وانطلقت احتجاجات شعبية ضد الحكومة في الخرطوم بعد دقائق من خطاب البشير، حين بدأ عشرات المتظاهرين تجمعاً بمحطة الشهداء في أم درمان، استجابة لدعوة وجهها تجمع المهنيين السودانيين المعارض، لموكب مقرر له التوجه إلى مقر البرلمان لتسليم مذكرة بتنحي الرئيس عمر البشير.
وجاء التجمع بعد نحو 40 دقيقة من خطاب وجّهه الرئيس عمر البشير أمام مناصريه، الذين تجمعوا في الساحة الخضراء جنوبي الخرطوم، استجابة لدعوة من الأحزاب الموالية للحكومة، لتأييد البشير التي تطالب المعارضة بتنحيه، وردد المحتشدون هتافات مضادّة للهتافات التي عرف بها الحراك الشعبي المعارض، مثل "تقعد بس" مقابل "تسقط بس" و"لا بديل للبشير إلا البشير".
كذلك، تتواصل في مدينة أم درمان ومنذ أكثر من ثلاث ساعات حالات الكرّ والفرّ، بعد خروج آلاف المحتجين الذين أغلقوا عدداً من الشوارع للحيلولة دون وصول قوات الشرطة إليهم، ما مكّنهم من السير لمسافات طويلة والاقتراب من مقر البرلمان الذي حرسته العشرات من سيارات الشرطة.
ويعدّ الحراك الشعبي في أم درمان الأضخم من حيث العدد، منذ اندلاع الاحتجاجات في الشهر الماضي.
إصابات واعتقالات
واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة، بينما أشعل المحتجون الإطارات في الشوارع، وشوهدت سيارات الإسعاف مرابطة في المنطقة طوال تلك الفترة، بينما شوهد أيضاً عشرات الأسر على طول شارعي الأربعين والموردة تتجاوب مع المحتجين، وأطلقت النساء الزغاريد لبثّ الحماسة في نفوس الشباب المحتجين.
واعتقلت قوات الأمن أعداداً كبيرة من المحتجين، بينما أفاد ناشطون على مواقع التواصل بوقوع إصابات بالغة في صفوف المتظاهرين.
وقالت لجنة أطباء السودان، لجنة غير حكومية، بأن أربعة متظاهرين في أم درمان أصيبوا اليوم بالرصاص الحيّ خلال الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها مدينة أم درمان، ووصفت اللجنة في بيان لها إصابة أحد الأربعة بالخطرة.
ومن المتوقع أن تستمر التظاهرات في أم درمان حتى ساعات الليل.
البشير يتوعد
ووجه البشير في كلمته اليوم رسالة للشباب، طلب إليهم فيها تنظيم صفوفهم لكي يسلّمهم السلطة من دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل، مشيداً بدعم قطر والإمارات وروسيا والصين والكويت للسودان خلال الأزمة الاقتصادية الحالية.
وأعاد البشير اتهامه لجهات لم يسمها، قال إنها تتآمر على السودان، وإنها طلبت منه تقديم تنازلات مقابل مساعدته اقتصادياً، قائلاً "كرامتنا أغلى من الدولار"، مؤكداً أن الدولة السودانية "صامدة وستظل صامدة ولن تنهار كما انهارت دول أخرى، حاثّاً الشعب "على التمسك بنعمة الأمن حتى لا يتحول الناس إلى لاجئين".
وتحدث في المهرجان الخطابي عدد من قادة الأحزاب المشاركة في الحكومة.
ومنذ التاسع عشر من الشهر، تشهد مختلف مدن السودان احتجاجات شعبية واسعة سقط فيها 19 شخصاً بحسب ما تقول الحكومة، و40 شخصاً حسب ما تقول المعارضة.
الخارجية: الحكومة لا تحتاج لمواعظ
من جهة أخرى، أعربت وزارة الخارجية السودانية عن رفضها واستنكارها البيان الذي أصدرته سفارات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والنرويج في الخرطوم، بشأن الاحتجاجات في السودان.
ووصفت الوزارة في بيان لها اليوم أصدره بابكر الصديق المتحدث الرسمي باسم الوزارة بيان دول الترويكا بـ"المتحامل ويجافى الحقائق الموضوعية والوقائع".
وذكر بيان الخارجية أن الحكومة السودانية "أكدت التزامها الكامل بحرية التعبير والتجمعات السلمية وفقاً لنصوص الدستور والقوانين السارية"، مبيناً أن ذلك "لا يشمل أعمال العنف والأنشطة غير القانونية التي تقوم بها كيانات غير شرعية لتحقيق أهداف غير قانونية وأجندة تتعارض مع المصلحة الوطنية وأسس التداول السلمي للسلطة وتهدد الاستقرار والأمن العام".
وأضافت المتحدثة أن الموضوعية "كانت تقتضي الإشارة إلى أعمال العنف البالغ التي صاحبت بعض الاحتجاجات، مثل الاعتداء على المرافق الحكومية والحزبية ومن بينها 14 مقراً للشرطة و118 مرفقاً حكومياً وحزبياً وحرق 194 مركبة، منها 102 مركبة شرطة و21 مركبة حكومية و15 مركبة تابعة للمنظمات الدولية. إضافة إلى نهب البنوك والمتاجر والممتلكات الخاصة".
وأضاف أن بيان دول الترويكا "لا يتعرض لحقيقة أن حالات الوفاة كانت في سياق أحداث العنف التي صاحبت بعض الاحتجاجات، وأن من بين الضحايا أفراد من القوات النظامية، وأنه في حالة التظاهرات التي لم يصاحبها أعمال عنف واعتداءات على الشرطة، رغم كونها غير قانونية، لم تكن هناك وفيات".
وأشار إلى أن الأرواح "العزيزة التي فقدت هي لمواطنين سودانيين ظلت الحكومة السودانية تحرص على حمايتهم، وحفظ دمائهم، انطلاقا من مسؤولياتها القانونية والسياسية والأخلاقية"، لافتاً إلى قرار الرئيس البشير بتشكيل لجنة للتحقيق في حالات الوفاة برئاسة وزير العدل.
وأكد البيان أن حكومة السودان "لا تحتاج لوصاية أو مواعظ من سفارات الدول المعنية في هذا الخصوص".
وجددت الوزارة حرصها على التعاطي الإيجابي مع الدول الأربع عبر آليات الحوار المتفق عليها، رافضة التهديد المبطن من تلك الدول، مشيرة إلى أنها تعيد التأكيد على استقلالية القرار السوداني وحماية سيادة البلاد، ورفض التدخل في الشؤون الخاصة بها.
وكانت الدول الأربع قد دانت في بيان لها أمس تعامل السلطات مع المحتجين السلميين مهددة بتغيير تعاونها مع الحكومة السودانية خلال الفترة المقبلة.