السيسي بين ضغوط موسكو وواشنطن: السوخوي وعودة الطيران و"النهضة"

23 نوفمبر 2019
طلب السيسي وساطة روسيا للحصول على أسلحة (أليكسي دروزينين/Getty)
+ الخط -

في مؤشر جديد على فشل سياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القائمة منذ سنوات على مغازلة كل من واشنطن وموسكو، وتوهمه نيل رضا الدولتين عن سياساته الداخلية والخارجية، وقعت مصر في مأزق بعدما ردّت روسيا على التهديدات الأميركية بوقف صفقة شراء طائرات "سوخوي-35" المزمع وصولها للمطارات المصرية بين عامي 2021 و2022، بتسريب خبر عبر مواقع شبه رسمية روسية عن إرجاء النظر في مسألة عودة الطيران الروسي المباشر إلى منتجعات البحر الأحمر إلى العام المقبل، بحجة اكتشاف خروقات أمنية كبيرة وعدم التزام الجانب المصري بتلبية الطلبات الروسية المتكررة لضمان تأمين الرعايا الروس، والتنفيذ الانتقائي لها.

وتزامن هذا التسريب مع التهديدات الأميركية التي صارت معلنة لمصر، فيما تزامن الأمران مع مفاوضات حلّ قضية سدّ النهضة التي كانت موسكو قد أعلنت استعدادها للتوسط فيها، لكن السيسي فضل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو الأمر الذي يزيد الموقف المصري تعقيداً، بحسب مصادر دبلوماسية بديوان وزارة الخارجية المصرية تحدّثت لـ"العربي الجديد".

وقالت المصادر إنّ خطاب التهديد الأميركي الذي نشرت تفاصيله صحيفة "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي، ثمّ أكده كلارك كوبر، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية خلال معرض دبي للطيران أخيراً، هو إحياء لتهديد قديم صرّحت به وزارة الخارجية الأميركية لنظيرتها المصرية مطلع العام الحالي، مشيرةً إلى أنّ المحاذير الأميركية التي أبلغت خلال الأشهر الستة الماضية للمسؤولين المصريين، لم تجد أي رد فعل منهم، نظراً لأنّ السيسي كان، وما زال، يتصور أنه من الممكن بالتنسيق مع ترامب أن يمنع إلحاق الضرر بمصر.

وأضافت المصادر أنه بسبب التهديدات الأميركية الشفاهية السابقة، لجأ السيسي إلى التوجه لروسيا بطلبات تسهيل ووساطة للحصول على أسلحة، وناقلات أسلحة جديدة للجيش المصري، من الصين ودول شرق أوروبية أخرى قريبة من موسكو، موضحةً أنّ الرئيس المصري طرح هذا الأمر على نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما الأخير في سوتشي الشهر الماضي. كما أنّ الوساطة كانت المحور الرئيس لمحادثات السيسي ووزير دفاعه محمد زكي مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في القاهرة هذا الشهر.

وأوضحت المصادر أنّه على الرغم من طمأنة السيسي المستمرة لموسكو بأنه لن يتراجع عن اتفاقيات التسليح السابق توقيعها، إلا أنّ الروس قلقون من معلومات تم تداولها في الأيام الماضية بالقاهرة بشأن "تأثير محتمل للتهديدات الأميركية على مفاوضات سد النهضة"، وهي المعلومات التي تصفها المصادر بـ"غير الموثوقة" والتي "لم يصدر بشأنها أي تصريح أو حتى تلميح من المسؤولين الأميركيين"، مرجحةً أن تكون "اجتهادات من محللين أو مسؤولين مصريين، لكنها وصلت إلى موسكو مباشرة".

وذكرت المصادر أنّ تسريب نبأ تأجيل مناقشة استئناف الرحلات الجوية إلى 2020 هو "ضغط روسي صريح على السيسي للتمسّك بموقفه إزاء التهديدات الأميركية"، مشيرةً إلى أنّ الأمر لا يتعلّق بالمكاسب المالية لموسكو فحسب، ولكن في المقام الأول بإصرار بوتين على توجيه ضربة استراتيجية للتسليح الأميركي في الشرق الأوسط، كما حدث في تركيا أخيراً.

ومن الناحية الفنية الخاصة بقضية عودة الطيران، قال مصدر بوزارة الطيران المدني المصرية لـ"العربي الجديد"، إنّ السفارة الروسية في القاهرة لم تؤكد ولم تنف الأنباء التي تم تسريبها بشأن إرجاء النظر في المسألة للعام المقبل، وأنّ الرد الصادر منها على الاستفسارات المصرية جاء "دبلوماسياً إلى حدّ بعيد".

