رضوخ لاتفاق الجنوب السوري: المعلم وشمخاني يتنصلان من وجود قوات إيرانية

03 يونيو 2018
بالنسبة لأهالي درعا جميع الخيارات واردة (محمد يوسف/الأناضول)
+ الخط -
تقاطعت التصريحات الإيرانية وحتى تلك الصادرة عن النظام السوري، أمس السبت، لتعكس إقراراً ضمنياً بالرضوخ للاتفاق بشأن الجنوب السوري تحديداً في شقه القاضي بخروج القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها من جنوب سورية، مقابل تسليم النظام المناطق الحدودية، في حين تنتشر الشرطة الروسية في مناطق المعارضة، وإن كانت إيران حرصت على "إخراج" عملية رضوخها للاتفاق، الذي لم يعلن رسمياً عنه بانتظار الاجتماع الذي سيعقد الأسبوع المقبل في الأردن بين نواب وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والأردن لبلورة "الصفقة"، على طريقتها، وذلك من خلال نفي وجود مستشارين لها في الجنوب السوري في موازاة دفاعها عن وجودها العسكري في سورية. وهو ما كرره أيضاً وزير خارجية النظام وليد المعلم أمس السبت، وإن حاول تصوير أن النظام السوري صاحب قرار في هذا الاتفاق المنتظر الإعلان عنه رسمياً خلال أيام، وليس فقط متلقٍ له من خلال الحديث عن أن "أي اتفاق في جنوب سورية لن يتم قبل انسحاب القوات الأميركية من منطقة التنف على الحدود السورية –العراقية، مكرراً بذلك المطالب الروسية الواضحة في ما يتعلق بالثمن الذي طلبته مقابل موافقتها على الاتفاق.

التنصل من وجود قوات إيرانية في جنوب سورية، أمس السبت، بدأ مع قول الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، في تصريحات صحافية، إنه "لا تواجد للمستشارين الإيرانيين في جنوب سورية ولم يقوموا بأية عمليات هناك". وأضاف "ندعم بشدة الجهود الروسية لطرد الإرهابيين من منطقة الحدود السورية الأردنية وجعل المنطقة تحت سيطرة الجيش السوري".

في موازاة ذلك دافع شمخاني عن تواجد القوات الإيرانية في سورية قائلاً إن "إيران دخلت سورية بطلب رسمي تقدمت به الحكومة السورية بهدف مكافحة الإرهاب"، مشيراً إلى أن إيران ستبقى في سورية ما دام طلب حكومة هذا البلد جارياً.
وسرعان ما لاقى المعلم شمخاني، مكرراً نفس مضمون التصريحات بقوله إنه ليس هناك وجود إيراني بالمعنى العسكري على الارض و"هناك فقط مستشارون يعملون إلى جانب القوات السورية"، واصفاً الوجود الإيراني في سورية بأنه شرعي على عكس وجود تركيا وأميركا وفرنسا، حسب تعبيره. وقال المعلم في مؤتمر صحافي أمس السبت، إن إسرائيل هي من روجت رواية التواجد العسكري الإيراني في الجنوب السوري، وكل التحركات تصب في خدمة هذا الهدف.
وحاول المعلم توظيف عدم الإعلان رسمياً بعد عن الاتفاق بالقول "لا تصدقوا التصريحات التي تتحدث عن اتفاق بشأن جنوب سورية ما لم تنسحب القوات الأميركية من منطقة التنف". وأضاف "عندما تنسحب الولايات المتحدة من التنف، نقول إن هناك اتفاقاً".
كما أشار إلى أن قوات النظام أسقطت منشورات على مناطق المسلحين في جنوب سورية، وحث المسلحين على تسليم أسلحتهم أو الرحيل.
وجاءت تصريحات المعلم بشأن عدم وجود اتفاق إلى جانب التقليل من أهمية سحب القوات الإيرانية والمليشيات من الجنوب، مناقضة لما كان أعلنه المندوب الروسي في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، إذ أشار مساء الجمعة إلى التوصل إلى اتفاق حول سحب القوات الإيرانية من مناطق جنوب غرب سورية قرب الحدود مع إسرائيل، مشيراً ضمناً إلى تسليم إيراني بفحوى الاتفاق.

