عقبات استكمال معركة تعز: الحقّ على الإعلام؟

11 اغسطس 2018
يشكو الجيش من عدم تزويده بالسلاح الثقيل(أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
يعود الحديث من جديد في أوساط قيادات السلطة اليمنية في محافظة تعز جنوبي البلاد، عن "استكمال تحرير" المنطقة المحاصرة من الحوثيين منذ ثلاث سنوات، بعد فشل التحركات السابقة في حسم المعركة لصالح الشرعية. وفي مسعى جديد لتفعيل خطة "تحرير المدينة"، اتفقت القيادات السياسية والعسكرية فيها على تشكيل ثلاث لجان جديدة لاستكمال الخطة، بما أظهر تخطي هذه القيادات الخلافات التي كانت سائدة بينها في السنوات الأخيرة. غير أن هذه الخطوة، وعلى الرغم من تأكيد القيادات المحلية أهميتها، قد لا تكون كافية لتحقيق الهدف المرجو منها بحسم المعركة مع الحوثيين، إذ تجتمع عوامل عديدة تشي بصعوبة تحقيق هذا الهدف، أبرزها غياب الاهتمام الحقيقي من التحالف الذي تقوده السعودية بهذه المعركة، والخلافات بين أطرافها المحليين، فيما تحمّل بعض الأطراف الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية عن فشل تحرير المحافظة، عبر إطلاقهم حملات تتحدث عن فساد مسؤولين والتحريض ضد أطراف معينة، وهو ما يراه البعض محاولة من المسؤولين لإبعاد الفشل عنهم.

محاولة جديدة للحسم
يترقب الشارع في تعز التطورات المتسارعة حول معركة استكمال التحرير المرتقبة، بعد الاتفاق على تشكيل ثلاث لجان جديدة لهذا الهدف، ولكنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن الاستعداد لمعركة التحرير، إذ شهدت السنوات الثلاث الماضية الإعلان لمرات عديدة عن ساعة الصفر للمعركة، التي كانت تفشل كل مرة.

وانتهى اجتماع استثنائي عُقد في تعز في الأسبوع الأول من أغسطس/آب الحالي، وجمع محافظ تعز، رئيس اللجنة الأمنية، أمين أحمد محمود، وقائد المحور اللواء الركن خالد فاضل، مع عدد من القيادات العسكرية والأمنية والمدنية، إلى نتائج تؤشر إلى وجود تقارب بين القيادات العسكرية وبين محافظ تعز بعد توتر العلاقات خلال الأشهر الماضية، والتي وصلت إلى توجّه المحافظ نحو تغيير عدد من القيادات العسكرية، قبل أن يقترح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عليه منحهم فرصة أخيرة.

وأعلن المركز الإعلامي التابع لقيادة محور تعز العسكري، عقب الاجتماع عبر صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك"، الاتفاق على تشكيل ثلاث لجان، سميت الأولى اللجنة الإشرافية، والثانية اللجنة العسكرية، والثالثة لجنة الإسناد الشعبي. وستتولى هذه اللجان عملية الإشراف والإعداد والتحضير لاستكمال "عملية التحرير" تحت الإشراف المباشر من المحافظ أمين محمود، وقائد محور تعز العسكري اللواء خالد فاضل.
وترأس اللجنة الإشرافية اللواء عبد الكريم الصبري، الذي يشغل منصب وكيل المحافظة لشؤون الدفاع والأمن، وعضوية اللواء سمير الحاج، وهما محسوبان على "التجمّع اليمني للإصلاح"، إضافة إلى العميد عبده فرحان سالم، مستشار قيادة المحور ويعد من أبرز قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" في تعز. وفي عضوية اللجنة من حزب "المؤتمر الشعبي العام"، شارك العميد محمد عبدالله إبراهيم والذي بات يشغل منصب وكيل وزارة الداخلية بعد إزاحته من منصب مدير عام شرطة الأمن العام في تعز، والعميد طيار عبدالعزيز المحيا المقرب من "المؤتمر".