وكشف المصدر أنّ لجنة تفتيش روسية زارت مطاري الغردقة وشرم الشيخ مطلع هذا الشهر، وسجلت "4 سلبيات فقط"، وهو رقم "ضئيل للغاية" بالنظر للتقرير الفني السابق في أغسطس/ آب الماضي، والذي كان أيضاً قد سجل ملاحظات أقلّ من التقارير السابقة.

وما زالت موسكو تشترط تطبيق أنظمة قياس بصمة بيومترية متقدمة، وبصمة الوجه، في مطاري شرم الشيخ والغردقة، الأمر الذي لم يتحقق بالكامل بسبب مشاكل مادية، واكتفت السلطات المصرية بتركيب بعض الأجهزة في المناطق الخاصة بدخول وخروج الأمتعة وعمل الموظفين. علماً أنّ مصر لم تطبق نظام بصمة الوجه في مطار القاهرة إلا الشهر الماضي، وبدأ العمل بها بهدف التأمين وإحكام السيطرة على منافذ المطار.

وأوضح المصدر الملاحي أنّ عجز مصر عن تلبية هذه الشروط ليس "انتقائياً" كما يحلو للروس وصفه، ولكنه اضطراري بسبب ضعف التمويل، خصوصاً أنّ الحكومة عاجزة إلى الآن عن توفير تمويل كبير من روسيا أو أي دولة أوروبية لإضافة هذه المستحدثات الفنية.

وعلى الرغم من أنّ شركة "إيروفلوت" الروسية الحكومية استأنفت رحلاتها من موسكو إلى القاهرة والعكس في إبريل/ نيسان 2018، بناء على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقّعه البلدان، إلا أنّ الموعد المبدئي لعودة الطيران إلى مدن البحر الأحمر والأقصر كان شهر أغسطس/ آب الماضي، وأوصى وفد التفتيش الأخير باستمرار التأجيل.

وكان مطارا شرم الشيخ والغردقة يستقبلان نحو 90 في المائة من حركة السياحة الروسية إلى مصر قبل حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وكانت السياحة في مدن البحر الأحمر تعتمد بنسبة 92 في المائة على الطيران المباشر، وليس الطيران الداخلي الآتي من القاهرة. وأثر إجبار السائحين الروس على استخدام الطيران الداخلي من القاهرة إلى أي مدينة أخرى للوصول إلى محل إقامتهم بالسلب على إقبالهم على الحجوزات الفندقية بنسبة تصل إلى 70 في المائة، علماً أنّ السائحين الروس يمثلون، بحسب إحصاء أجري مطلع العام الحالي، نحو 40 في المائة من إشغال الفنادق في مدن البحر الأحمر.

ومن ناحية أخرى، تريد موسكو تطوير العلاقات العسكرية مع مصر والتي تعدّ محوراً أساسياً للتعاون منذ صعود السيسي إلى السلطة. فبينما كانت واشنطن ممتنعة عن إرسال مساعداتها العسكرية السنوية إلى مصر بين عامي 2013 و2014، زار السيسي روسيا أكثر من مرة لعقد صفقات عسكرية شملت منظومة "بريزيدنت - إس" المخصصة لحماية الطائرات والمروحيات المدنية والحربية من الصواريخ، ومدافع "أرض - جو" و"جو - جو" والصواريخ البحرية أيضاً، وكذلك مروحيات "مي - 28" و"مي - 26" و"كا - 52" والصواريخ المضادة للطائرات "أنتي - 2500" وصواريخ "إس 300" وطائرات "ميغ 29 إم" و"ميغ 35 "، ومقاتلات "سو 30"، وزوارق صواريخ وقاذفات "آر بي جي"، ودبابات "تي 90"، وفوق كل ذلك أهدت روسيا طراداً من طراز "مولنيا" إلى مصر.

وفي عام 2014، توصّلت روسيا ومصر إلى اتفاقات حول التعاون العسكري التقني بحوالي 3.5 مليارات دولار، وشملت الاتفاقات عمليات تسليم القاهرة 46 مقاتلة من طراز "ميغ-29" حتى عام 2020، و46 طائرة هليكوبتر استطلاع وهجوم من طراز "Ka-52" (التمساح)، وتسلمت مصر حتى الآن 40 مروحية. وفي مايو/ أيار 2017، فازت روسيا بمناقصة لتزويد مصر بطائرات هليكوبتر من طراز "Ka-52K Katran" لوضعها على متن حاملة المروحيات من طراز "ميسترال" التي حصلت عليها مصر من فرنسا عام 2015.

وبحسب مصدر حكومي مصري بارز، تحدث لـ"العربي الجديد" منذ عامين، فإنّ مصر أنفقت نحو 15 مليار دولار بين 2014 و2017 على التسليح، منها نحو 60 في المائة على الأسلحة الروسية، والباقي موزع بين الأسلحة الفرنسية والألمانية ومصادر أخرى، قبل أن يضيف السيسي السوق الإيطالية لأولويات الاستيراد خلال العامين الماضيين.

المساهمون