العلاقات التركية- الأميركية... مؤشرات الأزمة وآفاقها

02 اغسطس 2018
العقوبات الأميركية تأثيرها سياسي بالدرجة الأولى (Getty)
+ الخط -


لم تتفاجأ الأوساط المتابعة للعلاقات التركية الأميركية من قرار واشنطن أمس بفرض عقوبات على وزيرين تركيين، بسبب القس الأميركي أندرو برونسون المعتقل في تركيا بتهم الإرهاب، حيث شهدت علاقات البلدين تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.

وكانت المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي حصلت منتصف يوليو/تموز عام 2016، المنعطف الذي جعل العلاقات تتراجع أكثر رويداً رويداً.

ومع إعلان المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، استعداد واشنطن لفرض عقوبات على الوزيرين التركيين، بذريعة استمرار رفض أنقرة الإفراج عن القس الأميركي، (يُحاكم في قضايا تجسس وإرهاب)، تشمل وزيري الداخلية والعدل لدورهما في حبس القس، وإعلان وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، أنها أدرجت الوزيرين على قائمة العقوبات؛ حتى توجهت الأنظار إلى مزيد من التصعيد المتبادل بين الطرفين وخيارات المواجهة فيما بينهما.

ورغم أن العقوبات تأثيرها سياسي بالدرجة الأولى، حيث أن الوزيرين لا يمتلكان أي أموال في الولايات المتحدة، ولكن انعكاساتها الاقتصادية ستكون مؤثرة، فضلاً عن تأثر العلاقات بين الحليفين التقليديين في حلف الشمال الأطلسي.

وانخفضت الليرة التركية قبيل إعلان العقوبات الأميركية، وتواصل نزيفها اليوم الخميس، وإن اتخذت الإدارة الأميركية خطوات أكبر، فلربما نشهد مزيداً من انخفاض الليرة التركية، وتكون بذلك كابوساً يعترض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع بداية النظام الرئاسي الذي أسس له في تركيا الجديدة، ومن بين وعوده رفع قيمة الليرة التركية أمام العملات الأخرى.

الرد التركي المتوقع والذي كان يحمل أسلوب التهديد والوعيد والرد بالمثل، فضلاً عن الدعوة للعودة عن هذا القرار، فتح المجال للحديث عن الخطوات التي يمكن أن تتخذها تركيا ضد أميركا، والخطوات التصعيدية الإضافية التي يمكن أن تلجأ لها واشنطن للضغط على تركيا في قضية إطلاق سراح القس الأميركي.



ملخص الأزمة

تتلخص الأزمة بين الطرفين بعدة نقاط، على رأسها عدم تجاوب الجانب الأميركي مع الطلب التركي بتسليم الداعية فتح الله غولن زعيم جماعة "الخدمة" المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية، المتهم الأول بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، إضافة إلى الملف السوري حيث تقاربت تركيا مع روسيا وإيران وعملت معهما في تعاون استراتيجي، وكذا الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية وعملية منبج، إضافة إلى السعي التركي لشراء صواريخ إس400 من روسيا، والرد الأميركي بعرقلة تسليم مقاتلات إف35، وأيضاً ملف مدير مصرف هالك بانك التركي هاكان أتيلا المعتقل في أميركا.


مدى عقوبات واشنطن

فيما يخص مدى العقوبات التي يمكن أن تتواصل على تركيا، فهي رهن التطورات المقبلة، فرغم كل الخلافات السابقة، بعث الاتفاق على خارطة الطريق حول منبج في يونيو/حزيران الماضي، الأمل بتحقيق تقدم وتجاوز الخلافات، وكذلك تنظيم حفل تسليم أولى طائرتي إف 35، رغم قرار الكونغرس حظر بيعها لتركيا بموجب قانون الموازنة للعام المقبل، باعتبار تشكيل صواريخ إس 400 خطراً عليها، ولكن ما حصل كان عكس ذلك وتفاقمت الأزمة لاحقاً.

