وتعرضت بغداد منذ الاحتلال الأميركي إلى أكثر من 9 آلاف اعتداء إرهابي بواسطة انتحاريين عبر أحزمة ناسفة وسيارات مفخخة، فضلاً عن السيارات المركونة والعبوات الناسفة وعمليات الاغتيال والتفجير المختلفة، أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا من المواطنين وقوات الأمن. ونفذت هذه الهجمات جماعات إرهابية، مثل تنظيم "القاعدة" ومن بعده تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى فصائل مسلحة مرتبطة بإيران، وتتسم عملياتها بالعادة بأنها ذات دوافع طائفية، بالإضافة إلى العثور على جثث مجهولة الهوية خلال الصراع الطائفي في العام 2007 وما تلاه من أعمال عنف مختلفة.
وتعول السلطات العراقية على السور الجديد لمنع دخول السيارات المفخخة والإرهابيين إلى بغداد من خلال حزامها المحيط بها، وهي عبارة عن مجموعة مناطق زراعية مفتوحة تتخللها بساتين نخيل وحمضيات بمساحة تقدر بآلاف الهكتارات الزراعية، إضافة إلى ضبط الوضع الأمني وإيقاف تدفق الأسلحة والمخدرات والمواد الممنوعة. ويحيط السور ببغداد بشكل دائري، بمساحة 200 كيلومتر، وبارتفاع 3 أمتار من الكتل الإسمنتية، تعلوه أسلاك شائكة. كما أن هناك خندقاً بعرض 3 أمتار وبعمق مترين. كما سيتم نشر مناطيد مراقبة ومنظومات إلكترونية توفر مراقبة بنطاق 360 درجة حول بغداد. ويمتد السور من غرب بغداد، من منطقة الخمسة بيوت عند سيطرة الصقور، وهي مناطق تابعة لمحافظة الأنبار، ويلتف شمالاً إلى عقرقوف ثم التاجي والطارمية ثم منطقة السدة التابعة لمحافظة صلاح الدين، وجنوباً إلى الرضوانية مروراً بصدر اليوسفية ثم المحمودية واللطيفية، وشرقاً يقتطع أجزاء من محافظة ديالى.
وأعلنت قيادة عمليات بغداد، في عام 2015، المباشرة ببناء السور، إلا أن المشروع توقف بسبب اعتراضات سياسية، واتهام الحكومة بترسيخ التقسيم الطائفي من خلال مسار السور الذي يعزل محيط بغداد السني عن مركز العاصمة. إلا أنه سرعان ما تم استئناف العمل به بعد عدة أشهر، بعدما أكدت أن "المشروع سيحول بغداد إلى منطقة يتم التحكم بداخلها". ووفقاً لمسؤولين في وزارة الدفاع العراقية، التي شاركت في بناء السور إلى جانب وزارات الداخلية والبلديات والإعمار والإسكان وفصائل مسلحة من مليشيا "الحشد الشعبي"، فإنه تم إكمال العمل بالسور والخندق الذي يقع أسفله، وباتت بغداد مغلقة على من يريد دخولها بشكل غير رسمي أو بعيداً عن أعين القوات الأمنية. وأوضح عقيد في دائرة الجهد الهندسي بوزارة الدفاع العراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن المتبقي من المشروع هو نصب الأجهزة الإلكترونية وكاميرات المراقبة ومنظومة التحقق من هويات المواطنين عند منافذ السور الثمانية، والتي ستكون عبارة عن مسارين، الأول للمواطنين وسياراتهم الشخصية والثاني للشاحنات الخاصة بالبضائع، وكلا المسارين يحتويان على جهاز "سونار" لكشف المتفجرات والمواد الخطرة التي تدخل في صناعة المتفجرات، وكذلك المخدرات. كما سيتم نشر كلاب بوليسية خاصة على المنافذ. ولفت إلى أن "السور سيقلل من الأعمال الإرهابية في بغداد بنسبة كبيرة جداً، كون التقارير تشير إلى أن غالبية الأعمال الإرهابية قادمة من خارج العاصمة". وجرى نقل أكثر من 100 ألف حاجز إسمنتي من داخل بغداد والمحافظات المجاورة لوضعها داخل السور، فيما شارك أكثر من 10 آلاف عامل من الوزارات المختلفة في المهمة، بعدما تم منح أجزاء من السور، الذي تقدر كلفته النهائية بنحو 30 مليون دولار، لشركات محلية عراقية على صلة بمسؤولين وأحزاب وفصائل مسلحة.
