الجنوب السوري: تنازلات مرجحة مقابل إبعاد إيران

31 مايو 2018
أهالي درعا يخشون عودة قوات النظام (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
أصبح العالم يتعاطى مع موضوع اتفاق الدول المعنية بالملف السوري على إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها، عن الجنوب السوري (لمسافة تراوح بين 30 و60 كيلومتراً)، من القنيطرة حتى درعا، وكأنه أمر حتمي. لكن مضمون الاتفاق لا يقتصر على إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات الحليفة لطهران، فهذا قد يكون أكثر ما يهم إسرائيل وأميركا والأردن في الموضوع، لكن الاتفاق المحتمل سيكون عليه تقديم أجوبة عن أسئلة إضافية: هل سيسمح الاتفاق الأميركي ــ الروسي ــ الأردني للنظام السوري باجتياح المنطقة الخاضعة للمعارضة في الجنوب، شرط أن تكون حملة بلا قيادة ولا مشاركة من إيران ومن حزب الله اللبناني؟ أم يقتصر الأمر على إلزام فصائل المعارضة السورية بتسليم سلاحها الثقيل وتوقيع "مصالحات استسلام" مع النظام لإتاحة الطريق له لاستعادة المنطقة ومعبرها الحدودي "نصيب"؟ وهل تمارس أميركا، وغيرها، تهديداتها للمعارضة للاستسلام والرضوخ بلا معركة لكون الأردن لا يحتمل موجات لاجئين إضافيين إلى أراضيه الشمالية في حال اندلاع معركة شاملة؟ وهل ينسحب عشرات العناصر والضباط الأميركيين المتمركزين في قاعدة التنف، وهو "الثمن" الذي تريد روسيا تقاضيه في مقابل إقناع أو إجبار إيران وحزب الله على صرف نظرهما عن إحدى المناطق الأكثر أهمية بالنسبة إليهما، لكونها تتصل بالجولان المحتل، أي مع قوات الاحتلال، إذ يحكى عن رغبة لدى إيران - حزب الله في تحويل تلك المنطقة إلى "جنوب لبنان" جديد كنقطة تماس تبقي الجبهة مفتوحة مع إسرائيل؟ أو تُرغم فصائل المعارضة السورية على التحول إلى ألوية بأوامر من النظام السوري للمشاركة في معركة ضد "وديعة" تنظيم داعش في الجنوب السوري، أي "جيش خالد"، الموجود منذ سنوات في منطقة وادي اليرموك؟ أو أخيراً يتفق الجميع على أن تكون الشرطة العسكرية الروسية هي الممسكة بالمنطقة الحدودية مع الأردن والأراضي المحتلة، على أن تبقى كل الأمور على ما هي عليه اليوم، أو مناطق يتقاسم نفوذها كل من المعارضة والنظام، في انتظار الحل السياسي السوري الشامل؟

جميع هذه الأسئلة يفترض أن تظهر الإجابات عنها في الاجتماع الثلاثي الذي من المتوقع عقده في العاصمة الأردنية عمّان خلال اليومين المقبلين، بين ممثلين عن الولايات المتحدة، والأردن، وروسيا. مع العلم أنه لم يُحدد مستوى وموعد الاجتماع بعد. وقد سبقه أمس واليوم لقاءٌ في موسكو بين وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، ونظيره الروسي سيرغي شويغو، سيكون فاصلاً وفق كل التقديرات، لتحديد مآلات الوضع القائم حالياً في محافظة درعا، جنوبي دمشق، وهي المنطقة ذات الخصوصية المُختلفة تماماً عمّا سواها من المناطق الساخنة في سورية، لوقوعها شرقي حدود الجولان المُحتل، فضلاً عن كونها ذات أهمية خاصة للأردن.
وبعد نحو 11 شهراً من الهدوء النسبي في محافظة درعا، غداة إبرام اتفاقٍ (روسي-أميركي في يوليو/ تموز2017) بمشاركة الأردن، واطّلاع إسرائيل رغم سخطها عليه لعدم ضمانه حينها إبعاد المليشيات الإيرانية من المنطقة الحدودية، ونص على تهدئةٍ أو هدنةٍ في درعا وفق صيغة "خفض التصعيد"، فإن هذه المحافظة عادت كما كانت في مارس/ آذار 2011، لتكون في بؤرة الأضواء ومركز الاهتمام في سورية. وتسبق جملة تصريحاتٍ من مختلف الأطراف الاتفاق النهائي الذي يتم الترتيب له تفاوضياً، مع وضع الأطراف ذاتها أصابعها على زنادِ التصعيد العسكري في حال حصول استعصاءٍ سياسي. وينبئ سيلٌ من التحليلات، والتصريحات الإيرانية-الإسرائيلية-الروسية-الأردنية، بالإضافة إلى النظام والمعارضة السورية، بمتطلباتِ ورؤى كل طرف حول مستقبل المنطقة الجنوبية في سورية (القنيطرة ودرعا)، وهي رؤى بمجملها ليست متوافقة وتحمل تضارباً، باستثناء ما يتعلق بعودة النظام وفق صفقةٍ للسيطرة على المناطق الحدودية، إذ يبدو هذا الشق أقرب إلى محل إجماعٍ بين مختلف الأطراف النافذة في الجنوب السوري، باستثناء المعارضة، التي تخشى أن الحل الذي يجري التحضير له سيكون على حسابها.

