مؤتمر موسكو للمصالحة الأفغانية: مقاطعة واشنطن وكابول تضعفه

24 اغسطس 2018
تتصاعد الدعوات في الشارع الأفغاني للسلام (وكيل كوشار/فرانس برس)
+ الخط -
فاجأت روسيا مختلف الأطراف المعنية بالصراع الأفغاني بدعوتها لمحادثات سلام في موسكو في الرابع من سبتمبر/ أيلول المقبل بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" بحضور دول عدة، غير أن المستجد الأبرز جاء بإعلان الحركة مشاركتها في هذا المؤتمر، فيما ردت الحكومة الأفغانية برفض الدعوة، كما فعلت الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي قد يدفع روسيا "لإعادة التفكير بعقد هذه المحادثات"، بحسب دبلوماسي أجنبي في كابول، نقلت عنه وكالة "رويترز" قوله إن "لا معنى لعقد محادثات بشأن أفغانستان إذا كان قادة البلاد لن يحضروها".

وبعدما دفعت الحكومة الأفغانية لفترة طويلة لعقد محادثات مباشرة مع "طالبان"، جاء موقفها مفاجئاً بمقاطعة مؤتمر موسكو، لتبرز مخاوف من أن يشكل المؤتمر عثرة جديدة في سبيل الحوار بين الطرفين، وضربة قوية لجهود السلام بعدما انتعشت آمال الأفغان بشأنها. وقبل إعلان الحكومة الأفغانية رفضها حضور المؤتمر، كان الأفغان يتوقعون اجتماع "طالبان" والحكومة الأفغانية على طاولة واحدة بعد إشارات في هذا الشأن من مسؤولين أفغان وأميركيين. وكان أبرز مؤشر على ذلك، قول قائد قوات الحلف الأطلسي في أفغانستان الجنرال الأميركي جون نيكولسون، قبل الإعلان عن مؤتمر موسكو، إن هناك حالياً "فرصة لا سابق لها" للتوصل إلى السلام في هذا البلد. وأوضح في مؤتمر صحافي، أن هدنة الربيع الماضي، ووقف إطلاق النار الذي اقترحه الرئيس الأفغاني أشرف غني، يكشفان أنه "لدينا اليوم فرصة لا سابق لها للتوصل إلى السلام" على الرغم من العنف. لكن نيكولسون شدد على أن أي محادثات سلام يجب في النهاية أن تكون "أفغانية - أفغانية". وأضاف أن "الولايات المتحدة مستعدة لدعم هذه المحادثات وتقديم تسهيلات والمشاركة فيها".

ولكن فجأة دخلت روسيا على الخط معلنة استضافة مؤتمر الحوار، بدا أنه كان من دون التنسيق مع السلطات الأفغانية، ما أغضب الأخيرة ودفعها لرفض المشاركة فيه. وقال المتحدث باسم الخارجية الأفغانية صبغت الله أحمدي، إن الحكومة الأفغانية قررت ألا تشارك في مؤتمر موسكو، على الرغم من تأكيدها على علاقاتها الوطيدة مع روسيا. وأضاف أحمدي أن الحكومة الأفغانية تسعى جاهدة للوصول إلى حل المعضلة مع "طالبان" وهي تدرك أن الحل كامن في الحوار البنّاء، غير أن أي مبادرة بهذا الخصوص يجب أن تقودها أفغانستان وليس أي دولة أو مؤسسة أخرى. ولكن على الرغم من ذلك، طلب مستشار الأمن القومي الأفغاني محمد حنيف أتمر، خلال لقائه السفير الروسي في كابول ألكسندر مانتيتسكي، من موسكو أن تحث "طالبان" على الحوار المباشر مع الحكومة الأفغانية.

وليست الحكومة الأفغانية وحدها التي رفضت المشاركة في مؤتمر السلام في موسكو، بل إن الولايات المتحدة رفضت ذلك أيضاً، لأنه من غير المحتمل أن تساعد في إحلال السلام، حسبما قالت وزارة الخارجية الأميركية، الأربعاء. وأعربت الخارجية الروسية عن خيبة أملها بشأن القرار الأميركي، قائلة في بيان، إن عدم مشاركة واشنطن في المؤتمر دليل على عدم رغبتها في تسوية المعضلة الأفغانية، وأنها لا تقبل أي حل لا يكون بقيادتها.