واللافت أن هذه العقوبات أعلن عنها في وقت يقوم فيه قائد القوات الأوروبية في الجيش الأميركي كورتيس سكاباروتي، بزيارة لمدة يومين إلى تركيا للحديث عن الملف السوري، كما يتزامن مع معلومات كشفت عنها مصادر تركية لـ"العربي الجديد" أنه اعتباراً من منتصف أغسطس/آب الجاري، ستبدأ عمليات تدريبية بين الجيشين التركي والأميركي لدوريات مشتركة عوضاً عن الدوريات المستقلة التي تجري حالياً، حيث ستتم التدريبات في ولاية غازي عنتاب التركية، وهو ما يشير إلى أن خارطة الطريق حول منبج ربما يتأخر تطبيقها أكثر.

ولعل الموقف التركي يستمد قوته من نقطة وحيدة وهي العلاقة مع إيران، حيث تشكل نقطة خلافية إضافية مع أميركا، التي ترغب بعقوبات شاملة ضد إيران، وتمتنع تركيا عن ذلك، وخاصة فيما يتعلق بالنفط والغاز الإيراني، فإن أي عقوبات مستقبلية ربما تكون خاضعة لمعيار العلاقات والموقف من إيران، رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان قد أبدى استعداده لحوار غير مشروط مع إيران.

أما العقوبات الأميركية على تركيا فستبدأ بعدم اعتراض البيت الأبيض على أي عقوبات تفرض من الكونغرس الأميركي، دون أن تكون لإدارة ترامب خطة واضحة للعقوبات، في ظل وجود مشاريع عديدة أمام الكونغرس الأميركي، فالخطة الأميركية الحالية هي عدم التدخل والنصح بأن تركيا حليف استراتيجي لا يجب معاقبتها.

وأول القرارات المتوقع أن يصادق عليها ترامب هو قرار الموازنة العامة للدفاع الذي أقر مؤخراً، ويتضمن عقوبات تشمل منع تسليم وبيع تركيا مقاتلات إف 35، وأسلحة متطورة، وهي في خطوة أخيرة تنتظر موافقة ترامب الذي لن يستطيع رفض مادة واحدة حول تركيا وحسب، وإلا يعني هذا رفض المشروع كله، وبقاء الجيش بلا موازنة للعام 2019.

ويشمل مشروع القانون الجديد من ضمن الموازنة للخارجية الأميركية، منع بيع صواريخ إف 35، وهي بحاجة للنقاش ضمن ميزانية الخارجية الأميركية، وهذه المرحلة لم تستكمل بعد وبحاجة لنهاية سبتمبر/أيلول المقبل، بسبب العطلة في مجلس النواب.

وكانت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي قد أقرت منذ فترة مشروع قانون لمنع تركيا من الحصول على القروض الدولية من المؤسسات المالية الدولية، ولكن ذلك لم يطرح في أجندة الكونغرس نظراً لكثافة الأجندة، وربما يتم نقاش الأمر في سبتمبر المقبل.

والموضوع التالي المتعلق بصواريخ إس 400، فإن هناك عقوبات أميركية أخرى وفق قانون معاقبة الجهات التي تتعامل مع خصوم الولايات المتحدة الأميركية المعاقبة، وتعني أن استمرار تركيا في صفقة شراء صواريخ إس 400، يستدعي العقوبة الأميركية بحجة خرق العقوبات الأميركية على موسكو، والحجة هي تعاون أنقرة مع روسيا بخط السيل التركي لنقل الغاز الطبيعي الروسي.

الرد التركي

أما الرد التركي وإن بدا عنيفاً إلا أنه سيكون محدوداً، وتخشى تركيا تأثير ذلك على الوضع النفسي لأسواقها، ولكن بلغة الأرقام ليست هناك عقوبات تستهدف الشركات والجهات الحكومية التركية، وكلها لا تعدو عن كونها عمليات منع وحظر، وإدارة ترامب تسعى للكسب السياسي في الوقت الحالي، وأي حديث عن عقوبات مالية هو بعيد المدى، ويبقى الحديث عن صيف حار ينتظر تركيا في الأيام المقبلة، وسط ترقب إقليمي وعالمي للموقف الأميركي من إيران وتركيا.

المساهمون