موسكو وفق مسؤوليها، وعلى رأسهم كبير دبلوماسييها وزير الخارجية سيرغي لافروف، تقول إن قوات النظام هي الطرف الوحيد الذي يجب أن يعود للانتشار على كامل الحدود الجنوبية في سورية، مع حديثه في اليومين الماضيين عن أن "إنشاء منطقة تخفيف التوتر جنوب غربي سورية ينص منذ البداية على أن القوات السورية فقط يجب أن تبقى على الحدود"، مشيراً إلى أن ذلك يقضي بسحب جميع القوات الأجنبية الموجودة هناك. وهو نفس الكلام الذي أكده لاحقاً نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي قال إن بلاده تؤيد "حقاً وقف إطلاق النار (في المنطقة الجنوبية لسورية)... الفراغ في هذه المنطقة يسمح لبعض الراديكاليين والإرهابيين بملئه. ونرى أن العسكريين السوريين يجب أن يقفوا على الحدود الجنوبية".
وفي هذا الاطار، وتعليقاً على الاجتماع الثلاثي الأردني –الروسي-الأميركي المتوقع خلال الأيام القليلة المقبلة لبحث مستقبل الجنوب السوري، قال بوغدانوف، أول من أمس الثلاثاء، إن موسكو تنتظر من واشنطن الرد حول تنسيق موعد هذا الاجتماع. أما إيران من جهتها، فلا تبدو أوراقها في سورية بأفضل أحوالها، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، تزامناً مع التصعيد العسكري الإسرائيلي ضدها في سورية. وقد تجلّى تبريد إيران لموقف التصعيد، من خلال سحب عددٍ من مليشياتها الموجودة في درعا، نحو مناطق أقرب لجنوب دمشق، مبتعدة عن الحدود مع الجولان المحتل.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن موقفها من مسألة التصعيد من عدمه في درعا كان واضحاً قبل ثلاثة أيام، وعلى لسان المتحدثة باسم الخارجية في واشنطن هيذر نيورت، عندما حذرت النظام السوري بناء على تقارير نقله لتعزيزاتٍ عسكرية إلى درعا، بأن الولايات المتحدة ستتخذ "إجراءات حازمة ومناسبة" في حال أقدم النظام على التصعيد العسكري هناك.
النظام من جهته، بعد هذه التحذيرات، قال على لسان القائم باسم أعمال سفارته في عمّان أيمن علوش، إنه لا نية لعملية عسكرية قريبة في درعا، زاعماً أن الوضع هناك يتم حله بـ"المصالحات"، لكن على الرغم من ذلك، تنتشر منذ أيام على وسائل إعلام غير رسمية موالية للنظام، مشاهد مصورة لتعزيزاتٍ عسكرية يتم إرسالها إلى درعا والقنيطرة، و توضح بأن النظام لا يستبعد فتح معركةٍ هناك، بعد الاجتماع الثلاثي المقرر قريباً.
أما المعارضة السورية، فإنها تخشى وفق توازن القوى القائم حالياً، وتفرغ النظام لمسألة جنوبي سورية، بعد إغلاقه ملفي ريفي دمشق، وحمص الشمالي، أن تُعقد صفقةٌ على حسابها تتيح للنظام العودة إلى درعا، التي تحتفظ فصائل المعارضة العسكرية بالسيطرة على نحو سبعين في المائة من مساحتها. ويبدو أن فصائل المعارضة السورية لا تزال متمسكة حتى اليوم، بضرورة أن تبقى مُسيطرة في المناطق التي تبسط نفوذها عليها في درعا، بما في ذلك معبر نصيب التجاري بين الأردن وسورية، الذي يطالب النظام مع الروس بضرورة أن تسلمه المعارضة إلى النظام.