وتشكّلت أيضاً اللجنة العسكرية برئاسة قائد محور تعز، اللواء خالد فاضل، المحسوب على "الإصلاح"، أما نائبه في اللجنة فهو رئيس أركان حربه العميد عبدالعزيز المجيدي المحسوب على "الحزب الاشتراكي اليمني". وتضم اللجنة في عضويتها قادة الألوية العسكرية في محافظة تعز وهم سبعة ألوية، ثلاثة منها تشكلت بعد عامين من اندلاع الحرب في تعز في مارس/آذار 2015 بقرارات غير معلنة.
أما الأحزاب السياسية فشاركت في لجنة الإسناد الشعبي، التي ترأسها وكيل محافظة تعز، رئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" الموالي للشرعية، وبقية وكلاء المحافظة المحسوبين على أبرز الأحزاب السياسية، "الإصلاح" و"الناصري" و"الاشتراكي".

وقال القيادي في اللواء 22 ميكا، توفيق عبدالملك، وهو قيادي في حزب "التجمّع اليمني للإصلاح"، على صفحته في "فيسبوك" بعد الاجتماع: "تعز تتجه نحو تمتين الصف الداخلي والتفرغ لمتطلبات التحرير والنصر". ولفت إلى أن اجتماع القيادة بتعز والاتفاق على تفعيل خطة تحرير المدينة وتشكيل اللجان، من أبرز الأحداث التي شهدتها المنطقة، واصفاً تشكيل اللجان بـ"العمل الجماعي الموحّد الذي يسير بتعز نحو وحدة الصف والانشغال بالتحرير وإيقاف قرارات التغييرات العالقة والانطلاق بتعز بعيداً عن تفخيخ الحياة الاجتماعية والسياسية التي تعيق التحرير بتغيرات وإقالات وتعيينات تربك المشهد".

وتكشف مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، أن التحالف بقيادة السعودية كان قد اشترط لدعم تحرير تعز، أن تقدّم الأطراف تصوراً معيناً للعملية يوافق عليه الجميع. ومن هنا، يرى مراقبون أن تشكيل لجان لقيادة معركة التحرير والإشراف عليها من سياسيين وعسكريين بالإضافة إلى السلطة المحلية، يأتي من أجل إشراك الجميع في تحمّل المسؤولية عن المعركة، خصوصاً بعد فشل القيادة العسكرية في إدارة المعركة خلال الأعوام السابقة.

معوّقات كبيرة
على الرغم من هذه الخطوة، إلا أن مراقبين يشككون في جدية القيادات العسكرية باستكمال معركة التحرير، خصوصاً بعد الإعلان عن اللجان الخاصة بعملية التحرير عبر وسائل الإعلام، بينما يُفترض أن تتم الأمور العسكرية بسرية تامة، لكن الإعلان عنها يؤكد أنها للاستغلال الإعلامي في سياق امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد ضد القيادات العسكرية التي عجزت حتى الآن عن حسم معركة التحرير، على الرغم من أن قواتها البشرية تصل إلى 40 ألف جندي.

وتأتي مناقشة القيادات العسكرية والسياسية معركة استكمال تحرير تعز في ظل إهمال التحالف لها واستغلالها كورقة استنزاف لطرفي الحرب مقابل اهتمامه بمعارك الساحل الغربي اليمني حيث تتركز الموانئ اليمنية التي باتت محل أطماع للتحكّم بها. سياسة التحالف تجاه تعز أثرت على تقديم الدعم العسكري الفعلي للجيش في هذه المحافظة الاستراتيجية، ودائماً ما تشكو قوات الجيش من قلة وانعدام السلاح الثقيل والنوعي، كالدبابات والمدرعات وكاسحات الألغام، والذي يمكن أن يغيّر مجريات الأحداث على الأرض. واقتصر دعم التحالف للمقاومة والجيش الموالي للشرعية في تعز طيلة الأعوام الثلاثة الماضية على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والتي تحافظ على التوازن على الأرض مع الحوثيين، فيما المبالغ المالية المقدّمة تضيع في دهاليز الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية.

