منذ انتخابه رئيساً لإيران عام 2013، يدعو حسن روحاني بين حين وآخر إلى ضرورة تنفيذ المادتين 6 و59 من الدستور الإيراني، باعتبار أنهما تمثلان الطريقة المثلى لحل القضايا الشائكة و"الخلافات" و"المشاكل" و"كسر المآزق" في السياستين الداخلية والخارجية لإيران، و"ضمان بقاء الجمهورية الإسلامية"، بحسب تصريحاته خلال السنوات الأخيرة في مناسبات مختلفة. وتنطلق هذه الدعوات من نص دستوري يعتبر رئيس الجمهورية في إيران المسؤول عن تنفيذ الدستور وفقاً لمادته 113. أما المادتان اللتان يدعو روحاني إلى تطبيقهما، فهما تنصان على آلية محددة وهي إجراء "استفتاء"، إذ إن المادة السادسة من الدستور الإيراني تعتبر أن أحد الخيارات لإدارة شؤون إيران، هي "عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي ينص عليها الدستور"، وهذه الحالات هي تلك التي تشير إليها المادة الـ59: "يجوز في القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المهمة جداً، ممارسة وظائف السلطة التشريعية بالرجوع إلى آراء الناس مباشرة عبر الاستفتاء العام بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشورى الإسلامي".
أما المواضيع التي دعا روحاني تصريحاً أو تلميحاً منذ توليه الرئاسة في إيران إلى إخضاعها للاستفتاء فهي "القضايا التي يجري حولها نقاش منذ 40 عاماً ولم نصل إلى نتيجة، فيجب أن نجري الاستفتاء عنها"، بحسب تصريح له يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، أمام طلبة جامعة طهران.
ومن تلك القضايا أيضاً ما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية، ففي الخامس من مايو/أيار الماضي، خلال لقائه مع الصحافيين الإيرانيين، كشف روحاني، وفي إطار إجراء الاستفتاء كـ"مبدأ كاسر للمآزق"، أنه في عام 2006، عرض على المرشد الأعلى علي خامنئي، إجراء "استفتاء نووي" لاستطلاع آراء الناس حول الملف النووي الإيراني، قائلاً إنه وافق على ذلك "لكن بعد ذلك تغيّرت الحكومة واتخذ الأمر مساراً آخر"، في إشارة إلى مجيء المحافظ محمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم، خلفاً للرئيس "الإصلاحي" محمد خاتمي، متّبعاً سياسات مغايرة عن سلفه داخلياً وخارجياً.
إلا أن القضية التي طرحها أخيراً روحاني خلال كلمته في جامعة طهران يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، ودعا إلى الاستفتاء حولها، فهي جوهرية في السياسة الخارجية الإيرانية، وترتبط بالعلاقات مع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، إذ أشار الرئيس الإيراني إلى جدال مستمر بين أركان الحكم والتيارات السياسية في إيران حول "التعامل البنّاء أو المواجهة مع العالم منذ 40 عاماً". وأضاف أنه "منذ 40 سنة لم نصل إلى إجابة صريحة وحازمة في هذا الشأن، فالبعض يريد التعامل البنّاء مع العالم، وآخرون يدعون إلى مواجهة مستمرة. كما أن هناك من يقول إنه يجب أن نكسر العدو وهناك من يرى أنه من الممكن أن نحل الكثير من المشاكل (معه)... القضية الأساسية هي هل نتّبع استراتيجية التعامل أم المواجهة؟".
هذه القضية "استراتيجية" من وجهة نظر روحاني، تستدعي إجراء استفتاء بشأنها، إذ قال "يجب أن تخوض الجامعات في القضايا الاستراتيجية... وإذا لم نصل إلى نتيجة حول هذه القضايا فيجب أن نستفتي الشعب. لا خيار إلا ذلك، لأنه منذ 40 عاماً نتجادل حول ذلك".
