خطة اللجوء والهجرة تهدد حكومة ميركل

19 يونيو 2018
ميركل في مقر حزبها أمس (الأناضول)
+ الخط -
يهدد النزاع حول اللاجئين في ألمانيا، بإسقاط حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، التي دخلت في خلاف هو الأقسى منذ سنوات مع حليفها في "الاتحاد المسيحي"، الحزب "المسيحي الاجتماعي" بزعامة وزير الداخلية هورست زيهوفر، الذي يصر على تطبيق خطته للهجرة التي تتضمن 63 بنداً، من أهمها رفض دخول بعض المهاجرين عند الحدود الألمانية. وبعدما كانت التوقعات تشير إلى إمكان إعلان زيهوفر أمس الإثنين مباشرة العمل بخطته، إلا أنه أعطى مهلة إضافية لميركل للتوصل إلى اتفاقات مع الشركاء الأوروبيين حول هذا الملف، غير أن الأخيرة ردت برفض مهلة الأسبوعين وبأي إغلاق تلقائي للحدود أمام اللاجئين.

ويطرح زيهوفر في خطته، رفض دخول أي لاجئ سُجل طلبه في دولة أوروبية أخرى، وترحيل من رُفضت طلبات لجوئهم من ألمانيا، ومنع المهاجرين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية من عبور الحدود. وبعد اجتماع لقيادة الحزب "المسيحي الاجتماعي" في ميونخ أمس، أعلن زعيمه هورست زيهوفر، منح المستشارة الألمانية مهلة حتى يوليو/تموز المقبل للتوصل إلى اتفاقات مع الشركاء الأوروبيين، مهدداً بإغلاق حدود ألمانيا أمام المهاجرين اعتباراً من يوليو في حال عدم توصل ميركل لاتفاقات مع الأوروبيين.

لكن ميركل رفضت مهلة الأسبوعين التي حددها زيهوفر لها، وقالت في كلمة لها أمس إنها ستسعى للتوصل إلى اتفاق مع دول أوروبية خلال قمة للاتحاد الأوروبي محددة في 28 و29 يونيو/حزيران الحالي، لكنها شددت على أنه لن يكون هناك أي "إغلاق تلقائي" للحدود أمام طالبي اللجوء حتى في حال الفشل على المستوى الأوروبي.

وكانت قد طلبت من رئيس البوندستاغ، فولفغانغ شويبله، التوسط لتسوية النزاع مع زيهوفر بعدما لم تفض المحادثات إلى الحل المنشود. مع العلم أنها تقترح حلاً وسطياً بخصوص دخول اللاجئين والعمل بمقتضيات القانون الأوروبي، على أن تقوم توازياً بالتفاوض على اتفاقيات ثنائية مع الدول الأوروبية الأخرى، وهذا ما يتطلب بعض الوقت، أي لحين انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الحالي. وتسعى ميركل لإبرام صفقات ثنائية مع بعض الشركاء مثل إيطاليا واليونان مماثلة لتلك التي أبرمت بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 2016.

وشغلت هذه الأزمة الساحة الألمانية، فقد حذر الأمين العام لـ"المسيحي الديمقراطي" (حزب ميركل)، انغريت كارمب كارينباور، من أنه في حال اعتماد الإجراءات التي يطالب بها زيهوفر من دون تشاور مع الدول الأوروبية، فسيؤدي ذلك للمخاطرة بانقسام أوروبا وإضعافها، خصوصاً في ضوء التطورات السياسية العالمية الحالية، وحاجة أوروبا لأن تكون موحّدة وقوية.

كما تدخّل الشريك في الائتلاف الحاكم، "الاشتراكي الديمقراطي" على خط الأزمة، وساند ميركل في موقفها. وانتقدت زعيمة الحزب أندريا ناليس، رئيس الوزراء البافاري ماركوس سودر، وأطلقت عليه لقب "البونساي ترامب" نظراً لتصرفاته والحديث عن "ألمانيا أولاً" في سياسة اللاجئين. ورأت أنه يمكن إيجاد الحلول فقط مع أوروبا.

ولم تغب الأحزاب المعارضة في البرلمان عن هذا الخلاف، وبينها "الليبرالي الحر"، الذي قال زعيمه كريستيان ليندنر، في حديث للقناة الأولى في التلفزيون الألماني، إن على الحزب "المسيحي الاجتماعي" عدم استغلال سياسة اللجوء في حملة الانتخابات البرلمانية التي يتحضّر لها في ولاية بافاريا الخريف المقبل.