الجديد في هذا المؤتمر هو أن حركة "طالبان" ستشارك فيه، كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الثلاثاء، مشيراً إلى أن هدف روسيا هو التواصل مع الحركة لضمان حياة الموطنين الروس في أفغانستان وتشجيعها على التخلي عن أعمال العنف، علاوة على الانخراط في الحوار مع الحكومة الأفغانية.
كما أكد المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد، في تصريح له، مشاركة الحركة في المؤتمر، لافتاً إلى أن رئيس المكتب السياسي في الحركة شير محمد عباس ستانكزاي، سيشارك على رأس وفد قيادي. وتوقع مجاهد ألا يصل المؤتمر إلى نتائج، لكنه لفت إلى أن مندوبي "طالبان" سيقومون بشرح موقفها من القضية الأفغانية لدول المنطقة التي يجب أن تطلع على ذلك.

مشاركة "طالبان" في مثل هذا المؤتمر تُشكّل تطوراً مهماً، وكانت الحكومة الأفغانية تدفع باتجاه التفاوض مع الحركة، بل إن أهم مطالبها من دول المنطقة التي لها نفوذ على "طالبان" كروسيا وباكستان، كان إقناع الحركة بالحوار المباشر. لكن لماذا رفضت الحكومة الأفغانية اليوم الدعوة الروسية للجلوس على طاولة الحوار مع "طالبان" بعدما قبلت الأخيرة بذلك، وهل للأمر علاقة بالداخل الأفغاني أو السبب هو رفض واشنطن للمؤتمر؟
يقول المحلل السياسي عالم زيب شيرزاد، إن المشكلة الأساسية هي أن الحكومة الأفغانية ترى أن أي مبادرة لا تكون بقيادتها وبالتنسيق معها لا جدوى منها، وبالتالي هي لا ترضى بأي جهود تكون على حساب موقفها، مضيفاً أن "رفض واشنطن كان له أيضاً تأثير كبير على موقف الحكومة الأفغانية".

على الضفة الأخرى، تُطرح تساؤلات حول كيفية نجاح موسكو بإقناع "طالبان" بالجلوس على طاولة الحوار، بعدما دارت لقاءات بين دبلوماسيين أميركيين ومندوبي "طالبان"، وكان ذلك بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية، كما ذكر الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية عبدالله عبدالله؟ أيضاً ما هي أهداف موسكو من هذا المؤتمر، إضافة إلى أسئلة كثيرة حول الجدوى من وراء المؤتمر ما دامت كابول وواشنطن لن تشاركا فيه؟

على الرغم من أن مؤتمر موسكو قد لا يكون له تأثير كبير لدفع المصالحة الأفغانية، وهو ما يبدو أن "طالبان" وروسيا تعرفانه، إلا أنه سيؤدي إلى تخفيف الضغط عن الحركة، خصوصاً بعد رفض الحكومة الأفغانية المشاركة. إذ تعرضت "طالبان" في الفترة الأخيرة لضغوط شعبية وسياسية كبيرة للقبول بالحوار المباشر مع الحكومة التي كانت قد أعلنت عن استعدادها للإصغاء لمطالب الحركة. واليوم سينتقل الضغط على الحكومة لرفضها المشاركة في مؤتمر تحضر فيه "طالبان". وفي هذا السياق، فإن قناة "طلوع" المحلية، حمّلت في برنامج لها صباح أمس، السلطة مسؤولية تضييع فرصة المشاركة في حوار مع "طالبان"، واصفة إياها بأنها غير جادة في الوصول إلى الحل.

ولكن بحسب المراقبين، فإن المؤتمر الذي تريد موسكو عقده بشكل موازٍ للمسار الذي تسلكه الحكومة الأفغانية وأميركا في التعامل مع "طالبان"، يُشكّل مسعى روسياً لخطف الأضواء. كما أن موسكو تحاول إيصال رسائل لدول المنطقة بأن مفتاح تسوية الصراع الأفغاني بيدها، إذ إنها أحضرت "طالبان" إلى الطاولة لتنجح بما فشلت فيه كل دول المنطقة والولايات المتحدة، وبالتالي فإن واشنطن ليست الوحيدة التي تقرر ما يحدث في أفغانستان، بل روسيا لها دور ولها نفوذ.

المساهمون