وعلى الجانب الثاني، فإن الانتقادات للسور كثيرة، ليس من ناحية مساره ذي البعد الطائفي، إذ إنه عزل نحو مليون شخص من سكان المناطق المحيطة ببغداد عن العاصمة وعاملهم معاملة سكان المحافظات الأخرى رغم أنهم يتبعون إدارياً لبغداد، بل حتى من ناحية أمنية، إذ يؤكد مراقبون أن السور سيخلق حالة تراخٍ أمني، وأن الحديث عن أنه يتم التخطيط والإعداد للهجمات من خارج بغداد أمر غير صحيح. ويقول الشيخ محسن الجنابي، أحد زعماء عشيرة الجنابيين التي تقطن جنوبي بغداد، إن "السور خط لنفسه مساراً طائفياً فاحتضن مناطق وجعلها ضمن حدود بغداد الجديدة وأدار ظهره لمناطق أخرى وأخرجها منه". ويضيف "من منا لا يتمنى الأمن والراحة، لكن حتى إجراءات الحكومة الأمنية طائفية. وللعلم لم يبتدع العراقيون فكرة هذا السور، لكنه مشروع أميركي منذ العام 2007 عندما تفجر العنف الطائفي، ولم ينفذ حينها من قبل العراقيين لأنه كان يضر بحركة المليشيات المسلحة التي تدخل بغداد وتنفذ عمليات عنف طائفية"، مشيراً إلى أن "السور يثير مخاوف تغيير في ملامح بغداد ككل".
ويقول الأكاديمي والعسكري العراقي السابق، الدكتور أحمد علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "التحدي الأكبر في الملف الأمني العراقي هو المعلومات الاستخبارية وسرعة الوصول إليها والتحرك لإفشال أي هجوم بشكل مسبق. أعتقد أن المشكلة الرئيسية في العراق هي بتعدد مراكز القرار الأمني وكذلك تعدد الأجهزة الأمنية، وليس بناء سور يمنع دخول المفخخات". ويضيف "السور سيساهم في منع دخول السيارات المفخخة والمتفجرات، لكنه لن يمنع حدوث الاعتداءات، فبالنهاية يسهل اختراقه لمن يريد، وثقافة الخنادق لدى داعش متفوقة. كما أن له آثاراً، وعلى الحكومة أن ترسل إشارات تطمئن الناس الذين أدار السور ظهره لهم، وهم من أهل بغداد، والتفسيرات دائماً تثار من زاوية طائفية حول سبب ذلك. كما أن دخول بغداد يجب أن يكون لكل العراقيين ومن دون تمييز طائفي، كما يجب أن يكون هناك اتفاق على أنه سور وقتي، فبغداد ليست بحاجة لتشنج طائفي جديد".
ويشير عضو مجلس محافظة بغداد، غالب الزاملي، إلى أن مشروع سور بغداد "لا يقتصر فقط على إجهاض الهجمات الإرهابية، فالسور سيمكّن القوات الأمنية من خفض عدد نقاط التفتيش والتخفيف من الإجراءات الأمنية الصارمة داخل أحياء بغداد، الأمر الذي سيخفف من العبء على العناصر الأمنية والمواطنين". ويضيف أن "مشروع التحصين بالسور سيسمح بإعادة فتح المزيد من الطرق والمناطق المغلقة لأغراض أمنية داخل بغداد، ما سيسهل حركة المرور ويعيد الحياة إلى الكثير من الأحياء والمناطق التي كانت مغلقة منذ سنوات"، معتبراً أن "الجدار يشكل إجراء فاعلاً لتحجيم حركة الإرهابيين حول بغداد أيضاً". من جانبه، يوضح عضو مجلس أعيان بغداد، الحاج عبد الله الأعظمي، لـ"العربي الجديد"، أن "السور مرحب به إن كان لمنع تسلل المسلحين والمفخخات والعصابات، فالأمن كلنا ننشده لحماية نحو 9 ملايين عراقي يعيشون في العاصمة، لكن إن كان وسيلة لتعزيز عملية التغيير الديموغرافي في بغداد الجارية منذ الاحتلال ولغاية اليوم بأدوات حكومية وأخرى مليشياوية فهذا السور يهدد الاستقرار أكثر من كونه عامل استقرار". ويقول إن "مسار السور والطريقة التي شق بها طريقه داخل المناطق، كالأفعى يمشي بهذه المنطقة ثم ينعطف بشكل غير مفهوم لمنطقة أخرى، هو ما يثير الشكوك، وليس لدينا سوى أن نحذر ونطالب بتطبيق عادل للإجراءات الأمنية على كل العراقيين وليس بشكل انتقائي، فالانتقائية والتمييز والاستهداف على العرق أو الدين هي التي تخلق ردة الفعل".