تأخرت إيران رسمياً بعض الوقت في إبداء الرأي بشأن ما يجري من تطورات جسام في العراق ولبنان، البلدين اللذين تحظى فيهما بنفوذ واسع. لكن هذا التأخير لم يخف حقيقة أن طهران من الأطراف الخارجية الأكثر اهتماماً بهذه التطورات، ومتابعة لها، لأنها أساساً في صلبها وحاضرة في تفاعلاتها، كما في تداعياتها المحتملة، خصوصاً في جارها الغربي العراق.
إلا أن هذا الاهتمام الذي تبديه إيران مشفوع بقلق ومخاوف واضحة، تُستشف من التصريحات التي صدرت خلال الأيام الأخيرة عن القادة الإيرانيين، وبالذات ما صدر أمس، الأربعاء، عن القيادة والرئاسة في البلاد، فضلاً عن أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي قد أكد صراحة، السبت الماضي، تعقيباً على الأحداث الدامية التي شهدتها بلاد الرافدين يوم الجمعة الماضي، أن بلاده تتابع "بدقة وحساسية بالغة" الأوضاع في العراق، قبل أن يعلّق على استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، الثلاثاء الماضي، معتبراً أن لبنان يمر بـ"مرحلة خطيرة وحساسة".
وتنطلق هذه المخاوف من القناعة بأن طهران تتعرض هذه الأيام لمعركة نفوذ مضاد في هذه الساحات، وأن نفوذها هو المستهدف فيها، حيث إن التطورات تجري عكس تيار هذا النفوذ الذي نسجته إيران خلال العقود الماضية، خصوصاً السنوات الماضية، الأمر الذي قد يضعها في خانة الخاسرين المحتملين. لذلك إلى جانب الدعوة لتلبية مطالب المتظاهرين، تعلن دعمها أيضاً لبقاء الحكومات التي ثار عليها الشارع في العراق ولبنان، وإن كان الأمر متعلق بحكومة سعد الحريري المقرب من السعودية، لأن البديل على ضوء وجهة الأحداث والتطورات، هو المجهول، الذي لا يصب لصالحها وحلفائها.
لكن أكثر ما يقلق إيران هو تطورات العراق، وليس لبنان، أولاً لأن حليفها "حزب الله" طرف قوي وموحد في المعادلة اللبنانية، سواء داخل الحكومة أو خارجها، وثانياً لأن الحزب في نهاية المطاف هو جزء من معادلة الحكم في هذا البلد وليس كلها، وبالتالي لا تخشى طهران عليه كثيراً. لكن الوضع في العراق مختلف لاعتبارات متعددة، أولاً لأن النفوذ الإيراني في الدولة يتوقف على النظام السياسي القائم وتركيبته، التي يشكل الشيعة أساسها، وأي خلخلة في هذا النظام تضعف هذا النفوذ. وعليه، فإن "التدخلات الأجنبية تستهدف إضعاف الحكومة المستقرة وتصوير المرجعية الدينية والأحزاب القانونية على أنها فاسدة لدى الشعب" العراقي، بحسب ما جاء على لسان رئيس مكتب الرئيس حسن روحاني، أمس الأربعاء. وثانياً لأن الاحتجاجات التي يشهدها العراق هذه المرة، تتركز في المحافظات الجنوبية، تلك البيئة التي تعد خزاناً استراتيجياً للنفوذ الإيراني. لكن التظاهرات الأخيرة فيها أشارت إلى أن هذا النفوذ بات يواجه تحديات كبيرة، حيث تخللتها شعارات معادية لإيران في بعض الأحيان، بالإضافة إلى أن قنصليتها وسط مدينة كربلاء شهدت تجمعاً احتجاجياً، الجمعة الماضي، فيما اعتلى المحتجون جدرانها لتعليق العلم العراقي، وقيل إنهم أنزلوا علم إيران. لكن القنصل الإيراني مير مسعود حسينيان نفى إنزال العلم، متهماً من وصفهم بالمندسين من "البعثيين والعناصر المرتبطة بالدول الأجنبية" باختراق التظاهرات العراقية التي قال إنها "تحمل في أساسها مطالب شعبية".