معركة درعا: سياسة الأرض المحروقة تفتح طريق النظام وروسيا

28 يونيو 2018
ارتفاع أعداد الضحايا جراء قصف النظام وروسيا(أحمد المسلم/فرانس برس)
+ الخط -
يعيد النظام السوري بدعم من روسيا، استخدام الأساليب نفسها التي اعتمدها في الغوطة الشرقية وشرقي حلب، بهدف السيطرة على درعا، عبر استخدام سياسة "الأرض المحروقة" بالقضاء على كل مظاهر الحياة والمرافق الحيوية من مستشفيات ومراكز دفاع مدني وغيرها، واستهداف المناطق المكتظة بالسكان لتهجيرهم، بما يخلق ضغوطاً على فصائل المعارضة المسلحة ويسمح له بتحقيق تقدّم على الأرض. هذه المعطيات أظهرتها الحملة المستمرة منذ أيام على درعا، مع تكثيف القصف على المنطقة، ما أسفر عن خروج خمسة مستشفيات عن الخدمة، إضافة إلى سقوط ما يقارب 60 قتيلاً مدنياً خلال أيام، بالتوازي مع ارتفاع أعداد الفارين من القتال لتصل إلى نحو 80 ألفاً، بحسب مصادر محلية. أمام هذا الوضع، أعرب المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا عن خشيته من تحوّل المعركة في جنوب غرب سورية إلى وضع أشبه بمعارك الغوطة الشرقية وحلب مجتمعة. وقال أمام مجلس الأمن الدولي أمس الأربعاء، إن نشوب معركة شاملة في جنوب غرب سورية "من شأنه أن يزيد التوتر مع إسرائيل"، مضيفاً أن "التصعيد العسكري قد يقوّض التقدّم الذي نراه حالياً على الساحة السياسية".

"أيامٌ صعبةٌ ومرّةْ. لم أترك بيتي رغماً عني طوال حياتي، وهذه أول مرة أفعلها. ضَرَبَتهُ ثلاث قذائف مدفعية، فوراً بعد خروجنا. ابني الكبير بقي في المدينة (ناحية شمال شرق درعا)، وأنا حالياً مع ابني الآخر وابنتي وأحفادي هنا (قرب الشريط الحدودي مع الأردن)". يقول السبعيني محمود أبو خالد، في حديث لـ"العربي الجديد"، بعد نزوحه مع عائلته إثر اشتداد القصف والغارات قبل أيام في ريف درعا، معرباً عن خشيته من أن "مصيبة قد تحصل إذا امتدت الغارات إلى المناطق هنا. النظام وروسيا ربما يضربان. هذا قد يؤدي لحصول مجازر". هذه واحدة من شهاداتٍ أخرى مشابهة، سُجلت خلال الأيام القليلة الماضية، لمدنيين فروا من القصف الكثيف من الطيران الحربي الروسي، والمدفعية الثقيلة وغيرها، في مناطق عديدة بمحافظة درعا.

وبعد نحو أسبوعٍ من انطلاق المعارك فعلياً، استطاعت القوات المهاجمة، وهي خليط من قوات النظام وما تُسميها بـ"القوات الرديفة والحليفة"، وتحت غطاءٍ جوي للطيران الروسي، أن تتقدم في محور القتال الأبرز حالياً، في ريف درعا الشمالي الشرقي، وتحديداً في بلدتي بصر الحرير ومليحة العطش. هذا التقدّم، يحرم فصائل الجيش الحر في اللجاة، من طرق الامدادات، مع مناطق سيطرتهم في الريف الشرقي لدرعا.

وفيما كان "الإعلام الحربي المركزي"، التابع لـ"حزب الله" اللبناني، أعلن الثلاثاء، أن قوات النظام حققت هذا التقدم في ريف درعا الشمالي الشرقي، ثم تبعه إعلان وسائل إعلام النظام الرسمية عن ذلك، ظهرت لاحقاً معطيات، مصدرها قياديون عسكريون بالجيش الحر، تفيد بأن صورة مناطق النفوذ والسيطرة في ريف درعا الشمالي الشرقي، ليست بالشكل الذي تروجه وسائل إعلام محور النظام. وفيما بات واضحاً أن القوات المهاجمة حققت تقدماً في جبهات القتال، قرب بصر الحرير ومليحة العطش، إلا أن حجم وشكل الضخ الإعلامي حول هذا المعارك ونتائجها المرحلية، يُبرز اهتمام كافة الأطراف بالمعركة الإعلامية والمعنوية المرافقة للعمليات العسكرية، إذ تلجأ وسائل إعلام القوات المهاجمة، لتضخيم التقدم الميداني، سعياً لزعزعة قوى الطرف الآخر، التي كانت استبقت المعركة بتشكيل غرفة "العمليات المركزية في الجنوب"؛ وتضم أبرز غرف عمليات الجيش الحر في درعا، وهي "البنيان المرصوص، رص الصفوف، توحيد الصفوف، صد الغزاة، مثلث الموت، النصر المبين، صد البغاة".

