أمير الكويت في الصين... بحث عن توازن قوى في المنطقة

15 يوليو 2018
أشرف أمير الكويت والرئيس الصيني على توقيع اتفاقيات (Getty)
+ الخط -
يواصل أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، العمل على سياسة كويتية جديدة، تهدف للحصول على مزيد من النفوذ في المنطقة، وذلك عبر التقارب مع الصين، سياسياً واقتصادياً، لحماية البلد من أي أخطار مستقبلية. وكان أمير الكويت والرئيس الصيني، شي جين بينغ، قد أشرفا، خلال زيارة الأمير بكين مؤخراً للمشاركة في المنتدى العربي الصيني، على توقيع اتفاقيات اقتصادية وسياسية جديدة بين البلدين. وأكد الصباح، في كلمة أمام المنتدى، التعاون الوثيق بين العالم العربي والصين، ورغبة الكويت بالمشاركة في المشاريع الصينية، السياسية والتجارية في المنطقة، ضمن ما عرف بمشروع "الحزام والطريق" الصيني الضخم، الذي يستهدف بناء طرق تجارية وسياسية جديدة في العالم. ووقع الطرفان 7 اتفاقيات مشتركة، كان أبرزها مذكرة تفاهم بشأن إقامة آلية للتعاون بين الخارجيتين الكويتية والصينية، وأخرى بشأن الصناعات الدفاعية بين البلدين، واتفاقية نفطية تحاول فيها الكويت الحفاظ على الصين كزبون دائم لها في مجال الطاقة. وأصدر البلدان بياناً ختامياً تكون من أكثر من 17 نقطة، وضعت كبادرة تعاون كبرى بين البلدين مستقبلاً في المجالات السياسية والاقتصادية، ومن أهم ذلك دعم الجانب الصيني للدور الرئيسي الذي يقوم به الشيخ صباح لحل الأزمة الخليجية والتعاون في مجالات الأمن المشترك وإنفاذ القانون. لكن أهم ما جاء في البيان المشترك هو التعاون الكويتي الصيني في مجلس الأمن، وتأكيد بكين دعمها الكويت داخل الأمم المتحدة، ما قد يفتح الباب أمام وجود صيني سياسي جديد داخل منطقة الخليج العربي.

وبالرغم من أن المنتدى العربي الصيني جاء كتعزيز للنفوذ الاقتصادي الصيني المتزايد في العالم، ويترافق مع مشروع "طريق الحرير"، فإن مشاركة أمير الكويت بنفسه ولقائه الرئيس الصيني وإلقائه كلمة في المنتدى تحمل في طياتها أبعاداً سياسية كبيرة للبلاد التي عادت إلى المسرح الدبلوماسي العالمي من جديد، متبنية لسياسة جديدة تكسبها مزيداً من النفوذ في المنطقة، ما يحميها من أي أخطار مستقبلية من جاراتها الثلاث، وفق وجهة نظر القيادة السياسية على الأقل. وجاءت زيارة أمير الكويت إلى بكين وتأكيده في البيان الختامي بين البلدين على الجوانب السياسية و"التفاهم المشترك" في مجلس الأمن، والحصول على دعم الصين في الأمم المتحدة باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن، كخطوة وصفت بالاستباقية خوفاً من أي عمل خليجي قادم قد يستهدف الكويت من قبل محور السعودية والإمارات، نتيجة الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بسبب اختلاف وجهات النظر حول ثلاث قضايا مهمة، يراها السعوديون والإماراتيون مصيرية، وهي الملف النووي الإيراني وحصار قطر و"صفقة القرن" مع إسرائيل. وكانت تصاعدت الأصوات المدعومة من قبل الإماراتيين والإسرائيليين داخل الولايات المتحدة الأميركية وفي أروقة جماعات الضغط في واشنطن، مطالبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالتحرك باتجاه الكويت نتيجة ما وصفوه بموقفها المتخاذل تجاه الملف النووي الإيراني و"صفقة القرن" مع إسرائيل، إضافة إلى تصرفاتها المعادية لإسرائيل في مجلس الأمن، والذي تملك الكويت فيه عضوية مؤقتة لمدة عامين.


كما تحاول الكويت استثمار مزيد من الأموال في "طريق الحرير"، كفرصة اقتصادية جديدة، بالإضافة إلى استخدام التقنيات الصينية في بناء أهم مشروعين اقتصاديين كويتيين في السنوات المقبلة، وهما مشروع تطوير الجزر ومدينة الحرير شمال البلاد، وهو ما قد يفتح باب حرب اقتصادية واسعة بين دول مجلس التعاون الخليجي في ظل غياب أي تنسيق اقتصادي بينها بسبب حصار قطر، إذ لم تجتمع اللجان التابعة للمنظومة منذ منتصف العام الماضي وسط تعنت من الجانب السعودي في إدخال الموظفين القطريين إلى الرياض حيث يقع مقر أمانة دول مجلس التعاون. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، سامي الفرج، لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة تعتبر خطوة استباقية كويتية على الصعيد الدبلوماسي، وهي توضح الفوارق الدبلوماسية بين الكويت، التي تعتبر قيادتها قديمة في المجال الدبلوماسي، وبقية الدول الخليجية. وسبب هذه الزيارة، من وجهة نظري، هو أن المنطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب تصرفات المحورين الإيراني من جهة والأميركي من جهة أخرى، والتقرب من الصين يؤدي إلى تعزيز الخيارات الاستراتيجية، سياسياً وعسكرياً، في المنطقة، وإخراجها من خانة الإملاءات الأميركية أولاً ثم الخليجية ثانياً". ويضيف الفرج، الذي يترأس مركز البحوث الاستراتيجية التابع للحكومة الكويتية، "أستطيع أن أقول إن هذه الزيارة تمثل نصراً دبلوماسياً كاملاً للكويت".

وفي حين بدأ الأكاديميون والسياسيون الكويتيون يصفون الزيارة الكويتية للصين بأنها شبيهة باتفاقية الحماية التي وقعتها الكويت مع بريطانيا في عام 1899، ودخلت بموجبها الكويت في الحماية البريطانية واستقلت بشكل رسمي عن الدولة العثمانية التي كانت تتحكم بالعراق آنذاك، فإن الأكاديمي والسياسي الكويتي، عبد الرحمن المطيري، دعا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى التحلي بالعقل قليلاً، وعدم تحميل الزيارات السياسية أكثر مما  تحتمل. ولم ينف المطيري أهمية الزيارة، لكنه قال إن "تصوير أننا سلمنا مفاتيح الكويت للصين في هذه الزيارة فيه إهانة للعقل والمنطق والاستراتيجيا". كما أن الدور الأميركي في المنطقة، كشرطي وحارس لها، لا يزال في أوج قوته، والتعويل على سياسة وتهور ترامب في التعامل مع ملفات المنطقة لا يلغي حقيقة أن القواعد الأميركية في الكويت، وثقلها الدبلوماسي في مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط، ووجودها كملاذ أخير للأطراف المتنازعة والمتصارعة في اليمن وسورية والخليج العربي، يبقيان على النفوذ الأميركي في المنطقة بقوة. كما أن فحوى البيانات المشتركة والتعاون السياسي والاقتصادي المزمع مع الصين، لا يزال مجهولاً، إذ إن الأمر لا يعدو كونه توقيعاً لاتفاقيات فقط، ولا يمكن تصوير الصين كروسيا من ناحية التدخلات العسكرية أو الأمنية إذا ما حصل أي خلاف حدودي للكويت مع جاراتها كما يحاول السياسيون الكويتيون تصويره.