قضايا أخلاقية، ولا يزال، سياسة شائعة يتّبعها الحوثيون ضد معارضيهم أو ضد الأثرياء والتجار لابتزازهم، سواء كان الابتزاز لمصلحة الجماعة أو لمصلحة أشخاص محددين فيها، لكن الكشف عنها لا يتم غالباً لأن الضحية نفسه يتكتم عليها خوفاً من الفضيحة، والجاني أيضاً يتكتم عليها لأنه استخدمها بطريقة قذرة في ابتزاز الضحية.
وأخيراً تم تشكيل لجان مهمتها رصد ومصادرة أموال معارضي وخصوم الحوثيين، وتمثّلت في أرصدة بنكية ومؤسسات تجارية وعقارات وأراضٍ تقدر بالمليارات، وتم تمرير تهمة التخوين عبر المحاكم والنيابات المتخصصة كغطاء قانوني لتلك الممارسات، خصوصاً بعد ظهور خلافات بين قيادات حوثية بسبب تضارب مصالحها وطريقة تعاملها مع تلك الأموال المغرية بقوة. كانت تلك الأموال قد تم تتبعها عبر الملفات الأمنية، وعبر متهمين بالفساد في ملفات الأمن تم الضغط عليهم للإدلاء بما لديهم من معلومات عن أموال آخرين، خصوصاً أقارب صالح وشبكة مصالحه وشركائه.

أما من لا يمتلك أموالاً ولا ثروات، فإن حكماً بالإعدام يمكن أن يصدر ضده ببساطة بتهمة التخابر مع التحالف، أو رفع إحداثيات عن مواقع أو قيادات حوثية، وقد تم الحكم بإعدام 30 متهماً مختلفي الولاءات ولانتماءات، تم القبض عليهم في أوقات مختلفة، وبتهم مختلفة، قبل أن يتم التعامل معهم كخلية واحدة ويُقدّموا للمحاكمة في جلسة واحدة ليصدر حكم بإعدامهم، ما مثّل وسيلة إرهاب للخصوم مهما كانت مستويات خصومتهم أو خطورتهم.

في كل الأحوال، ومهما بلغ ابتعاد اليمني عن الشأن العام، وطالما لم يصبح عنصراً حوثياً كامل الولاء، وواضح الانتماء والهوية، فيمكن لمجرد خصومة مع جاره أو زميله أن تتحوّل إلى قضية سياسية وأن تُلصق به تهمة الخيانة، وقد تعرض كثيرون من المستقلين والبسطاء والفقراء والأميين حتى من عمال البناء وعمال المطاعم وموظفي الدرجات الدنيا للاعتقال والتعذيب والابتزاز بوشايات من عناصر حوثية لأسباب شخصية بحتة، وإن كان حظه أفضل وتم الإفراج عنه، فلن يكون قادراً على مقاضاة من وشى به أو اعتقله أو عذبه. وإذا لم تجذب المصالح والامتيازات التي تمنحها الجماعة المواطن اليمني، فقد تخيفه أدوات القمع والإرهاب التي يستخدمها الحوثيون للسيطرة على كل مجالات الحياة وتطويع كل من يعيش في مناطق سيطرتها، وفق مبدأ "من ليس معي فهو ضدي".