أميركا وحرب اليمن: سجلّ التورط

20 سبتمبر 2018
تستخدم السعودية أسلحة أميركية في غاراتها على اليمن(محمد حمود/Getty)
+ الخط -
على شاشة تلفزيون "بي بي إس" (PBS) الأميركي الرسمي، ظهر الأستاذ الجامعي اليمني علي المطوع أخيراً، متحدثاً عن دور واشنطن في الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات في بلاده. قال المطوع إن "الصواريخ التي تقتلنا أميركية الصنع، الطائرات التي تقصفنا أميركية الصنع، المدرعات من حولنا، مثل إبرامر، أميركية الصنع... وأنت تسألني مشكّكاً في دور لواشنطن في هذه الحرب؟ أميركا هي أهمّ لاعب في هذه الحرب". ومثل المطوع، يؤمن الكثيرون في الكونغرس الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بهذا الواقع الصادم لدور بلادهم في الحرب الدائرة في اليمن، ويحاولون القيام بما يستطيعون من أجل إثناء البيت الأبيض عن دعم المجهود الحربي لحليفتيه، السعودية والإمارات. ومن المعروف أنّ واشنطن تقدّم، منذ بدء المعارك في اليمن قبل ثلاث سنوات، دعماً غير قتالي للسعودية، يتمثّل في تبادل المعلومات الاستخباراتية معها وإعادة تزويد طائراتها الحربية بالوقود جواً.

إلى ذلك، تحدّث مدير "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، روبرت ساتلوف، في ندوة في المعهد أخيراً، حضرتها "العربي الجديد"، عن زيارة قام بها على رأس وفد من كبار ممولي المركز، إضافة لمجلس إدارته، إلى الرياض في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وتحدّث ساتلوف عن زيارة الوفد إلى مركز قيادة العمليات الجوية لقوات "التحالف العربي"، وعن مشاهدته لعشرات الضباط السعوديين والإماراتيين في مراكز التحكّم والقيادة، ومن ورائهم عشرات ضباط الاتصال الأميركيين والبريطانيين ممن يقومون بمهام التنسيق على الأرض. وعلى الرغم من ذلك الدعم الواضح، يؤكد المسؤولون الأميركيون دعم بلادهم الكامل لجهود الوساطة الدولية لوقف القتال، كما يعبّرون عن قناعتهم بعدم وجود حلّ عسكري للأزمة اليمنية. 

الكونغرس يتدخّل

بعد إقرار التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، بوقوع خطأ في الغارة التي شنّها يوم 9 أغسطس/ آب الماضي، والتي أثارت تنديداً عالمياً إثر مقتل 51 مدنياً، من بينهم 40 طفلاً، إضافة لجرح 79 آخرين، بينهم 56 طفلاً، تدخّل الكونغرس وفرض على مشروع موازنة الدفاع المعدّلة لعام 2019، بنوداً تلزم وزير الخارجية مايك بومبيو، بتقديم شهادة قبل الثاني عشر من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، تفيد بأنّ السعودية والإمارات تتخذان تدابير من شأنها:

- التعاون بنية حسنة في الجهود الدبلوماسية الجارية من أجل إنهاء الحرب في اليمن.

- أن تخصّص الموارد المناسبة من أجل تخفيض معاناة الشعب اليمني الإنسانية، خصوصاً في ما يتعلّق بالوصول لمصادر الغذاء والأدوية والرعاية الصحية، من خلال موانئ اليمن الرئيسية على البحر الأحمر، مثل ميناء الحديدة، ومطار صنعاء، والحدود البرية مع السعودية.

- أن تقوم السعودية والإمارات باتخاذ تدابير واضحة لخفض احتمالات إصابة المدنيين أو البنى التحتية في عملياتهما العسكرية. ويتم ذلك من خلال ما تتضمّنه عقود مشتريات الأسلحة الأميركية، أو من خلال التأكّد من تدابير تجنّب إصابة المدنيين.

