وفيما ينظر كثيرون بتفاؤل كبير لإمكان التوصل إلى اتفاق سلام عبر هذه المفاوضات، إلا أن ذلك لا يلغي وجود عقبات قد تفشل هذه الجهود، لعل أبرزها اختلاف وجهات النظر بين الحركات المسلحة حول المطالب، والترتيبات الأمنية اللاحقة حول استيعاب المسلحين، بالإضافة إلى المخاوف من وجود أطراف إقليمية لا ترغب في تحقيق السلام في السودان.
وتتمثّل الحكومة السودانية بوفدٍ يرأسه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عضو مجلس السيادة، ويضم كلاً من الفريق شمس الدين كباشي، والفريق ياسر العطا، عضوي مجلس السيادة من العسكريين. ويضم الوفد من المدنيين محمد الفكي سليمان ومحمد حسن التعايشي، ومن مجلس الوزراء، وزير رئاسة مجلس الوزراء عمر مانيس، ووزير الحكم الاتحادي يوسف آدم الضي، إضافة إلى رئيس مفوضية السلام سليمان آدم الدبيلو، فيما يشارك في الجلسة الافتتاحية رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعددٌ من رؤساء الدول الأفريقية.
أما المجموعات المسلحة، فتشارك بوفدين، الأول يمثل "الجبهة الثورية"، وهي تحالف لحركات مسلحة أبرزها "الحركة الشعبية - فصيل عقار"، وحركة "العدل والمساواة" برئاسة مني أركو ميناوي، وحركة "العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، ويقود الوفد الهادي إدريس، رئيس الجبهة، بينما تتمثل "الحركة الشعبية" بزعامة الفريق عبد العزيز الحلو بوفدٍ منفصل يقوده عمار أمون. فيما تُعد "حركة تحرير السودان" بزعامة عبد الواحد محمد نور، أبرز الغائبين عن جولة التفاوض، إذ ترفض الحركة الجلوس مع العسكريين الذين تعتبرهم امتداداً لنظام البشير.
وعلى الرغم من أن "الجبهة الثورية" وفصيل الحلو يشتركان في دوافعهما للقتال، إلا أن الطرفين يختلفان في سقوفهما التفاوضية. ففي الوقت الذي يُرجَح فيه أن تطرح "الجبهة الثورية" موضوع الحكم الذاتي لمناطق الحرب، يتوقع أن يطالب فصيل الحلو بتقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وتقاتل كل من "حركة تحرير السودان" و"العدل والمساواة" منذ عام 2003 في إقليم دارفور، بحثاً عن قسمة عادلة للثروة القومية، ومشاركة الإقليم في السلطة، فضلاً عن منح استقلالية من المركز أكثر من غيره من الأقاليم. كما تطالب تلك الحركات بإنهاء ما تعتبره تهميشاً طاول الإقليم منذ استقلال السودان 1956. الأسباب ذاتها دفعت "الحركة الشعبية - قطاع الشمال" إلى القتال في كل من منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن "قطاع الشمال" شهد هزة حينما انقسم قبل ثلاث سنوات إلى فصيلين، الأول بقيادة الفريق عبد العزيز الحلو، ويتركز ثقله السياسي والعسكري في جنوب كردفان، وآخر بزعامة مالك عقار، ويتركز في منطقة النيل الأزرق.
وفي 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، وقّعت الأطراف نفسها في مدينة جوبا على إعلان مبادئ، بغرض تهيئة المناخ للتفاوض. وقضى الإعلان بإطلاق سراح قيادات من المتمردين محكوم عليهم بالإعدام وأحكام أخرى، كما قضى بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب في مناطق النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتأخير تشكيل حكومات الولايات إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام ووقف لإطلاق النار، مع وضع إطار للتفاوض النهائي خاص بمعالجة جذور الأزمات التي اندلعت بسببها الحرب في المنطقة.
واستبق مجلس السيادة بدء التفاوض بتعيين خبير في مجال التعايش الاجتماعي، هو سليمان الدبيلو، رئيساً لمفوضية السلام، التي نصّت الوثيقة الدستورية على إنشائها للإشراف على عملية السلام. كذلك استبق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المفاوضات باجتماع نادر مع رئيس حركة "العدل والمساواة" جبريل إبراهيم، على هامش زيارته إلى أديس أبابا، نهاية الأسبوع الماضي.
