وبالرغم من المعلومات التي يملكها المتظاهرون، والتي تدين جهات مسلحة متورطة بقتل المتظاهرين، فإن الحكومة العراقية تكتفي بالحديث عن أنها تتابع ملفات القتل، فيما تستمر بالتشكيك بأعداد القتلى.
ومنذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واندلاع التظاهرات، لم يسلم المتظاهرون في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب من عمليات الاغتيال والملاحقات والتهديدات من قبل عصابات مجهولة، يؤكد المحتجون أنهم من "المليشيات الموالية لإيران"، إلا أن المتحدثين باسم الحكومة يقولون إن "مندسين ضمن المتظاهرين يعملون على استغلال التظاهرات لضرب الأمن في البلاد".
وعرضت فضائية "العراقية"، وهي التلفزيون الرسمي للدولة، أجزاء من اعترافات شبان تورطوا بقتل مراهق في ساحة الوثبة ببغداد وتعليقه على أحد أعمدة الكهرباء في المدينة، وهو حادث وقع الأسبوع الماضي، وتسبب بموجة استنكار واسعة في العراق، وتبرأ منها المتظاهرون.
وفتح الإعلان عن اعتقال المتورطين بالجريمة الباب أمام سلسلة من التساؤلات عن قدرة الحكومة على اعتقال القتلة بوقت قصير، وربطها بأسباب عدم الكشف عن المتورطين بقتل المتظاهرين من القوات الحكومية وشبه الحكومية.
في السياق، قال الناشط والمتظاهر أيهم رشاد إن "الحكومة العراقية والسلطات الأمنية والقضائية لم تتمكن إلى غاية الآن من اعتقال أي قاتل استهدف المتظاهرين بالرصاص الحي، ولا وقف الاغتيالات، ولا تثبيت الأمن ومنع المليشيات المقربة من إيران والداعمة للحكومة من اختطاف الناشطين، والحكومة إلى غاية الآن لم تقم بأي إجراء ضد الجماعات المسلحة التي تستهدف المحتجين السلميين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "الحكومة متواطئة مع الجهات المسلحة التي تحميها وتختطف الناشطين والمحتجين وتستجوبهم في غرف مظلمة".
وقال رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي إن "جهاتٍ غيرَ عراقية أدارت الملفَ الأمني خلال التظاهرات"، مبينا، في تصريحات صحافية لتلفزيون محلي عراقي، أن "مشكلة العراق لا تكمن بالنظام السياسي، وإنما بشخوص هذا النظام"، محذراً من أن "وجود العراق كدولة بات مهدداً".
وأشار إلى أن "الشعب العراقي يدفع حالياً ثمن الصراع الأميركي الإيراني عبر ممارسات عدة، كان آخرها استهدافَ المواقع الأميركية بقرار غير عراقي عبر أدوات عراقية".
ووفقا لمصادر في محكمة جنايات الرصافة ببغداد، فإن ملف التحقيق بحوادث قتل المتظاهرين ما زال يراوح مكانه.
وقال قاضي تحقيق في المحكمة ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "الوحدات الأمنية والعسكرية غير متعاونة مع القضاء في هذا الإطار، وهناك روتين عال ومبالغ فيه فيما يتعلق باستدعاء الشهود العسكريين أو الضباط المتهمين"، مشددا على أنه "فيما يتعلق بقتل المتظاهرين ببغداد، لا يوجد أي تقدم في الملف، ولم يتم حسم أي تحقيق حتى الآن، وساء الأمر بعد استقالة حكومة عبد المهدي".
وكشف المتحدث ذاته عن أنه "من مجموع نحو 500 حالة قتل لمتظاهرين، لم يصدر القضاء أوامر قبض أو حكم إدانة على أكثر من 4 فقط في محافظة ذي قار، بينهم قائد بالجيش لم ينفذ بحقه أمر القبض حتى الآن".
أما المتظاهر في ساحة التحرير ببغداد، غيث الغزالي، فأشار إلى أن "الجيش العراقي بريء من قتل المتظاهرين. القتلة هم عناصر المليشيات، وأبرزهم كتائب حزب الله والعصائب وبدر وسرايا الخراساني، وهم يتبعون الأوامر الإيرانية، كما أنهم يشعرون بالخطر على مصالحهم، ويسعون إلى ترهيب المحتجين، بالقتل والاختطاف والتهديد، إلا أنهم وبعد أكثر من شهرين، عليهم أن يعلنوا خسارتهم أمام إصرار العراقيين على التغيير"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "المتظاهرين في ساحات بغداد شاهدوا عبر التلفاز، وما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، عملية اعتقال واحدة، وهي لمجرمي حادثة الوثبة، وهو أمر جيد، ولكن أين المجرمون الذين يقتلون المتظاهرين يومياً؟".
وبالرغم من أن مرجعية النجف، المتمثلة بعلي السيستاني، دعت إلى عدم قتل المتظاهرين، خلال خطب أيام الجمع الماضية، إلا أن فصائل مسلحة وقوات أمن استمرت في ذلك، بحسب نائب بالبرلمان العراقي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "قتل المحتجين وخطفهم، واعتقالهم وترهيبهم، مستمر ومن مختلف الأطراف".
وأضاف أن "القوات العراقية لم تساند المتظاهرين، وإلى غاية الآن لم يتمكن أي قائد عسكري من تثبيت الأمن، وقد وصل الحال إلى انهيار العلاقة بين المواطن وعنصر الأمن في بعض المحافظات، ومنها ذي قار، بسبب عدم تمكن القوات من حماية المحتجين، بل المشاركة في قتلهم".
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية خالد المحنا، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات العراقية وأجهزة الأمن الوطني وبقية التشكيلات العسكرية مستنفرة منذ اليوم الأول للتظاهرات في العراق، وليس هناك أي تقصير من قبل العناصر الأمنيين، والحديث عن التعامل بانتقائية مع الجرائم واعتقال القتلة أمر مرفوض وغير دقيق".
وأكد المحنا أن "الحكومة العراقية تتابع كل الملفات الجرمية التي حدثت خلال الأسابيع الماضية، وهناك ملاحقة مستمرة للعصابات التي تستغل الأوضاع من أجل استهداف المتظاهرين السلميين وأمن البلاد".
بدوره، رأى علي الحياني، وهو مراقب للشأن المحلي في العراق، أن "الحكومة تسعى لإنهاء التظاهرات من خلال السكوت عن تصرفات المليشيات بقمع المحتجين وقتلهم واختطافهم وترهيبهم وتسقيطهم عبر الإعلام الحزبي، وبالتالي فهي حامية وراعية لكل الجرائم التي وقعت على المحتجين"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "المليشيات المرتبطة بإيران في العراق هي الطرف الثالث والقاتل الذي يخشى المسؤولون في العراق الحديث عنه".
واعتبر الحياني أن هذه المليشيات "باتت سلطة نافذة وعليا في العراق، وقد زادت قواتها بعد التظاهرات، لأنها تصدت للمشهد، والعراقيون يستشعرون هذا الخطر، وبالتالي فهم يريدون حكومة قوية تقدر على مواجهة السلاح المنفلت، وتعمل على حصره بيدها، وهذه المهمة كبيرة ومرهقة على أي حكومة تجيء في الظروف الحالية".