ومع اشتداد المعارك، في درعا، أعلنت غرفة العمليات هذه، في بيانٍ مصورٍ، أنها "اتخذت قراراها. لن يكون منا إلا ثباتاً، وخيارنا الصمود، وقد تحققت لنا الإرادة الحرة التي تصنع الانتصار". وأضاف القيادي العسكري الذي قرأ البيان المصور، أن "خوف الدول التي لم تستطع حماية اتفاقاتها التي تنتهك على مرأى ومسمع العالم، وقلقها على الجنوب، لا يترجم بفرض خيارات التفاوض والذل والخضوع، فالترجمة الحقيقية جاءت من الميدان... إننا في غرفة العمليات المركزية نبذل ما نستطيع للحفاظ على الأمانة التي حمّلنا إياها أهلنا الصامدون الصابرون، ولدينا من النفس ما يفوق احتمال عصابات الأسد ومليشياته، وحلفاء إجرامه".


في المقابل، نقلت وسائل إعلام النظام الرسمية، وأبرزها "سانا"، عن "مصدرٍ عسكري في الجيش"، أن الأخير "أحبط هجمات بعربات مفخخة لإرهابيي تنظيم جبهة النصرة على نقاط عسكرية على الأطراف الغربية والشرقية لمدينة درعا"، زاعمة أن "المجموعات الإرهابية بزعامة النصرة واصلت زعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب ومنع الوصول بالمصالحات المحلية إلى التطبيق الفعلي".

وتؤكد وسائل الإعلام هذه، القصف العنيف في مختلف مناطق درعا، لكنها تقول إنه يستهدف المناطق التي تتواجد فيها "جبهة النصرة"، وباقي "المجموعات الإرهابية". هذا القصف الذي تكثّف خصوصاً خلال اليومين الماضيين، أدى خلال ساعات الصباح حتى عصر أمس الأربعاء، بحسب نشطاء يوثقون أعداد وأسماء الضحايا في درعا، إلى مقتل 13 مدنياً، خمسة منهم في بلدة داعل، شمال درعا البلد، والباقي في قرى وبلداتٍ شرقي وشمال غربي المحافظة، والتي كان قُتل فيها أيام الأحد والإثنين والثلاثاء، بحسب "مكتب توثيق الشهداء في درعا"، أكثر من أربعين شخصاً، معظمهم من المدنيين.

ويترافق ذلك مع استهداف المرافق الحيوية من مستشفيات ومراكز دفاع مدني وغير ذلك، وقصف أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان لدفعهم نحو التهجير. وقال ناشطون في درعا أمس الأربعاء، إن مستشفيي صيدا والمسيفرة، خرجا عن الخدمة خلال اليومين الماضيين، نتيجة الاستهداف بالقصف، ليرتفع عدد المستشفيات الخارجة عن الخدمة حتى الآن في درعا إلى خمسة. فيما أعلنت "مديرية التربية الحرة في درعا" تأجيل الامتحانات في المدارس التي تديرها في المحافظة، نتيجة الحملة العسكرية الشرسة وعمليات القصف المدفعي والجوي، الذي أدى لموجات نزوحٍ ضخمة، لنحو ثمانين ألف مدني بحسب ما قال لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، عماد البطين وهو نائب رئيس مجلس محافظة درعا، التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة" المعارضة، فيما أشار إلى أن عدد سكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في درعا يبلغ أكثر من مليون نسمة.

وفيما تستمر المعارك في الريف الشمالي الشرقي، فإن قوات النظام والمليشيات المساندة لها، فتحت محور قتالٍ جديد، إذ تهدف للتقدم "باتجاه درعا البلد والوصول للجمرك القديم، وبذلك يفصل (النظام) ريف درعا الشرقي عن الغربي"، بحسب الباحث السوري المنحدر من درعا أحمد أبازيد، الذي توقع "أن تكون هذه معركة النظام المقبلة، والتي بدأ فيها فعلياً منذ الثلاثاء، بالتسلل، وبحملات قصف كبيرة". وقال أبازيد لـ"العربي الجديد"، إن "النظام حقق تقدماً في بصر الحرير ومليحة العطش (الثلاثاء)، لكن المناطق الأخرى ما زالت مناطق قصف واشتباكات وحتى في محيط بصر الحرير، ولذلك لا توجد حتى الآن خارطة مستقرة في تلك المناطق (شمال شرق درعا)"، مضيفاً أن "الروس خلال الأيام القليلة الماضية، وسّعوا دائرة القصف ودائرة المعركة، لتشمل كل الريف الشرقي والريف الغربي".

ولا يخفي قياديون عسكريون وسياسيون في المعارضة السورية، خشيتهم، من أن توافقاً سياسياً جرى على حساب المعارضة بين الدول الإقليمية والدولية، التي لها نفوذ بدرعا، وظهرت ملامحه من خلال فتح النظام بدعم روسي للمعركة في الجنوب. وعلى الرغم من أن عدد وعتاد فصائل الجيش الحر، المنضوية في غرفة "العمليات المركزية في الجنوب"، تُعتبر كبيرة، فعدد المقاتلين يصلون وفق تقاطع معلومات مصادر عسكرية عديدة، لما بين عشرين وثلاثين ألفاً، وأيضاً لجهة نوعية الأسلحة والذخائر، لكن جزءاً مهماً من معركة الجنوب، هو توافقٌ سياسيٌ من قبل الدول التي لها نفوذ أو مصلحة في جنوب غربي سورية؛ وحصول هذا التوافق السياسي، بين الأطراف الأساسية، وهم الولايات المتحدة، وروسيا، وإسرائيل، والأردن، يعني أن مخرجاته سيتم تطبيقها.

المساهمون