ولا تنكر قيادات الحزب المركزي لـ"إخوان" الجزائر وجود تجاذبات داخلية بين وضع شروط والمقاطعة، بسبب تباين وتصادم المعطيات التي تحكم المشهد السياسي في الوقت الراهن. ويؤكد القيادي البارز في الحركة عبد الرحمن سعيدي، وهو رئيس سابق لمجلس الشورى، أن هذه التجاذبات تعود إلى "عدة أسباب ومجموعة إكراهات وضغوط، أولها ضغط عالٍ مرتبط بموقف المؤسسة العسكرية، والذي لا يمكن تفاديه أو مواجهته برفض الذهاب إلى الانتخابات من جهة، ومن جهة ثانية ضغط الحراك الشعبي وسقف مطالبه بعدم الذهاب إلى الانتخابات في ظل بقاء رموز نظام بوتفليقة والحكومة الحالية". ويضيف أن الحركة تعرّضت إلى ضغط ثالث "داخلي بالأساس، حيث إن الحراك اخترق الأحزاب، والحركة، من خلال مشاركة الكثير من كوادرها في التظاهرات، ما جعلهم يتأثرون بسقفه ويشكلون ضغطاً داخلياً لمقاطعة الانتخابات".
ويعتقد سعيدي أنه إضافة إلى الاعتبارات المتعلقة بالضغوط الثلاثة، وعدم القدرة على مواجهة الحراك ومخالفة مطالبه، فإن ثمة شعوراً بأن "الجاهزية في الحزب ليست في أحسن أحوالها، إذ هناك ضعف على كل المستويات، بما لا يساعد على جمع التواقيع اللازمة وإنجاز حملة انتخابية مناسبة. ثم إن التخوف من التراجع أو الترتيب والموقع يؤثر على ما هو مقبل من الانتخابات التشريعية والمحلية". ويضيف سعيدي إلى ذلك عاملاً آخر، إذ إن الحركة كانت قد طالبت ورفعت منذ فترة شعار التوافق، والترشح كان سيقتل مشروع المرشح التوافقي مع قوى أخرى، لافتاً إلى وجود نوع من البحث عن المرشح المستقل.
لم يختلف موقف جبهة العدالة والتنمية، التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، عن موقف "إخوان" الجزائر. فجاب الله، الذي شارك مرة واحدة في انتخابات عام 1999، وقاطع ما سبقها وما لحقها من استحقاقات رئاسية، اعتبر أن ظروف إجراء الانتخابات غير متوفرة، في ظل التعثر اللافت لترتيباتها، لكن مثل هذا التقدير لم يقد جبهة العدالة والتنمية إلى إعلان مقاطعة رئاسيات ديسمبر المقبل. وبخلاف ذلك قدر حزب جاب الله أن إجراء الانتخابات ضرورة مؤسساتية، والسبيل الأمثل لممارسة الشعب سلطته. كما اتخذت حركة النهضة موقفاً يدعم أيضاً إجراء الانتخابات الرئاسية، من دون تقديم مرشح، مثل جبهة الجزائر الجديدة. وأعلنت حركة الإصلاح الوطني مساندتها لتنظيم الانتخابات في موعدها، مؤكدة أنها تدرس خيارات التحالف الممكنة مع أحد المرشحين.
وحدها حركة البناء الوطني، المنشقة عن الحزب المركزي لـ"إخوان" الجزائر، والتي يقودها وزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة، سبقت كل القوى السياسية، وأعلنت عن ترشيح الأخير للرئاسة بشكل منفرد، من دون انتظار لمناقشة إمكانية التوافق مع قوى التيار الإسلامي، أو عرض الفكرة حتى. ولا يلقى بن قرينة أي إجماع داخل التيار الإسلامي، وربما يكون ذلك السبب وراء عدم إجرائه مشاورات لطرح نفسه كمرشح عن التيار الإسلامي. وتمارس ضغوط كبيرة على بن قرينة لاتخاذ خطوة إلى الوراء، للسماح ببحث التوافقات الممكنة مع باقي قوى المعارضة السياسية في حال نجحت الأخيرة في تأمين مرشح توافقي.
ويقرأ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر بشير بودلال مواقف أحزاب الإسلام السياسي من الانتخابات الرئاسية على أنه ارتباك، له علاقة بما يعتبره تداعيات موت الفعل السياسي والتضييق في البلد ثم الانقسامات التي عمقت أزمة الإسلاميين. ويقول بودلال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "سيُلاحظ أن الحزب الأهم، حركة مجتمع السلم، يبدو مرتبكاً في التعامل مع تطورات متسارعة للمشهد السياسي الجزائري، وخصوصاً أن الحركة تعاني من تبعات ذهاب رئيسها عبد الرزاق مقري بعيداً في مناورات سياسية جرت في أغسطس/ آب 2018 مع شقيق الرئيس بوتفليقة، واقتراح التمديد له خارج الدستور وضد إرادة الجيش. ولذلك فموقفها الحقيقي أقرب إلى مقاطعة الانتخابات، لكنها لطفت القرار بالامتناع عن الترشح خوفاً من رد عنيف من الجيش المستاء من تصرفات رئيسها. في المقابل، فإن جبهة العدالة والتنمية استثمرت كثيراً في المعارضة، وكانت تتجه إلى المقاطعة، لكن ما زال لديها أمل في ظهور مرشح توافقي كرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش أو غيره للمساعدة في عملية الإنقاذ من المأزق السياسي الحالي". ويشير إلى أن "قرار حركة البناء، التي رشحت بن قرينة، يُفهم على أنه اصطفاف مع الجيش وخياراته دون الخوف من العواقب، وهي تدرك أنها حركة قيادات دون امتداد شعبي، وشجعها حصولها على رئاسة البرلمان على المضي قدماً في خياراتها".