ويقول ضابط في قوات الجيش في تعز، طلب عدم كشف هويته، لـ"العربي الجديد"، إن الإعلان عن أي تحرك لتحرير تعز لا يمكن أن ينجح في ظل قيادة المعارك من قبل قيادات مدنية تفتقد لأبسط الخبرات العسكرية، مضيفاً "إذا أردنا أن نتحدث عن إدارة ونجاح معركة تحرير تعز، فلا بد أولاً من إعادة النظر في عملية دمج المقاومة في الجيش من خلال معالجة الاختلالات المصاحبة لها، وإعادة تشكيل الألوية العسكرية على أسس سليمة، لتصبح قيادة المعركة بيد عسكريين محترفين يمتلكون الكفاءة والخبرة والقدرات العسكرية اللازمة". ويتابع: "شاركتُ خلال سنوات الحرب الثلاث بثمانية اجتماعات جمعت بين قيادة الألوية العسكرية وقيادة محور تعز، وكان النقاش يتركز خلالها على الخصومات المالية والرواتب، ولم يناقش اجتماع واحد العمليات العسكرية في الميدان".

دور وسائل التواصل الاجتماعي
منذ ما يقارب العامين، يوجّه قادة سياسيون وعسكريون اتهامات لرواد التواصل الاجتماعي من أبناء محافظة تعز بعرقلة تحريرها، عبر نشاطهم في صفحاتهم على موقع "فيسبوك". وفي الرابع من يونيو/حزيران الماضي، أطلق وكيل المحافظة، عارف جامل، تساؤلاً عبر صفحته على موقع "فيسبوك" قال فيه: "هل يستطيع الإعلاميون والناشطون والمفسبكون أن يكونوا بمستوى حدث التقاء القادة واتفاقهم على تعزيز تواجد الدولة، ليتفرغ الجميع لاستكمال تحرير المحافظة!".

كما أن قيادة الأحزاب السياسية في تعز، عقدت في 22 يوليو/تموز الماضي، اجتماعاً لمناقشة توحيد الصف وخلق اصطفاف وطني للتوجّه نحو "استكمال التحرير" واستعادة الدولة، وذلك بعد عقدها خلال العامين الماضين بحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، عدداً من اللقاءات لمناقشة تغريدات عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينتمون للأحزاب، إذ يتهم كل طرف ناشطي الطرف الآخر بتشويه صورته إعلامياً والتحريض عليه، ما ينعكس على مسار المواجهات الميدانية في جبهات محافظة تعز.

ودائماً ما ترمي قيادات عسكرية وسياسية بفشل تحرير تعز وإدارة الجزء المحرر من المدينة المحاصرة على ناشطي التواصل الاجتماعي، والذين يتم اتهامهم صراحة بعرقلة التحرير ويُعتبرون العائق الأول أمام تنفيذ التحرير الذي تأخر لثلاث سنوات.
مخاوف القيادات السياسية والعسكرية في تعز من "فيسبوك" ارتفعت مع تزايد الحسابات بأسماء مستعارة ووهمية في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكشف في الغالب معلومات تتعلق بفساد الأطراف المحسوبة على الشرعية في الجانب المدني والعسكري، ما جعل القيادات السياسية والعسكرية تحمّل "فيسبوك" مسؤولية تأخير تحرير تعز، وتسعى جاهدة لوضع ميثاق شرف إعلامي من دون أن تنجح.