كذلك حضر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأزمة الدائرة في ألمانيا حول ملف الهجرة، فاعتبر أن الألمان "ينقلبون" ضد ميركل بسبب هذه المسألة. وكتب ترامب في تغريدة أمس: "الشعب الالماني ينقلب على قادته فيما تهز الهجرة التحالف الهش أساساً في برلين. معدل الجريمة في ألمانيا مرتفع جداً. خطأ كبير في كل أنحاء أوروبا السماح بدخول ملايين الاشخاص الذين غيروا لهذا الحد وبعنف ثقافتهم". وأضاف "لا نريد أن يحصل معنا ما يحصل في ملف الهجرة في أوروبا".

هذا الخلاف المتصاعد، يضع الائتلاف الحكومي الكبير "غروكو"، وبعد مرور حوالي 100 يوم على إعلانه، وتشكيل ميركل للحكومة مع بدء ولايتها الرابعة، أمام خطر التفكك، وهو ما عبّرت عنه صحيفة "بيلد"، التي كتبت أمس: "إنه اليوم الذي يتقرر فيه مصير أنجيلا ميركل والحكومة". وتبدو ميركل أمام ثلاثة خيارات: استخدام الصلاحيات التي منحها القانون الأساسي للمستشارين، أي الحق بأن توصي وبصورة رسمية الرئيس الاتحادي بسحب الثقة وإقالة أحد أعضاء الحكومة، إلا أن الخطورة، هنا، تكمن بسحب "المسيحي الاجتماعي" لجميع وزرائه من الحكومة، ما يشكّل نهاية للائتلاف الكبير. أما الخيار الثاني أمام ميركل، فهو الاستقالة والبحث عن تحالفات حكومية جديدة، وهذا صعب عملياً لما يمثّله حزب ميركل من ثقل في البرلمان، فيما يبقى خيار الاحتكام إلى الرأي العام وإجراء انتخابات برلمانية جديدة.

في ظل هذا الواقع، باتت ميركل أمام خيارين صعبين، إما مواجهة زيهوفر ووضع حكومتها على حافة الانهيار، أو قبول مقترحاته بما يعني ذلك عملياً رفض استقبال المهاجرين الذي يصلون من الآن فصاعداً إلى الحدود بعد تسجيلهم في دولة أخرى من الاتحاد الأوروبي، هي في غالب الأحيان إيطاليا أو اليونان، ما سيشمل عملياً جميع طالبي اللجوء الوافدين إلى ألمانيا تقريباً.

لكن رفض اللاجئين المسجلين في دول أوروبية أخرى عند الحدود الألمانية، مسألة معقّدة للغاية قانونياً، وتتطلب إصلاح إجراءات اتفاقية دبلن المعتمدة منذ 2013، علماً أن للقانون الأوروبي أولوية على القانون الوطني، وأمامها عوائق لوجستية لأن الحدود الألمانية ليست مغلقة بالكامل. وبحسب اتفاقية شينغن، فإن ألمانيا ألزمت نفسها بتفكيك كل الضوابط الثابتة على الحدود الداخلية لدول التكتل، وليس من السهل تغيير ذلك لأن الأمر يتعلق بروحية أوروبا الموحّدة. عدا عن ذلك، فإن لدى ألمانيا حدوداً بطول 3700 كيلومتر و7900 كيلومتر من السواحل وأكثر من 12 مطاراً دولياً يمكن من خلالها الوصول إلى ألمانيا الاتحادية. لذلك ليس هناك من إمكانية لضبط الحدود بإحكام، ولا يمكن الحديث عن مراقبة سلسة إلا على المرافق الجوية.
هذه الحال تتطلب من ألمانيا أن تزنّر نفسها بالأسلاك الشائكة والأسوار وإنشاء مراكز ثابتة التي تحتاج لآلاف العناصر من الشرطة والحرس الحدودي، أو الاستعانة بالطائرات المسيّرة وأجهزة كشف الحركة، انطلاقاً من أن عمليات التفتيش المفاجئة والفحوصات العشوائية فقط غير مجدية، وبالتالي ستكون البلاد أمام حواجز مادية لأن الأمر سيكبّدها تكاليف مالية ضخمة.

وفي هذا الإطار، قال رئيس معهد أبحاث مبادرة الاستقرار الأوروبي غيرالد كناوس، للقناة الألمانية الأولى، إن على الدول المتضررة من اللاجئين مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان، التلاقي والتحدث عن مفاهيم واقعية قابلة للتنفيذ ولا تستند إلى الخيال، من دون تجاهل مصالح الدول المعنية، مضيفاً أن لجوء كل بلد إلى تأمين حدوده الوطنية لا يحل المشكلة، وهذا واضح مما حل بالنمسا وفرنسا. وناشد كناوس، الباحث الذي شارك في صياغة اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016، بالتركيز على سياسة الحدود الخارجية المشتركة، والعمل على تقديم الحوافز للأشخاص في بلد المنشأ إذا لم يكونوا بحاجة إلى حماية الاتحاد الأوروبي.

المساهمون