لا أثر للتهدئة في غزة: "القصف بالقصف" والبادئ أظلم

21 يونيو 2018
من الغارات على غزة فجر أمس الأربعاء(عبدالحكيم أبو ريّاش)
+ الخط -
تزداد التطورات الأمنية والميدانية في قطاع غزة سخونة وتعقيداً يوماً بعد يوم، وتقترب بشكل واضح وملفت من خيار التصعيد العسكري الإسرائيلي الشامل، مع اتخاذ المقاومة الفلسطينية قراراً بالرد الفوري على أي غارة إسرائيلية تستهدف القطاع المحاصر، والتي كان آخرها، فجر أمس الأربعاء، بعدما ردّت المقاومة على شنّ الاحتلال 25 غارة على أهداف تابعة لها، بقصف مواقع تابعة للاحتلال في شرق رفح وشمال بيت لاهيا ومناطق في "غلاف غزة"، بعشرات القذائف الصاروخية. 

وشنّ طيران الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الماضية، عشرات الغارات على مواقع للمقاومة في القطاع، بزعم الردّ على البالونات الحارقة والطائرات الورقية التي يطلقها الشبان الفلسطينيون على الأراضي المحتلة وتحدث حرائق في المناطق التي تقع فيها. وأراد الاحتلال من ذلك تثبيت قاعدة جديدة في التعامل مع الطائرات والبالونات الحارقة التي باتت تؤرقه، عبر استهداف مطلقيها وقصف مواقع المقاومة، وهو ما لم يعجب المقاومة التي اتخذت قراراً واضحاً بالردّ على كل غارة إسرائيلية، باستهداف ما يعرف بـ"غلاف غزة" أو مواقع تابعة للاحتلال.

ويخشى الاحتلال الإسرائيلي تراجع قوة الردع لديه، لذلك يواصل القصف بزعم الردّ على صواريخ المقاومة وقذائفها. وفي الوقت ذاته، لا توقف المقاومة قصفها إلا بوقف القصف الإسرائيلي، وكلا الطرفين يريد تثبيت معادلته على الأرض. ويبدو أنّ زمن استهداف الاحتلال مواقع المقاومة وعدم رد الأخيرة على هذه الاعتداءات، ولّى إلى غير رجعة، مع فرض المقاومة قاعدة القصف بالقصف، ومع عدم تحمّل الاحتلال هذه القاعدة من الاشتباك المتطور مع قوى المقاومة، والتي قد تؤدي إلى انفلات الأوضاع والذهاب نحو تصعيد عسكري.

ويبدو لافتاً في الأيام الأخيرة عدم مغادرة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية أجواء قطاع غزة، وخصوصاً في الليل، ما يعني تجهيزها لبنك أهداف جديد أو تحديث الموجود لديها، فضلاً عن الإزعاج الكبير الذي تلحقه أصوات هذه الطائرات بالفلسطينيين، والتي تذكرهم بالمراحل التي تسبق دوماً العدوان الإسرائيلي الشامل.


ورغم التهديدات الإسرائيلية والاستهدافات الأخيرة لمطلقي الطائرات والبالونات الحارقة، إلا أنّ الشباب الفلسطيني يواصل استخدام هذه الوسيلة السلمية التي ابتدعها في الأسبوع الثاني من مسيرات العودة وكسر الحصار التي تتواصل في القطاع المحاصر منذ الثلاثين من مارس/آذار الماضي.

وتعليقاً على هذه التطورات، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الأمة" في غزة، حسام الدجني، إن المقاومة الفلسطينية "نجحت في تثبيت معادلة القصف بالقصف أمام غارات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على قطاع غزة في الفترة الأخيرة"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المقاومة تقرأ المشهد السياسي، وباتت تدرك أنّ إسرائيل تقصف من أجل أغراض سياسية، وبالتالي فالمقاومة تسعى إلى خلط أوراق الاحتلال الذي يسير في مسارين على المستوى الداخلي".

ويوضح الدجني أنّ "إسرائيل تسير في مسار عسكري يريد أن يخفّف الحصار ويطيل التهدئة من أجل استكمال بناء الجدار الأرضي المضاد للأنفاق والتفرّغ للجبهة الشمالية مع لبنان وسورية، في الوقت الذي يحاول المستوى السياسي استغلال القصف لحسابات داخلية وحزبية، إضافة إلى رغبة إسرائيلية سياسية بالضغط على حركة حماس، في ظلّ تحركات جاريد كوشنر"، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، والمبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات.

ورغم ذلك، يستبعد الدجني أن تتطوّر الأوضاع نحو حرب أو مواجهة شاملة مفتوحة، "خصوصاً أنّ كلا الطرفين غير معني بذلك في الوقت الحالي"، موضحاً أنّ "الاحتلال يقوم بالقصف والمقاومة تقوم بالرد بصواريخ ذات طابع ونكهة سياسية ضمن نطاق محدود وضيّق".

ويستدرك أستاذ العلوم السياسية بالقول إن "الأمور من الممكن أن تتطوّر إلى عدوان أوسع، في حال أقدم الاحتلال على اغتيال شخصية ما أو قامت المقاومة بتوسيع نطاق الردّ وكثافته، إلا أنّ فرص المحافظة على الواقع الحالي قائمة بشكل أكبر"، معرباً عن اعتقاده بأنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي "يريد أن يحرّك الشارع للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للقبول بتهدئة وتخفيف الحصار عن غزة، فيما حركة حماس تريد تحريك العالم لإنهاء الحصار، وهو ما يعني أن الهدوء المرتقب لن يتحقّق إلا عبر فوهة البندقة".

و"نجاح المقاومة في الردّ والقصف على غارات الاحتلال بهذه الطريقة يسجّل لها، وفيه حالة من الجرأة والنضج السياسي من خلال تحديد نوعية الصواريخ وأوقات إطلاقها والأماكن المستهدفة في عملية الرد"، وفق الدجني، الذي يشير إلى أنّ "المقاومة ترسّخ قواعد الاشتباك الحالية، في الوقت الذي فشل فيه الاحتلال في فرض واقع جديد. كما أنها تعزّز من أوراقها، خصوصاً وأنها معنية بمسيرات العودة وكسر الحصار، ولكن ليس على حساب السماح للاحتلال بالقصف".

المساهمون