في هذا السياق، كان رئيس المكتب السياسي لفصيل "جيش الثورة" بشار الزعبي، قد طالب بأن يتم اعتبار منطقة العشرين كيلومتراً الممتدة بين المعبر وآخر نقطة لوجود قوات النظام شماله منطقة مُحايدة، وأن يبقى المعبر تحت إدارة المعارضة السورية، مبدياً في تصريحات صحافية له مرونة في قبول أن "نكون كمعارضة شركاء في فتحه (معبر نصيب التجاري) وتوكل إلينا مهام الإدارة وتسيير الأمور"، بحيث "تقوم (المعارضة) بتخليص الحافلات الداخلة والخارجة من وإلى الأردن، وثم تمر إلى مناطق سيطرة النظام" في حال تم فتح المعبر وفق الرؤية التي قدمها الزعبي، مشيراً إلى أنه "لا مشكلة لدى المعارضة في بحث آلية حماية المعبر وتقسيم الأرباح مع النظام".
من جهته، قال أبو توفيق الديري، وهو منسقٌ عسكري في "الجبهة الجنوبية" التابعة للجيش السوري الحر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تداعيات إلغاء الاتفاق النووي فتحت ساحات صراع غير تقليدية. ومن الطبيعي أن يكون جنوب سورية إحدى هذه الساحات"، لكنه أضاف قائلاً إن "الضجيج (الحاصل) في الجنوب هو ضجيج إيراني. والقرار (من أطراف عدة) اتخذ بأن على إيران أن تغادر سورية، والحل السياسي يسري على مبدأ لا غالب ولا مغلوب، وإنتاج دستور جديد يضمن حقوق الأكثرية المسحوقة من الشعب السوري". وقال المسؤول العسكري ذاته إن "الجنوب السوري يختلف عن الغوطة وعن أي مكان آخر في سورية، إذ يمتاز بأنه يحافظ على قيادة جيش حر، وهي تمتلك 99 في المائة من الأوراق بالجنوب، وقيادة محلية من أبناء الجنوب. والقرار في الجنوب للحاضنة الشعبية قبل الجيش الحر في عدم السماح للنظام أو المحتل الإيراني في الدخول إلى الجنوب".
وفي ما يخص معبر نصيب، قال الديري، "إننا متجاوبون، فالمعبر منفذ حيوي للجنوب، لكن لن نقبل بالوجود الأمني للنظام. قلنا للروس وللمسؤولين في الأردن تعالوا واجلسوا على المعبر وراقبوا، لكن بكل حال لن يكون فتح المعبر على حساب دماء أبنائنا، ومسألة المعبر لسنا متشددين فيها بالأمور المادية، لكننا متشددون في قضية السيطرة، ولن يتم رفع علم النظام في حوران والسلطة على المعبر ستكون بيد الجيش الحر، وهذا موقفنا".
وبرأي المحلل الاستراتيجي أحمد رحال فإن "لا النظام له قرار، ولا المعارضة لها قرار حالياً في موضوع حل قضية الجنوب السوري. القرار لروسيا ولأميركا بشكل خاص مع الأردن وإسرائيل، وإيران تكون ضمن العباءة الروسية". وأشار إلى أنه "من الواضح أن هناك شبه إجماع على عودة النظام للحدود، ولا يبدو أن الولايات المتحدة تعارض ذلك، كما أن الأردن يضغط لعودة النظام للحدود ولمعبر نصيب".
وقال رحال، وهو ضابط منشق عن النظام، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ثمة إمكانية، وفق المعطيات الراهنة، لـ"عودة النظام إلى حدود القنيطرة ودرعا مع إسرائيل وفق صفقة يتم صياغتها، وربما تندلع معارك، لكن ليس معروفاً ما هو شكلها"، وكل ذلك سيتوقف على ما سيفضي إليه الاجتماع الثلاثي بين الأردن والولايات المتحدة وروسيا.

المساهمون