وقال نيبينزيا، في مؤتمر صحافي عقده في مقر الأمم المتحدة بمناسبة تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر يونيو/حزيران الحالي، رداً على سؤال حول ما إذا تم التوصل إلى اتفاق مع إيران وإسرائيل بخصوص سحب القوات الإيرانية من جنوب غرب سورية: "سمعت الأخبار عن ذلك وقرأت التقارير في الصحافة حول اتفاق بشأن تفريق معين للقوات جنوب غرب سورية، وحسب علمي فإنه تم التوصل إلى اتفاق". وأضاف نيبينزيا: "لا يمكنني أن أقول ما إذا تم تطبيقه للتو أم لا، لكن، حسب ما فهمته أنا، الأطراف التي عملت به راضية عنه".
ورغم صدور مزيد من التصريحات عن الأطراف المعنية حول الوضع في الجنوب السوري، إلا أن عدم الإعلان رسمياً عن الاتفاق يجعل السيناريو المحتمل أن تتخذه التطورات هناك غير واضح بشكل نهائي، خصوصاً مع إغفال موقف فصائل المعارضة السورية المسلحة في الجنوب السوري من الترتيبات الروسية – الإسرائيلية التي يجري الحديث عنها لمنطقة الجنوب، وهي فصائل يقدر أنها تضم عشرات آلاف المقاتلين ومجهزة بمعدات ثقيلة، فضلاً عن انتشارها على بقعة جغرافية واسعة ومفتوحة، أي غير محاصرة من جانب قوات النظام، كما كان حال المناطق الاخرى التي سقطت بيد النظام في الفترات الأخيرة.
وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية ذكرت أن إسرائيل وافقت على نشر قوات النظام السوري حتى المنطقة الحدودية جنوب سورية حال سحب الوحدات الإيرانية منها. وجاء ذلك بالتزامن مع زيارة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان الخميس الماضي إلى روسيا، حيث أجرى مفاوضات مع نظيره الروسي، سيرغي شويغو، بينما جرى تشاور عبر الهاتف بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ومع تأكيد مصادر إسرائيلية على وجود تنسيق بين تل أبيب وواشنطن بشأن التفاهمات مع روسيا، فقد نقلت وسائل إعلام عن مصادر دبلوماسية غربية قولها إن واشنطن تتحفظ على التفاهمات الروسية - الإسرائيلية التي تسمح لقوات النظام السوري بالسيطرة على ثلاثة مواقع استراتيجية جنوب البلاد، لأن الجانب الأميركي يريد استمرار الضغط على النظام.
من جهته، كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أفاد بأن المقترحات الروسية لمنطقة الجنوب تتضمن خروج هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، و"جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش"، إضافة إلى رافضي الاتفاق إلى جهة تحدد لاحقاً، على أن تنخرط الفصائل ضمن هيكلين رئيسيين، أحدهما في المنطقة الشرقية لدرعا، والآخر في المنطقة الغربية، حيث ستعمل إلى جانب الشرطة الروسية تحت مسمى "قوات محلية" فيما يتعهد الروس بعدم دخول قوات النظام إلى المدن والبلدات، على أن تعود مؤسسات الدولة إلى العمل من جديد ويتم رفع العلم السوري. كما ستنتشر قوات النظام على كل الحدود مع الجولان السوري المحتل والأردن، إضافة لفتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، في حين يتم خروج القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها وحزب الله من المنطقة، حيث يتمركز معظمهم في مثلث درعا– القنيطرة– ريف دمشق الجنوبي الغربي، (مثلث الموت) وسط معلومات عن وجود آلاف المقاتلين من جنسيات غير سورية يحملون هويات النظام وينتشرون في الجنوب السوري.
وفي السياق، أكد بشار الزعبي، رئيس المكتب السياسي في جيش اليرموك، كبرى فصائل الجنوب السوري، في حديث مع "العربي الجديد" أن الفصائل لا علم لها بمثل هذا الاتفاق ولم يتم التشاور معها بشأنه، فيما تتواصل حالة الاستنفار والتأهب في محافظة درعا من جانب قوات النظام والمعارضة تحسباً لمواجهة محتملة، حيث عمد الطرفان إلى استعراض القوة في مواجهة الآخر.