وبالفعل، قدّم بومبيو في 12 سبتمبر، شهادة مكتوبة للكونغرس تفيد بالتزام حليفتي واشنطن بالحلّ السلمي، واتخاذ تدابير لتجنّب إصابة المدنيين. وتبع بومبيو وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي ذكر في بيان، تأييده الكامل لبيان وزارة الخارجية، وأضاف "يلتزم التحالف الذي تقوده السعودية بدعم جهود إحلال السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ونحن نشارك بشكل نشط مع المبعوث الأممي الخاص، مارتن غريفيث، للتوصّل إلى عقد مفاوضات تنهي القتال".

ووفق دراسة صدرت عن "مركز أبحاث الكونغرس" في 28 أغسطس/ آب الماضي، لم يتوقّف الكونغرس عن البحث في وسائل من شأنها تحقيق أهداف عدة تتعلّق بالحرب اليمنية، منها:

- مراقبة الأنشطة الأميركية في اليمن، ومن بينها أنشطة دعم التحالف الذي تقوده السعودية.

- تقييد إرسال قوات أميركية لليمن، وتقييد تخصيص موارد مالية لتمويل أنشطة عسكرية هناك.

- وضع شروط أو حظر بيع بعض الأسلحة للسعودية.

ولم تكن هذه خطوة الكونغرس الأولى، ففي شهر مارس/ آذار الماضي، اقترب مجلس الشيوخ من إنهاء الدور الأميركي في الحرب اليمنية، عندما أستغلّ السيناتوران، بيرني ساندرز عن ولاية فيرمونت، وكريس ميرفي عن ولاية كونيتيكت، بنداً في قانون قوى الحرب لعام 1973، يسمح لأي عضو في المجلس بطرح قرار حول سحب القوات المسلحة الأميركية من صراع لم تحصل المشاركة فيه على تفويض من الكونغرس، وعليه يعتبر التدخّل الأميركي في الحرب غير قانوني. وقال ساندرز حينذاك: "نعتقد أنّ هذا الصراع غير دستوري وغير مصرّح بخوضه، نظراً لأن الكونغرس لم يعلن الحرب أو يفوّض باستخدام القوة العسكرية". ونال مشروع القرار دعم 44 عضواً، فيما اعترض عليه 55 عضواً. وتعدّ هذه النتيجة إيجابية، إذ أظهرت غضباً كبيراً ورفضاً في الكونغرس لمجريات الحرب اليمنية والدور الأميركي فيها، على الرغم من ضغوط كبيرة ومتنوعة تعرّض لها أعضاؤه من قبل اللوبييْن السعودي والإماراتي، إلى جانب ضغط إدارة الرئيس دونالد ترامب ذاتها، مع ضغط لوبي شركات السلاح الكبرى.

وبالإضافة إلى ذلك، يقوم أعضاء من الكونغرس بجهود فردية أو جماعية، في محاولات لإثناء إدارة ترامب عن تقديم الدعم المطلق للتحالف بقيادة السعودية. وقد أرسل عضو مجلس الشيوخ، الجمهوري تود يونغ، من ولاية إنديانا، والديمقراطية جين شاهين، من ولاية نيو هامبشير، إضافة لسبعة من زملائهم، خطاباً لبومبيو قبل نهاية الشهر الماضي، يؤكدون فيه "إيمانهم بأنّ من مصلحة الأمن القومي الأميركي، واتساقاً مع المبادئ الإنسانية، علينا مضاعفة الجهد من أجل الضغط على كل الأطراف لإيقاف الحرب الأهلية في اليمن، وحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية المناسبة". 