والمقصود هنا واضح، فحديث روحاني عن ازدواجية "التعامل البنّاء والمواجهة المستمرة" يقصد به العلاقات مع الغرب، بالذات مع الولايات المتحدة، إذ ثمة رؤيتان مختلفتان في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه هذه العلاقات، لا سيما مع واشنطن، فالرئيس الإيراني يقود مسار "التعامل البنّاء"، فيما معارضوه من المحافظين يتبنون الاتجاه الآخر وهو استمرار العداء مع الغرب وأميركا.
وبعد هذا الهجوم والاتهامات "الثقيلة"، أشار مدير تحرير "كيهان" إلى أن "المواضيع التي تريد أميركا وأوروبا التفاوض بشأنها هي أن تتخلى إيران عن صناعاتها الصاروخية، وأن تنهي نفوذها الإقليمي"، معتبرا أن ذلك "لا يعني إلا الاستسلام المذل"، ليخاطب روحاني قائلاً إن "الاستسلام لا يحتاج إلى الاستفتاء والتفاوض، فيكفي لذلك أن ترفعوا فقط نصف متر من القماش الأبيض بأيديكم أمام أميركا".
أما موقع "مشرق نيوز" المحافظ أيضاً، فذكر في تحليل له، أن روحاني بتصريحاته الأخيرة، اقترح إجراء استفتاء على "الجنون"، وذلك في إشارة إلى تصريحات للرئيس الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والتي اعتبر فيها التفاوض مع الإدارة الأميركية "جنوناً".
على ضوء هذه التعقيدات، أثيرت تساؤلات عدة حول دوافع روحاني في التركيز على طرح الاستفتاء العام حول القضايا التي يعتبرها "استراتيجية"، لأنه يعرف أكثر من غيره الصعوبات التي تقف على طريق تنفيذ هذا الاستفتاء، مما يجعله خارج دائرة قدرته وسلطته.
وعن ذلك، تشير بعض التحليلات إلى أن روحاني يحاول قبل الانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط المقبل، الضغط على خصومه السياسيين، ليحمّلهم مسؤولية مشاكل البلاد الاقتصادية والسياسية، خصوصاً في ظل تراجع موقعه في الشارع الإيراني ومعه داعموه الإصلاحيون لعدم تنفيذ وعوده الانتخابية، بحسب بعض المراقبين.
وفي هذا السياق، اعتبر محللون إصلاحيون أن روحاني أراد من خلال طرح موضوع الخلافات في وجهات النظر حول العلاقات الخارجية أن يسوّق أنه يسعى للتوصل إلى اتفاق مع أوروبا والولايات المتحدة لحل مشاكل البلاد، لكن التيار المنافس له يرغب في استمرار المواجهة مع الغرب ولا يريد ذلك. إلا أن محللين محافظين نظروا إلى تصريحات روحاني على أنها محاولة لـ"الهروب من المسؤوليات" و"ضعف الأداء".
ومن بين هذه الآراء، قدّم الأكاديمي الإصلاحي صادق زيبا كلام، اقتراحاً لإجراء "استطلاع للرأي" بدلاً من الاستفتاء، معتبراً في تغريدة على "تويتر" الخميس الماضي أن "تنظيم الاستفتاء حول السياسة الخارجية ليس إلا نكتة مريرة"، داعياً إلى "إجراء استطلاع للرأي لمعرفة ما إذا كان الشعب يوافق على معاداة أميركا أو يعارضه؟".
يُشار إلى أن الاستفتاء ليس المعزوفة الوحيدة المعروفة عن الرئيس الإيراني "الاعتدالي" بين فينة وأخرى، في بازار التنافس السياسي الإيراني في مواجهة منافسيه، بل سبق له خلال الأشهر الماضية أن حاول رمي الكرة في ملعبهم، من خلال الحديث عن عدم امتلاكه صلاحيات كافية، وذلك رداً على انتقاداتهم حول سياساته، خصوصاً في شقها الاقتصادي، داعياً إلى أن تكون التوقعات منه بقدر الصلاحيات التي يمتلكها، ليتلقى انتقادات واسعة بسبب ذلك.