ويظهر الجيش كعامل مركزي مؤثر في كل التحاليل التي حاولت فهم موقف الإسلاميين من الانتخابات الرئاسية المقبلة، بين قرار عدم المشاركة ودعم قرار إجراء الانتخابات، وهو موقف متطور مقارنة مع مواقفها المتشددة لصالح مطالب الحراك الشعبي، وصدامها السياسي الحاد مع السلطة، ومقاطعتها التامة لأي تواصل مع الحكومة وهيئة الحوار ورفضها طريقة تعيين السلطة العليا للانتخابات. ويعتقد مراقبون أن الموقف الحاد للمؤسسة العسكرية ضد القوى المعترضة على المسار الانتخابي، لعب دوراً بارزاً في تشكل موقف الإسلاميين واستبعاد أنفسهم من كتلة دعاة المقاطعة. وفي السياق، يؤكد المحلل السياسي المتابع لتجربة الإسلاميين في الجزائر عبد الحميد عثماني أن "الإسلاميين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الحراك، الذي يتحفظ على مناخ الانتخابات، وجزء من شبابهم كان ضمن الكتلة الفاعلة داخل الحراك، وسندان المؤسسة العسكرية التي تصرّ على استكمال المسار الانتخابي. أعتقد أن الإسلاميين يريدون تحاشي صدام مع السلطة الفعلية، وربما هم مقتنعون أيضاً بحساسية وخطورة المرحلة. هذه المعادلة جعلتهم يقفون موقفاً وسطاً بخيار المشاركة دون منافسة على الرئاسة، وذلك يجنبهم خسارة الرصيد الشعبي، أو الانتكاسة الانتخابية المحتملة، في ظل الجو العام للاستحقاق الرئاسي، كما يضعهم خارج دائرة المواجهة والعداء مع المؤسسة العسكرية الذي قد تكون له كلفة على التشكيلات الحزبية المعترضة مستقبلاً".
ومع إعلان أغلب القوى الإسلامية عدم تقديمها مرشحاً رئاسياً، بدأت فكرة التوافق على مرشح بديل، أو دعم مرشح توافقي باسم المعارضة في البروز أكثر. لكن هذه الفكرة مرتبطة بموضوع تقدم شخصية سياسية وطنية وازنة، كرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش الذي يلقى إجماعاً سياسياً كبيراً في الجزائر، وخصوصاً أن قادة أكبر حزبين إسلاميين، عبد الرزاق مقري عن حركة مجتمع السلم، وعبد الله جاب الله عن جبهة العدالة والتنمية، قللا من إمكانية دعمهما مرشحين حاليين. وأعلن مقري أن "الحركة قد تدرس خيار التحالفات في الدور الثاني"، فيما قال جاب الله إنه "لا يوجد من يستحق ثقتنا الآن". ويعتقد عثماني أن الخيارات المقبلة للإسلاميين تبدو محدودة جداً. ويقول: "أعتقد أن الإسلاميين، وفق التجربة السابقة، يرفضون أن يكون دورهم لجنة مساندة بل يبحثون عن مشروع وبرنامج ورجل مشترك، لكن الوقت يستعجل الجميع الآن ويُعقد هذا الأمر". ويضيف أن "مقري وجاب الله ألمحا إلى أن التحالفات مُستبعدة في الظروف القائمة، ما يعني أنهما لا يزالان يراقبان تطورات المشهد. والمعطيات السالفة تحيلنا إلى احتمالين: الأول أن يترك الإسلاميون حرية الاختيار لقواعدهم في المرحلة الأولى دون قرار معلن، والثاني هو بروز مرشح قوي لا تعترض عليه المؤسسة العسكرية ويُقنع الإسلاميين بالتحالف في إطار التوافق الوطني".
في عام 1999 انخرط الإسلاميون في التحالف الرئاسي مع مرشح السلطة حينها عبد العزيز بوتفليقة. وبعد 20 سنة من تلك الانتخابات، يجد الإسلاميون أنفسهم على مفترق طرق، بحثاً عن مرشح توافقي يقنع مرجعياتهم السياسية ويرضي الحراك الشعبي وتقبل به المؤسسة العسكرية. لكن ملامح هذا المرشح لا تتوفر في المشهد الجزائري الراهن إلا قليلاً، إذ ذاك اختار الإسلاميون السلامة على المغامرة في انتخابات ملتبسة أصلاً.