الكونغرس يتذكّر الضحايا المدنيين

تعدّ خدمة "أبحاث الكونغرس" هي المصدر الرئيس الذي يعتمد عليه أعضاء الكونغرس للحصول على تفاصيل القضايا المنظورة أمامهم. من هنا، تحظى هذه الدراسات بقوة كبيرة لما لها من تأثير على خيارات الأعضاء ونمط تصويتهم. وفي السياق، عدّدت دراسة لمركز خدمة أبحاث الكونغرس، صدرت يوم 21 أغسطس الماضي، أهم الهجمات التي سقط فيها الكثير من الضحايا المدنيين اليمنيين على يد قوات التحالف السعودي - الإماراتي، ومنها:

- سبتمبر 2015: هجوم على عرس، قتلت فيه قوات التحالف ما لا يقل عن 81 مدنياً.

- مارس 2016: قصفت قوات التحالف سوقاً في شمال غرب اليمن، ما أدّى لمقتل 97 مدنياً، وعشرة من مقاتلي جماعة الحوثي (أنصار الله).

- أكتوبر/ تشرين الأول 2016: قصفت قوات التحالف خيمة عزاء، ما أدى لمقتل ما بين 130 و150 مدنياً.

- ديسمبر 2017: في يوم واحد، قصفت قوات التحالف سوقاً شعبياً مزدحماً في مدينة تعز أوقع 54 مدنياً، فيما تسبّب قصف آخر في اليوم نفسه بسقوط 14 قتيلاً مدنياً من عائلة واحدة في مدينة الحديدة.

- إبريل/ نيسان 2018: قصفت قوات التحالف عرساً في محافظة حجة، ما تسبب بمقتل ما لا يقل عن 20 مدنياً.

- أغسطس 2018: قتل 51 مدنياً، من بينهم 40 طفلاً، بعد هجوم لقوات التحالف على حافلة تمرّ بجوار سوق في محافظة صعدة.

من هنا، تدعم واشنطن عمليات الإغاثة الإنسانية في اليمن، خصوصاً مع اطلاع أعضاء الكونغرس على تقارير مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والتي قدّرت أعداد الضحايا المدنيين في اليمن منذ مارس 2015 وحتى أغسطس 2018، بما يقرب من 18 ألف مدني، قُتل منهم 6592 وجرح الباقون.

كذلك، يشير تقرير للمنظمة الدولية إلى تأثّر كلّ سكّان اليمن بالنقص الحاد في موارد الغذاء والأدوية الرئيسية، إذ يحتاج 22.5 مليون يمني من إجمالي الشعب الذي يزيد عدده عن 30 مليون نسمة، لمعونات ومساعدات غذائية بصورة شبه دائمة. وتجيء الولايات المتحدة على رأس الدول المقدّمة للمساعدات الإنسانية لليمن منذ بدء المعارك، بحسب المنظمة. إذ بلغت 179 مليون دولار في العام 2015، فيما بلغت 327 مليون دولار في العام 2016، و636 مليون دولار في 2017، و321 مليون دولار في العام 2018. 


الكونغرس يحرج بن سلمان

وخلال زيارة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للولايات المتحدة في الربيع الماضي، لم يسلم الأخير من أسئلة تتعلّق بالأوضاع الإنسانية المتدهورة في اليمن. كما لم ينسَ الإعلام الأميركي أنّ الحرب السعودية في اليمن حدثت بتوقيع كامل من بن سلمان بوصفه وزيراً للدفاع. وخلال الزيارة إياها، حاول مجلس الشيوخ الأميركي إنهاءَ الدعم المقدّم للحملة العسكرية السعودية في اليمن، وذلك بتصويته على مشروع قرار يقضي بوقف الدعم الأميركي العسكري هناك. ورغم رفض مشروع القرار بعد تصويت 55 عضواً ضده مقابل تأييد 44 عضواً، فإنه أعاد التركيز على الفشل السعودي وفشل رؤية بن سلمان للأزمة اليمنية، وأظهر تزايد المعارضة للحرب التي تقودها السعودية هناك.

