فرنسا: هجوم بنعلا لتبرئة ماكرون لا يُقنع المعارضة

28 يوليو 2018
حاول بنعلا الدفاع عن ماكرون (Getty)
+ الخط -
كسر ألكسندر بنعلا، المرافق الأمني للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صمته، في قضية الاعتداء على المتظاهرين التي تشغل فرنسا منذ أسبوعين، وبدأت تظهر استراتيجيته الدفاعية، التي رسمها محاميه، بدقّة، حينما تحدث، ساخراً مساء أمس الجمعة، عن "قضية صيف" وليس "قضية دولة"، وذلك في حوار أجرته معه محطة "تي إف 1" الفرنسية.

في غضون ذلك، يتوالى استجواب شخصيات أمنية وسياسية في فرنسا من قبل لجنتي التحقيق البرلمانيتين، مع ظهور التحقيق الداخلي لوزارة الداخلية الذي يُحمّل ضابط الشرطة لوران سيمونان مسؤولية كبيرة فيما جرى، من خلال توجيه الدعوة لألكسندر بنعلا لحضور تظاهرة 1 مايو/أيار، من دون إخبار رؤسائه.

وبعد أن خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه عن صمته، متحدثا عن "زوبعة في فنجان"، لا تستحق كل الجَلَبَة والضجيج، مُقدِّماً روايَتَه لما حدث، والتي ينتقد فيها "خيانة" مساعده الأمني، والتشديد على أن "العقوبة (طرده من وظيفته) كانت مُناسِبة"، جاء اللقاء الطويل الذي أجرته صحيفة لوموند، التي كانت وراء ظهور هذه القضية، مع ألكسندر بنعلا، والذي تعرَّف من خلاله الفرنسيون على بعض ملامح وأنشطة هذا الشخص، المقرب من الرئيس، والذي أثار أكبر زوبعة في ولاية ماكرون حتى الآن.

ومن أجل الوصول إلى أكبر قدر من الفرنسيين جاءت فكرة لقاء تلفزيوني في ساعة مُشاهَدَة كبيرة، لتلميع صورة هذا الشخص المتهم بإرباك ماكرون وحكومته.


وظهر ألكسندر بنعلا أنيقاً وحليقاً، وبربطة عنق، وتزين وجهه نظارات، وتحدَّث بكثير من الثقة، وضبط صارم لموضوعاته. وقد جدد الأفكارَ الرئيسة في تصريحاته لصحيفة لوموند، ومن بينها أنه من ناحية المُواطَنَة لم يفعل سوى الواجب، أي مواجهة متظاهرين مشاغبين ومرتكبي جُنَح، "غير مسالمين" والإمساك بهم. وبالتالي فهو لم يقُم بأي "عمل يستوجب اللوم".

وركّز بنعلا على أنه لا علاقة له بمظاهر العُنف التي قد يراها المُشاهد، وأنه تجب مشاهدة الفيديو كاملا، وأنه إذا كان ثمة عنف فيجب البحث عنه في تصرفات الشرطة. ويعترف أنه صدرت منه "حركات قوية وسريعة"، ولكن لم "يحدُث عنف"
في مواجهة الشخص الهستيري الذي ظهر بنعلا يعتدي عليه في تظاهرات عيد العمال.

وهذه التفسيرات كذّبتها صحيفة ليبراسيون، التي نشرت مساء السبت الماضي فيديو يُظهر أن المتظاهرين لم يكونوا منهمكين في إلقاء المقذوفات، ولم يكونوا عنيفين.

ولا يبرئ بنعلا نفسه، بصفة كاملة، فالعقوبة التي صدرت في حقه شاهدةٌ على مسؤولية ما، رغم أنه يعترف أنه أحسّ بالإهانة بسببها. كما أن الرئيس وآخَرين تحدثوا عن "عمل غير مقبول" وعن "خيانة"، وهو ما يفسره بنعلا بدوره بـ"خيانة سياسية"، لأنه كان ثمّة من يترصدون الرئيس، فاستغلوا تصرفاته في 1 مايو/أيار.


وبذل المساعد الأمني السابق لماكرون مجهودات كبيرة في تبرئة الرئيس، خاصة حين أكّد أنه ليس "مُقرَّباً" من ماكرون، بل مجرد "مُساعِد"، وبالتالي فإن الرئيس لا علاقة له بأحداث 1 مايو/أيار، "ويراد الوصول إليه، وهذا ظلم".

ويبدو أن هذه الشروحات التي تضمنها لقاؤه التلفزيوني، إضافة إلى حديثه عن مُرتَّبه "الحقيقي" (6 آلاف يورو)، وعن الشُقّة التابعة للإليزيه، التي لا تتعدى مساحتها 80 مترا مربعا، لشريكته وابنه، وعن ساعات عمل عديدة لم يتلقّ تعويضات عنها، إلخ... كانت من أجل تعزيز رواية الرئيس ماكرون لما حدث، خصوصا أنه نَاقَضَ ما قاله، من قبل، في لقائه مع صحيفة لوموند، حين أكد أنه "لم يشعر بأنه خان الرئيس".

وهذا الدفاع عن الرواية الرئاسية هو ما يمكن أن يستشف في مختلف ردود أفعال أعضاء حركة "الجمهورية إلى الأمام"، الذين أجمعوا على "خطاب بنعلا المنسجم"، واستراتيجيته الواضحة، التي تضع الأمور في نصابها"، أي لا وجود لما يسمى بـ"قضية دولة"، كما تزعم المعارضة السياسية، بمختلف تياراتها، بل مجرد "قضية بنعلا"، ويجب انتظار حكم القضاء ولجان التحقيق الأخرى لاستخلاص الدروس والعِبَر.