ويقول المتحدث الرسمي باسم قيادة محور تعز العسكري، العقيد عبدالباسط البحر، لـ"العربي الجديد"، إن "الإعلام في الحروب قوة مؤثرة سلباً أو إيجاباً في مجريات المعركة وفي نتائج الحروب، والكلمة أقوى تأثيراً من القذيفة، فالأخيرة قد تستهدف شخصاً أو أشخاصاً، بينما الكلمة تستهدف المئات بل الآلاف"، معرباً عن أسفه لأن "هناك من يستغل هذه المهنة وهذا السلاح الخطير للربح فقط أو للتجريح والتخوين والتخاذل وللمناكفات الضيقة والصغيرة والتي لا ترقى إلى مستوى القضية الوطنية والمعركة المصيرية التي هي معركتنا جميعاً، كما هو حاصل في مدينة تعز من كثير من النشطاء". ويعتبر أن "الهدف من هذا الأمر هو النيل من القيادات سواء السياسية أو العسكرية أو الإدارية في تعز"، واصفاً ذلك بـ"العمل غير الأخلاقي وغير المهني وغير الوطني والذي يؤثر سلباً على سير المعركة في تعز ويمزق الصف ويخلق ثغرات ينفذ من خلالها العدو والمتربصون، ويشتت الانتباه عن العدو وجرائمه، ويحجّم الدعم والإسناد للمعركة بحجة الخلاف".
ويقول البحر إن "بعض هذه الأبواق مأجورة لكنها تُفضح وتتلاشى لأن الحقيقة سريعاً ما تظهر"، ناصحاً الإعلاميين والنشطاء "بتحري المصداقية والحقيقة وترك ما يحدث من خلافات وأخطاء من البعض لأن هذا وارد، خصوصاً في مثل هذا الوضع"، مطالباً بالتركيز على العدو المتربص بتعز، على حد قوله.

ووجد أبناء تعز التي تتميز بالنشاط المدني والحراك السياسي، في وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً لتداول الأخبار ومعرفة الأحداث، كما وجدوا فيها متنفساً وحيداً للتعبير عن الآراء في كل القضايا، وهو ما زاد من رواج استخدامها لدى معظم فئات المجتمع، خصوصاً الشباب. وتُعد قضايا الفساد في المؤسستين العسكرية والأمنية وفي ملف المساعدات الإغاثية وكذلك القرارات والتعيينات في المكاتب التنفيذية للسلطة المحلية، من أبرز القضايا التي تشهد الكثير من الجدال والتباين في المواقف لدى الناشطين في تعز، ونتيجة تداول هؤلاء لهذه القضايا فإن القيادات السياسية والعسكرية دائماً ما تصفها بأنها "مناكفات"، من دون أن تقوم بتفنيد ما ينشر ضدها في الغالب.
ومن أبرز القضايا التي شهدت جدلاً عبر "فيسبوك" في تعز أخيراً وسبّبت انزعاجاً للقيادات العسكرية، هي قضية الثلاثة مليارات ريال يمني التي سُلّمت لقيادة محور تعز كمصاريف لمعركة تحرير المدينة، التي أُعلن عنها نهاية يناير/كانون الثاني من هذا العام ولكنها لم تحصل.

ويرى الناشط منير الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن انتقاد القيادات العسكرية والحزبية لناشطي التواصل الاجتماعي في تعز، وتحميلهم مسؤولية الفشل في تحرير المدينة واستعادة المؤسسات، "هي نكتة بائسة لاختلاق خصوم ورمي الفشل عليهم"، مشيراً إلى أن "الجيش يملك 40 ألف جندي وقادر على حسم المعركة، بينما السياسيون وقيادات الأحزاب مشغولون بالمناصب والتعيينات، وعجزوا حتى الآن عن تحقيق حتى ما اتفقوا عليه من أجل إدارة المرحلة في تعز"، لافتاً إلى أن "البرنامج المرحلي للقوى السياسية المؤيدة للشرعية لا يزال حتى الآن مجرد حبر على ورق، على الرغم من أنه تم التوقيع عليه قبل نحو عام".

المساهمون