قبيل انتهاء المهلة الدستورية الممنوحة بحسب الدستور للرئيس العراقي برهم صالح لتكليف رئيس وزراء جديد بدلاً عن عادل عبد المهدي، الذي استقال مطلع الشهر الحالي استجابة للضغط الشعبي، وجه صالح اليوم الأحد خطاباً رسمياً إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي يطلب منه تسمية الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان ليكون بمقدوره تكليف مرشحها بتشكيل الحكومة.
واعتبر مراقبون هذه الخطوة تأكيداً جديداً على تعثر التفاهمات بين الكتل حول اسم المرشح ومحاولة كسب وقت بعد تنويه صالح في خطابه بأنه تسلم التكليف في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري وليس الثاني منه، ما اعتبر تمديداً للمهلة الدستورية المقرر أن تنقضي منتصف ليلة الثلاثاء.
وكانت حكومة تصريف الأعمال برئاسة عبد المهدي قد تشكلت في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 بناء على تفاهمات بين تحالفي "سائرون" المدعوم من التيار الصدري الذي حصل على 54 مقعداً في البرلمان، و"الفتح"، وهو الجناح السياسي لمليشيات الحشد الشعبي الذي جاء بالمرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد بعد أن حصل على 47 مقعداً.
إلا أن هذه التفاهمات تراجعت بشكل كبير بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية بشكل واسع مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وانحياز التيار الصدري للمتظاهرين ومطالبته للحكومة بالاستقالة، بينما انبرى "الفتح" للدفاع عن عبد المهدي وحكومته حتى اللحظات الأخيرة قبل استقالته.
وجاء في خطاب صالح للبرلمان "قدم السيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته إلى مجلس النواب الذي قبل بدوره الاستقالة، الأمر الذي يوجب العودة إلى المادة 76 أولاً من الدستور التي تنص: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً".
وأضاف "ولغرض تكليف مرشح جديد لتشكيل مجلس الوزراء يرجى إعلامنا بالكتلة النيابية الأكثر عدداً المسجلة في الجلسة الأولى للمجلس في انعقاده الأول"، منوهاً إلى أنه تسلم كتاب التكليف من البرلمان في الرابع من ديسمبر، في إشارة منه إلى أن المهلة الدستورية في التاسع عشر من هذا الشهر، بفارق يومين عن المقرر أن تنتهي فيه وهو الثلاثاء.
وينص الدستور العراقي على مهلة قدرها 15 يوماً لتسمية رئيس حكومة جديد بدلاً من المستقيل، يتولى تقديمه رئيس الجمهورية للبرلمان للتصويت عليه، من دون أن يشرح ما المترتب عليه في حال خرق المهلة الدستورية، وهو ما اعتبره خبراء دستوريون ثغرة جديدة أخرى تضاف إلى ثغرات الدستور العراقي، وتخضع لتفسيرات وتأويلات السياسيين.
وقال الرئيس العراقي في بيان منفصل إنه يواصل الحوارات مع قادة الكتل السياسية والفعاليات المجتمعية والنخب من أجل تكليف رئيس وزراء يحظى بتأييد الشعب، مشدداً على ضرورة اتباع السياقات والتوقيتات المحددة لضمان تولي رئيس الحكومة الجديدة مهمة إدارة المرحلة الانتقالية وصولاً إلى انتخابات برلمانية وفقاً لقانون انتخابات عادل ومفوضية انتخابات مستقلة.
وأكد عضو في البرلمان العراقي باتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بأن الرد على خطاب رئيس الجمهورية سيكون محرجاً لرئاسة البرلمان، موضحاً أن الكتلة الأكبر في البرلمان هي "سائرون" كونها تصدرت نتائج الانتخابات، في حين يقول تحالف "الفتح" إنه الكتلة الأكبر بعد تنازل "سائرون" عن حقها بتشكيل الحكومة ومنح هذا الحق للمتظاهرين.
وأعرب النائب عن استغرابه من بيان برهم صالح كون أغلب الكتل تنازلت عن حقها بتسمية رئيس للحكومة، ولم يتبق سوى تحالف "الفتح"، ما يعني أن أي كتلة أو تحالف سيكون الأكبر غير مهم للآخرين، معتبراً أن صدور الكتاب قبل يوم من انتهاء المهلة للحديث أيضاً عن أنه تسلم كتاب التكليف يوم 4 بهذا الشهر وليس في الثاني منه حيلة دستورية جديدة سببها ثغرات دستورية لا يمكن استمرارها.
أستاذ العلوم السياسية علي حسين الجبوري قال لـ"العربي الجديد" إن رئيس الجمهورية "أراد التخلص من عبء اختيار رئيس الوزراء الجديد فرمى الكرة بملعب البرلمان الذي سيكون مطالباً بالإجابة على استفهام الرئيس قبل انتهاء المهلة الدستورية منتصف ليل الثلاثاء المقبل".
واعتبر الجبوري أنه "يؤكد أيضاً صعوبة الأجواء الحالية بين الكتل وحجم التقاطعات الكبيرة في تسمية رئيس للحكومة بحيث لجأ صالح إلى الخطابات الرسمية العلنية للتخلص من الحرج أمام الشارع".
واستقبل ناشطون باحتجاجات بغداد استفهام الرئيس عن الكتلة الأكبر بالرفض، معتبرين ذلك لعبة جديدة للمناورة وكسب الوقت، مؤكدين لـ "العربي الجديد" أن الذي يعني المتظاهرين هو تغيير كل أقطاب الطبقة السياسية الحاكمة بالسبل السلمية دون استثناء لأي منهم.