غصّت ساحتا التحرير والطيران وجسر الجمهورية والمناطق القريبة منها وسط العاصمة العراقية بغداد بالمتظاهرين، كما كسر الآلاف في جنوب البلاد حظر التجوال، وخرجوا في تظاهرات واسعة ما زالت مستمرة، رغم تصعيد القمع إلى مستوى قياسي من قبل قوات الأمن العراقية.
يأتي ذلك بالتزامن مع بيانات وصفت بأنّها تحمل نبرة جديدة من كتل وقوى سياسية أبرزها ما صدر عن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي طالب الحكومة بالاستقالة.
وأعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، مساء السبت، ارتفاع عدد ضحايا التظاهرات في عموم مدن البلاد، منذ الجمعة، إلى 63 قتيلاً وإصابة 2592 آخرين، بحسب بيان تلقى "العربي الجديد" نسخة منه، أكد أنّ "الضحايا توزعوا بواقع 10 في بغداد، و14 في ميسان، و15 في ذي قار، و7 بالبصرة، وقتيل واحد بالمثنى، و12 في القادسية، و4 في بابل".
وأوضح أنّ "عدد المصابين ارتفع إلى 2592 من المتظاهرين والقوات الأمنية، منهم 1794 منهم سقطوا ببغداد، و176 في ذي قار، و10 في واسط، و151 في المثنى، و301 في البصرة، و119 في الديوانية، و110 في ميسان، و349 في كربلاء"، مشيراً إلى أنه تم حرق وإلحاق الإضرار بـ83 مبنى حكومياً ومقرات حزبية مختلفة في محافظات الديوانية وميسان وواسط وذي قار والبصرة والمثنى وبابل وكربلاء.
وفي بغداد، احتدمت المواجهات، بعد السابعة مساء السبت، بعدما تمكن المتظاهرون من كسر حواجز أمنية ومحاولة عبور جسر الجمهورية المغلق ثم انسحبوا باتجاه مبنى المطعم التركي الذي يتوسط ساحة التحرير وجسر الجمهورية على نهر دجلة بعد استخدام الأمن الرصاص الحي وقنابل الغاز لتفريق المتظاهرين.
واستمر توافد المتظاهرين ووصل عددهم إلى قرابة الثلاثين ألفاً، وهو الأعلى منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
وإلى الجنوب من العراق وتحديداً كربلاء التي شهدت تظاهرات واسعة؛ من بينها أمام القنصلية الإيرانية في وسط المدينة، وقد اعتلى متظاهرون بوابة القنصلية ورفعوا العلم العراقي عليها، قبل أن تنجح قوات الأمن في تفريقهم وهم يرددون شعارات مناهضة للتدخل الإيراني في البلاد، تشابه تلك التي رددها متظاهرون في البصرة وذي قار في الوقت نفسه.
وفي ذي قار، ارتفعت حصيلة ضحايا التظاهرات، اليوم السبت، إلى 3 قتلى و29 جريحاً جراء تظاهرات تخللتها عمليات تحطيم وحرق لمنزل مسؤول محلي اتهم بعمليات فساد في المحافظة، إضافة إلى مقر لفصيل مسلح تم تدمير محتوياته، وبعد ذلك توجه المحتجون إلى منزل محافظ ذي قار في مدينة الناصرية وقاموا بإحراقه.
وعلى الرغم من حظر التجوال في البصرة، شهدت مناطق عدة من المحافظة تظاهرات شارك فيها الآلاف وحصل الأمر نفسه في المثنى وواسط وميسان.
وأعلن قادة الشرطة، في سبع محافظات جنوبية، استمرار حظر التجوال في الوقت الذي أعلن فيه عن تعطيل الدوام الرسمي، يوم الأحد، في واسط وميسان والديوانية وذي قار للدوائر الحكومية والمدارس على حد سواء، وسط خشية من أن يكون تشييع ضحايا الجمعة والسبت من المتظاهرين شرارة تظاهرات وأعمال عنف.
اجتماع للرؤساء الثلاثة
وقال مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد" إنّ اجتماعاً سيضم كلاً من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، من المقرر أن يعقد يوم غد الأحد، بناء على طلب من رئيس الوزراء، لبحث تداعيات المشهد مع اتساع رقعة التظاهرات، خاصة مع دخول فصائل مسلحة على خط الأزمة في الجنوب ومخاوف من اصطدامها مع بعض العشائر في ميسان وذي قار.