ومثلما عبّر نواب الأغلبية عن رضاهم عن أداء بنعلا، أكدت المعارضة على حقها في استجواب ألكسندر بنعلا، وهو ما طالب به النائب عن "الجمهوريون"، مارك ليفور.

ويرغب الرئيس ماكرون وحكومته وحزبه في الانتهاء السريع من هذه القضية، إلا أن مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه اليمين المُعارض "الجمهوريون" بالأغلبية، يُواصل استجواب شخصيات سياسية وأمنية، وسيحضر إليه كريستوف كاستانير، رئيس "الجمهورية إلى الأمام"، صباح يوم الثلاثاء المقبل للإدلاء بشهادته.

ولأنّ المعارضة، بكل أصنافها، لا تريد تفويت هذه الفرصة لإزعاج الرئيس، فقد تقدمت بِطَلَبَيْن اثنين لسحب الثقة، الأول من طرف "الجمهوريون"، والثاني من قبل المعارضة مجتمعة (الاشتراكيون والشيوعيون وفرنسا غير الخاضعة)، بعد ظهر الثلاثاء الماضي.

وليس من قبيل التكهنّ أن يفشل الطَلبَان، كما أكّد الرئيس ماكرون، أثناء زيارته إلى إسبانيا، يوم أمس،  لأن الرئيس يتمتع بأغلبية برلمانية مريحة جدا.

من جانب آخر، خرج السياسي الوسطي فرانسوا بايرو، زعيم حزب "الموديم"، وهو جزءٌ من الأغلبية الرئاسية، عن صمته، وأعلن أنه لا يرى في قضية ألكسندر بنعلا، التي تحرك الرأي العام والقضاء والبرلمان، "قضية دولة".

ورأى فرانسوا بايرو، الذي يؤازر نوابُهُ في البرلمان، بقوة ونشاط، زملاءهم في حركة "الجمهورية إلى الأمام"، في مواجهة تحالف المعارضة الظرفيّ، في لقاء له مع صحيفة لوموند، اليوم، وجود "توظيف سياسي" للمعارضة في هذه القضية.

وبعد أن أعاد التذكير بأن تحالفه مع الرئيس إيمانويل ماكرون مستمرّ، شدد على أنّ الأمر "يتعلق بخطأ فردي لأحد مساعدي الرئيس"، معترفا بتأخر الإليزيه في اتخاذ القرار في معاقبة هذا المسؤول الأمني. لكنه أكّد أنه لا وجود لـ"قضية دولة"، متسائلا عن جوهر السجال. ثم اعترض على السلطات التي قد يكون ألكسندر بنعلا قد تمتّع بها في الإليزيه.

وعبّر عن أمله في رؤية "تنظيم جديد أكثر عقلانية، حتى يتمَّ رفعُ كل هذه التخيّلات ووضعُ توازن في الطريقة التي يُفهَم بها العمل في الإليزيه".

ودافع فرانسوا بايرو عما قيل إنها امتيازات يكون ألكسندر بنعلا قد تمتع بها، ورأى أنها لم تمنح له بصفة شخصية، وإنما يتعلق الأمر بـ "وسائل مهنية مرتبطة بوظيفته، ما دام أنها اختفت، الآن، مع توقيفه".


وفي انتقاد مبطّن للصحافة والمعارضة، رأى فرانسوا بايرو أن "الصحافة تفصح عمّا تكشفه. ولكن المزايدات في استثمار هذه الاعترافات لم يَعُد بالإمكان التحكمُ فيه"، واستطرد: "إننا ولجنا في عصر الشبهة الشاملة. فأيٌّ كانَ، وفي أي مجال، يمكن أن يوضع في قفص الاتهام، من دون دليل ولا أساس".

وأضاف في هجومه: "إن شبكات التواصل الاجتماعي والتلفزيونات التي لا تتوقف أخبارها وتسريبات التحقيقات… العالَم كله يُجَرُّ في ضجيج الإدانات".

وحمّل فرانسوا بايرو الشرطة بعض مسؤولية ما يجري: "لديّ انطباعٌ بأن هذه القضية أبرزت وجود تنافس بين جهات في الشرطة"، ثم انتقد "التوظيف السياسي" للقضية، من قبل "مَن مارَسوا احتكار السلطة منذ عقود، ويحاولون زعزعة الرئيس الجديد، ويريدون العودة إلى الوضعية السابقة".

لكن هؤلاء، كما يؤكد بايرو: "يخطئون، لأنّ انتخاب 2017 كان جوابا على انتظار عميق للبلد، الذي كان يصبو للخروج من العجز العام وتغيير النموذج الفرنسي لممارسة السلطة داخل الدولة".

وبرّر فرانسوا بايرو ارتباك الأغلبية الحكومية، قبل أن يَخرُجَ الرئيس إيمانويل ماكرون من صمته، بكونها، أي الأغلبية، ليست فعّالة: حركة "الجمهورية إلى الأمام" وحزب "موديم" يتقاسمان كثيرا من القناعات، ولكن ليس لديهما نفسُ التقليد ولا نفسُ الدعامة العقائدية، ولا نفس الممارسة السياسية"، وبما أنهما يتواجدان في نفس القارَب فعليهما أن "يشيّدا هيكلَ هذا القارب".

المساهمون