ولم ينسَ أعضاء الكونغرس ما حاولت الرياض القيام به في بداية المعارك في اليمن، للإيحاء بالدعم الأميركي لمجهودها الحربي في الحرب الأهلية اليمنية.  فمن واشنطن، جاء إعلان بدء عمليات التحالف بقيادة السعودية في اليمن قبل أكثر من ثلاث سنوات، حيث صرّح عادل الجبير، وزير الخارجية الحالي والسفير السعودي في واشنطن آنذاك، ومن داخل مقرّ سفارة بلاده، بأنّ الرياض بدأت عملية عسكرية في اليمن للدفاع عن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وأشار الجبير وقتها إلى أنّ "هذه العملية العسكرية ستقتصر مبدئياً على الضربات الجوية"، مؤكداً أنّ العمليات العسكرية بدأت بعد تنسيق مع حلفاء المملكة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي ليست لها علاقة ميدانية بهذه العملية.

وفي هذا الإطار، يقدّر الباحث في معهد "بروكينغز"، بروس رايدل، معدّل إنفاق الرياض على العمليات العسكرية في اليمن بأنه "يقارب 700 مليون دولار شهرياً"، وهكذا تكون السعودية قد أنفقت خلال سنوات الحرب الثلاث الأولى أكثر من 25 مليار دولار أميركي، إذا ما صحّت تقديرات الخبير الأميركي.

خيارات واشنطن كلّها مرة

تؤكّد دراسات الكونغرس أنه وعلى الرغم من تصميم التحالف السعودي الإماراتي على حسم الصراع في اليمن لصالح القوى المحلية التي يؤيّدها، إلا أنّه لا يبدو أنّ هناك أفقاً لحلّ سلمي في القريب العاجل. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي يقوم بها المبعوث مارتن غريفيث، إلا أنّه لا يبدو قادراً على تحريك مسار التفاوض بين الحوثيين من جانب، والحكومة التي تدعمها السعودية بقيادة عبد ربه هادي منصور من جانب آخر.

وترى دراسات الكونغرس أنّ حلفاء واشنطن في الحرب اليمنية لا يتطلعون لما هو أقل من انتصار عسكري كاسح، وهو ما يقلّل من احتمالات إنهاء الصراع، سواء بالطرق الدبلوماسية أو عن طريق المعارك. وهو ما ينذر باستمرار الحرب الأهلية في اليمن مفتوحة بدون مسار جاد لإنهائها.

كذلك، تؤكّد دراسات مركز أبحاث الكونغرس أنّ كل البدائل المتاحة أمام واشنطن في ما يتعلق بالحرب في اليمن مُرّة، ولا سيما في ظلّ دعم إدارة ترامب، كما دعمت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، للتعاون العسكري الواسع مع السعودية والإمارات، سواء في ما يتعلّق بتزويد طائراتهما بالوقود في الجو، أو مشاركتهما معلومات استخباراتية، أو بيعهما عتاداً عسكرياً. كذلك، تدعم الإدارة الأميركية السعودية في مواجهة الصواريخ طويلة المدى التي تطلقها قوات الحوثي من حين لآخر باتجاه المملكة.

وعلى الرغم من ضغط إدارة ترامب على حليفتيها، السعودية والإمارات، من أجل الحذر من هجمات يقع فيها ضحايا مدنيون، تقف إدارة ترامب للكونغرس بالمرصاد كي لا يفرض شروطه أو يحظر بيع أسلحة للرياض أو أبوظبي. وتعتقد واشنطن أنّ الحفاظ على علاقات مميزة مع الحليفين الخليجيين يضمن لها نفوذاً في ما يتعلّق بضغطها من أجل الحفاظ على حياة المدنيين وعلى البنية التحتية اليمنية، أو ما تبقى منها.

ويعقّد من الموقف الأميركي دخول إيران كلاعب أساسي في الصراع، عن طريق دعمها غير المحدود للحوثيين، في حين أنّ الوجود الكبير لفرع تنظيم "القاعدة" داخل اليمن، يسهّل من البروباغندا السعودية الإماراتية بأنّهما يواجهان أيضاً التنظيمات الإرهابية المعادية لواشنطن.