ولفت المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته إلى أنّه "كان هناك تعويل حتى ظهر السبت على إقناع مقتدى الصدر بلعب دور في تهدئة الشارع، إلا أنّ الأخير لم يبد أي تجاوب في هذا الأمر ونأى بنفسه عن ذلك".
في الأثناء وفي أول بيان رسمي عراقي منذ تجدد الاحتجاجات، يوم أمس الجمعة، أصدر مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بياناً قال فيه إنّ الأخير عقد اجتماعاً مع القيادات الأمنية، لبحث تطورات التظاهرات.
وذكر البيان أنّ عبد المهدي "عقد اجتماعاً مع القادة الأمنيين في مقر قيادة الشرطة الاتحادية"، مبيناً أنّ "الاجتماع جرت خلاله متابعة الأوضاع في بغداد والمحافظات وسبل تعزيز الأمن والاستقرار بالتعاون مع المواطنين"، دون ذكر المزيد من التفاصيل أو التعليق على اتهامات الشارع للحكومة بالوقوف وراء القمع الوحشي للمواطنين المتظاهرين.
الصدر يدعو الحكومة إلى الاستقالة
ووسط أجواء محتقنة وارتباك أمني، دعا سياسيون إلى إقالة الحكومة وتشكيل حكومة مصغرة، تأخذ على عاتقها تنظيم انتخابات عاجلة للخروج من الأزمة، وطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة بالاستقالة، محذراً، في بيان، من انزلاق العراق إلى "أتون الفتنة" و"الحرب الأهلية"، داعياً الحكومة إلى الاستقالة قبل أن تقال، مستدركاً بالقول "أو أصلحوا قبل أن تزالوا".
جاء ذلك في بيان للصدر نقلته وسائل إعلام محلية عراقية، قال فيه "إذا لم تكن المظاهرات برأي البعض حلا ولا الاعتصامات ولا الإضرابات حلا، فهل التمسك بالسلطة هو حل؟".
وأضاف "بينما لا قدرة لها على إنهاء معاناة الشعب وتخليصه من الفاسدين وتوفير العيش الكريم له، وإذا لم تستطع السلطة أن ترمم ما أفسده سلفها فلا خير فيهم ولا بسلفهم، وإذا أردتم من الشعب أن لا يقتل ولا يحرق وهو المتعين فيا أيها الفاسدون كفوا أيديكم عنهم وكفاكم قمعاً وظلماً وتفريقاً".
وتابع الصدر: "هم ثلة قد نجحت وبامتياز في الضغط على الفاسدين فأجبروهم على التراجع ومحاولة الإصلاح، أفلا تعينهم يا (رئيس الوزراء) لكي تكمل ما تدعيه من مشروع الإصلاح".
ومضى بالقول "كفى... لكيلا ينزلق العراق في أتون الفتنة والحرب الأهلية فينتهي كل شيء ويتحكم في البلاد والعباد كل فاسد وكل غريب، وإني إن كنت متهما بركوب الموج كما وأنني حاولت الإصلاح سابقا، فاليوم تقع المسؤولية على كبار الشعب وحكمائهم لدرء الفتنة فوراً، وإلا فلات حين مندم". وختم الصدر بالقول: "استقيلوا قبل أن تقالوا، او أصلحوا قبل أن تزالوا، وإلا فلات حين مناص".
بالمقابل، دعا زعيم ائتلاف "الوطنية" إياد علاوي إلى "تشكيل حكومة مصغرة، يقع على عاتقها تشكيل مفوضية انتخابات جديدة للذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة للخروج من الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد"، مشددا في بيان على أنه "لا يمكن لنظام سياسي يرتكز على المحاصصة أن يستمر أكثر".
Twitter Post
|
وبدوره، طالب رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بإقالة الحكومة الحالية استجابة لمطالب المتظاهرين، وكتب العبادي في تغريدة له على "توتير"، "إلى أين تقودون البلد؟! المزيد من الدم والعنف؟!. كفى"، وتابع "على الرئاسات والكتل أن تستجيب لمطالب المتظاهرين لإقالة الحكومة، حيث قدمنا طلبا بذلك للبرلمان قبل أسابيع". وأردف "يجب إيقاف دورة القتل الانتقامي... لا تحرقوا العراق من أجل مصالحكم وفسادكم".
Twitter Post
|