وحول هذه المفاوضات، قال القيادي في تحالف "قوى الحرية والتغيير" الحاكم، كمال بولاد، لـ"العربي الجديد"، إن التحالف متفائل جداً بنجاح التفاوض، ويدعم كل الخطوات التي قامت بها الحكومة في هذا الاتجاه، على الرغم من التحفظ على بعض المسائل، منها عدم اكتمال تشكيل مفوضية السلام بكامل عضويتها لتقوم بمهمة السلام، على أن يكون لمجلس السيادة فقط حق الرعاية، ولمجلس الوزراء حق الإشراف التنفيذي ومشاركة "الحرية والتغيير" ببعدها الشعبي. وأضاف بولاد أن "الحرية والتغيير" كانت تأمل كذلك في مشاركة كافة حركات الكفاح المسلح، بما فيها حركة عبد الواحد محمد نور و"مؤتمر البجا"، ضماناً لاستقرار الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن عدم مشاركة تلك الحركات يمثل عقبة أمام تحقيق السلام الشامل.
من جهتها، قالت عضو وفد التفاوض عن "الجبهة الثورية"، إحسان عبد العزيز، لـ"العربي الجديد"، إن الجولة التي تمتد من اليوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول وحتى 14 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ستناقش كل فرص تحقيق السلام الشامل والعادل بما يحقق وقف الحرب وتحقيق تنمية متوازنة وعادلة في تلك المناطق، ومناطق أخرى تأثرت بالحرب مثل شرق السودان.
وأعربت عبد العزيز عن أملها في أن يلتحق عبد الواحد نور بالمفاوضات تحقيقاً للمصلحة الوطنية، مشيرة إلى أن كل ما تطلبه الحركات المسلحة هو تحقيق سلام يضمن العدالة في تقسيم السلطة والثروة في البلاد. وأشارت إلى أن أبرز العقبات التي يمكن أن تصطدم بها المفاوضات هي الخاصة بالترتيبات الأمنية التي يتم عبرها استيعاب جيوش الحركات المسلحة في جيش قومي موحّد بدلاً من الجيش الحالي الذي حوّله نظام البشير إلى مليشيات ليوجه سلاحه نحو أبناء الوطن. وأكدت أن "الجبهة الثورية" ستطرح مبدأ الحكم الذاتي بما يؤكد وحدة السودان، على الرغم من إيمانها بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
أما الكاتب الصحافي كمال كرار، فأكد أن كل السودانيين ينظرون بتفاؤل تام إلى ما يجرى في جوبا، معتبراً أن فرص التوصل إلى اتفاق سلام كبيرة جداً، لا سيما أن الكثير من الأطراف هي جزء من تحالف "الحرية والتغيير". وأوضح كرار لـ"العربي الجديد" أن تشكيل مجلسٍ للسلام برئاسة البرهان يعد عقبة من العقبات، لأن قضية السلام ليست مجرد عملية عسكرية أمنية، بل لها امتدادات اجتماعية واقتصادية، وبالتالي كان من المفترض إكمال مفوضية السلام، محذراً من عامل الزمن، لا سيما أن هناك أطرافاً إقليمية لا ترغب في تحقيق السلام في السودان، فضلاً عن الاستقطاب الإقليمي وسياسة المحاور في المنطقة، وفق تقديره.
وشدّد كرار على أن "تحقيق العدالة الانتقالية هو ضامن كبير للسلام العادل والشامل، خصوصاً مع الجرائم الجسيمة التي ارتكبها النظام السابق، ما يفرض التعاطي مع ملف العدالة الدولية بجدية"، مشدداً على إنهاء وجود المكونات العسكرية في البلاد بما يشمل "قوات الدعم السريع" والحركات المسلحة وبقية المليشيات، على أن يكون هناك جيش واحد، محذراً من تجار الحرب الموجودين في كلا الطرفين، وما يمكن أن يقوموا به من أجل عرقلة السلام في البلاد.