وبعد سلسلة تهديدات وتسريبات متعمدة بشأن توجه أرتال من قوات النظام ومليشيات "النمر" التي يقودها سهيل الحسن والفرقة الرابعة إلى محافظة درعا، وسط إلقاء منشورات تحث مقاتلي المعارضة على الاستسلام وتدعو الأهالي إلى نبذهم، أقام فصيل "قوات شباب السنة"، أكبر الفصائل في درعا والتابع للجيش السوري الحر، عرضاً عسكرياً لقواته وعتاده، وأظهرت مقاطع فيديو عشرات الآليات العسكرية والدبابات والمدافع الثقيلة، يتم استعراضها في الريف الشرقي لدرعا.
وحول مدى قدرة فصائل الجنوب على مواجهة تهديدات النظام بعمل عسكري في المنطقة، خاصة مع تراجع موقف غرفة "الموك" وكل من الولايات المتحدة والأردن في دعم هذه الفصائل، قال قائد "لواء أهل السنة"، أبو الفداء الحوراني، وهو أحد القياديين بالجبهة الجنوبية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن لدى الفصائل قدرة كبيرة جداً، وهي تعمل وسط حاضنة شعبية قوية تعتبر سلاحها الأقوى.
ورأى الحوراني أنه في الجنوب، عند بدء المعارك يتم نبذ كل الخلافات بين الفصائل وتسيطر على العقول "قوة الفزعة" ما يتيح انضمام آلاف من المقاتلين إلى المعارك. وأضاف "نحن نعي جميع المخططات الدولية، ونعي أيضاً كم هم مهتمون فقط بمصالحهم وليس مصالح الشعب السوري". وحول التوافق الروسي – الإسرائيلي بشأن الجنوب، توقع الحوراني "ألا يكون هناك في الواقع خروج للمليشيات الإيرانية من الجنوب، لأنهم ينخرطون ضمن جيش النظام محاولين إخفاء وجودهم وإظهار عمليات وهمية على خروجهم من الجنوب، وهي خطة إيرانية روسية لأن الروس لن يتخلوا عن حليفهم الإيراني"، على حد وصفه. من جهة ثانية اعتبر الحوراني أن الأردن هو شريك مصيري للجنوب، كما هي تركيا شريك مصيري في الشمال.
من جهته، أكد خالد فرّاج قائد "تجمع توحيد الأمة التابع للفرقة الأولى مشاة أن الفرقة بالتعاون مع فصائل الجنوب الأخرى، على أتمّ الاستعداد لمواجهة أي عمل أحمق من النظام في الجنوب.
وقال فراج، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه تم تذخير السلاح الثقيل والمتوسط على كل الجبهات خصوصاً في منطقة "مثلث الموت" حيث تتمركز فرقته، متوعداً بأن تكون نهاية النظام في درعا، مثلما كانت بداية الثورة فيها. ورأى أن درعا تختلف عن بقية المناطق التي سيطر عليها النظام أخيراً مثل الغوطة وحلب ومناطق ريف دمشق لجهة اتساع مساحة المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، وهي مناطق مفتوحة ومتواصلة مع بعض البعض.
وتوقع أن تتركز المعارك في منطقة "مثلث الموت" حيث تتمركز الفرقة الأولى مع بقية الفصائل. وأكد فراج رفض فصائل الجنوب أي حل سياسي خصوصاً في الجنوب، وتصر على حل سياسي شامل لكل سورية، لا مكان فيه لبشار الأسد.

إلى ذلك، وفيما ذكرت قاعدة حميميم الروسية أن توجه قوات الفرقة الرابعة التابعة للحرس الجمهوري للنظام إلى الجنوب يرمي إلى محاربة تنظيم "جبهة النصرة" فقط، قللت مصادر عسكرية في المعارضة السورية من أهمية ما يروج له النظام عن إرسال قواته الى الجنوب. واعتبرت أن الكثير مما تروج له وسائل إعلام النظام بهذا الشأن غير صحيح، ويدخل فقط في إطار الحرب النفسية ومحاولة إثارة الخوف في قلوب المدنيين ودفعهم نحو إتمام المصالحات مع النظام.
وفي إطار الحرب النفسية المتبادلة، بثّت "غرفة عمليات البنيان المرصوص" التابعة للمعارضة السورية تسجيلاً مصوراً لعناصر من قوات النظام السوري يوجهون فيه رسالة لزملائهم. ويدعو عناصر النظام الذين تم أسرهم العام الماضي بعد محاولتهم اقتحام كتيبة الدفاع الجوي غرب درعا البلد، زملاءهم في قوات النظام إلى عدم المجيء إلى مدينة درعا لأن مصيرهم سيكون الأسر أو القتل.
كما شارك العشرات في بلدة السهوة شرق درعا في تظاهرة تؤكد على التمسك بمبادئ الثورة السورية، ورفضاً للمصالحات التي يدعو إليها النظام السوري في المحافظة.
من جهة أخرى، قتل ثلاثة من أعضاء لجان "المصالحة" التابعة للنظام، بإطلاق النار عليهم من قبل مسلحين مجهولين على الطريق الواصل بين بلدتي المسيفرة والغارية الشرقية، ليرتفع إلى 18 عدد الأشخاص الذين قضوا جراء عمليات الاغتيال التي جرى تنفيذها في الجنوب السوري منذ إلقاء قوات النظام مناشير تدعو للمصالحة وإلقاء السلاح نهاية الشهر الماضي.

دلالات