ويتوقع متابعون لهذا الملف أن يساهم التقرير في إرباك عددٍ من الأحزاب، حتى إن بعضهم بات يتحدث عن توقيت "غير بريء" للتقرير، في ظلّ قرب الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وأكدّ القيادي في "حركة النهضة"، نجيب مراد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المشهد السياسي في الوقت الحالي "يُنبئ بانقسامات واضحة داخل الأحزاب، ما يؤشر إلى حصول تطورات على مستوى الخارطة السياسية"، مبيناً أن تقرير لجنة الحريات "ستكون له تأثيرات كبيرة على الأحزاب، إذ أصبح ككرة الثلج التي تكبر يوماً بعد يوم".
وتحدّث مراد عن "وجود استقالات داخل بعض الأحزاب، بسبب الموقف الرسمي من تقرير لجنة الحريات"، معتبراً أنّ توقيت هذا التقرير "غير بريء، بل يبدو أن الهدف منه إحراج حركة النهضة وحشرها في الزاوية، خاصة أن صداه أصبح دولياً، وتجاوز الجانب المحلي". ولفت إلى أنه "إن قبلت الحركة مشروع القانون فإنها ستخسر قواعدها وخزانها الانتخابي، وإن رفضته فإن النظرة لها دولياً ستتغير، باعتبار أن هذا الموقف يتناقض مع ما صرحت به، كونها حزباً مدنياً".
وأضاف مراد أنه "لا يخفى على أحد مدى الانعكاسات السياسية للتقرير على الأحزاب"، مشيراً إلى أن النقاشات الموجودة حالياً بين القيادة والإطارات الحزبية "تكشف بوضوح تباين المواقف من التقرير، ومن خطاب رئيس الجمهورية، خاصة داخل الأحزاب الكبرى، سواء أكان ذلك بالنسبة للنهضة أو حتى بالنسبة لنداء تونس، والتي تبدو فيها المواقف متضاربة بين رافض ومؤيد للمضامين، وحتى للخطاب".
من جهته، أكد الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التقرير "أثّر على العديد من الأحزاب، والتي طاولتها الانقسامات، لأن التجربة الديمقراطية لم تنضج بعد، وبالتالي فالانضباط والتشبث بالمواقف، يتم التحضير له على مدى عقود"، مشيرا إلى أن مواقف بعض الأحزاب من التقرير "لا تزال غير واضحة، والحسابات الانتخابية الضيقة والاستقطاب هي التي تطغى عليها".
ولم يخف الشواشي وجود تململ في بعض المكاتب الجهوية لحزبه، خاصة في الجنوب، رفضاً للتقرير، متحدثاً عن إجراء نقاشات واجتماعات مع هذه المكاتب الجهوية، للمزيد من النقاش وتفسير بعض المواقف من التقرير، ومشيراً إلى أن الخطأ ربما يكمن في الخطة الاتصالية للحزب، أو لأن بعض المكاتب حديثة، ولم يمض عليها سوى أربعة أشهر، وبالتالي لا بد من تعميق النقاش، ولا يمكن فرض الموقف الرسمي بالقوة.
واعتبر الشواشي التقرير مناسبة لتذكير بعض المنتمين للأحزاب بضرورة مراجعة مواقفهم، إذ لا يجب على البعض أن يخطئ العنوان، فالتيار الديمقراطي حزب مدني يدافع عن الحقوق والحريات، ولا يمكن المطالبة بأن يكون حزباً ذا مرجعية دينية.
وأضاف الشواشي أن التيار يقف مع مضامين التقرير في بعض التوصيات، لكنه يمتلك أيضاً عدداً من التحفظات على توصيات أخرى، وعلى تركيبة اللجنة التي أعدت التقرير.
ورأى النائب عن "الاتحاد الوطني الحر"، نور الدين المرابطي، أنه "لا شك في أن التقرير غذى الانقسامات داخل الأحزاب، ولكن خطاب رئيس الجمهورية قلّص من الجدل، خاصة بعدما أوضح أن التقرير سيكون مجرد مرجع، فالمساواة في الإرث ستكون اختيارية بين من يريد تطبيق النص الديني، وبين من يريد المساواة بين المرأة والرجل".
ورأى مرابطي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أيضاً، أن "التقرير يتعلق بالحريات، ولذلك فمن الطبيعي ألا تكون مثل هذه المسائل محل توافق بين جميع أفراد المجتمع، ولكن الاختلاف ظاهرة صحية، فهناك مبادئ يتم التمسك بها، ومواقف تخضع للحريات الشخصية، وتونس لا تزال في تجربة ديمقراطية، وتتحسس طريقها نحو المستقبل".
وأشار المرابطي إلى أن الاختلاف في وجهات النظر موجود حتى في الحزب الواحد، ففي الاتحاد الوطني الحر كان التقرير محل خلاف داخل المكاتب الجهوية والقاعدية، لأن المرجعيات تختلف، ولكن الاختلاف أمر إيجابي، يؤكد أن تونس تسير في الطريق الصحيح.