عفو السيسي يفضح فشل "دمج" السجناء الإسلاميين وانتزاع اعترافهم بالنظام

18 مايو 2018
عائلة نخنوخ رفعت شعارات مؤيدة للسيسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -



عكست قائمة الأسماء المختارة في العفو الرئاسي الأخير الذي أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً، فشل الجهود الحكومية والأمنية الجارية منذ أشهر في جميع سجون مصر في إقناع المتهمين المسجونين احتياطياً والمحكومين في قضايا تظاهر وعنف وانتماء "لجماعات محظورة" كالإخوان المسلمين، وذلك بالاندماج في مبادرة أطلقتها أجهزة الدولة سراً للإفراج عن عدد كبير من المسجونين مقابل اعترافهم بالسيسي رئيساً للجمهورية. إضافة إلى التوقيع على وثائق صاغها جهاز الأمن الوطني تتضمن بنوداً واضحة للابتعاد من العمل السياسي والتنظيمي والتعهد بالإبلاغ عن أي أنشطة معادية للدولة في الدوائر المحيطة بهم.

وكشفت مصادر حكومية وأمنية لـ"العربي الجديد" أن "السيسي ومدير مكتبه عباس كامل شكّلا منذ أشهر عدة لجنة سياسات مشتركة بين ممثلين لوزارات الداخلية والعدل والخارجية والأوقاف والأزهر والاستخبارات العامة، فضلاً عن مستشاري السيسي للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين وللأمن القومي فايزة أبو النجا وللخطاب الديني أسامة الأزهري. وكلّفت هذه اللجنة بوضع خطة لخلخلة التماسك التنظيمي للإخوان وغيرها من الجماعات في السجون، ودمج عدد من السجناء في مبادرة جديدة للاعتراف بالسيسي ونبذ العنف والمعارضة".

وتضمنت أعمال هذه اللجنة التنسيقية دراسة إمكانية إعطاء بعض المميزات الدراسية والمهنية للأشخاص القابلين للاندماج في هذه المبادرة بعد خروجهم من السجن، في سياق برهنة الدولة على إمكانية طي صفحة الماضي مع الأجيال الشابة من جماعة الإخوان، تحديداً مواليد التسعينيات وما تلاها، وقطع الصلات بينهم وبين أفكار الجماعة القديمة.

وأوضحت المصادر أن "من الأسباب التي دفعت النظام لإطلاق هذه المبادرة رصدهم التقارب بين المئات من الشباب الذين تخلوا عن جماعة الإخوان، بعد أن دخلوا السجون في قضايا تظاهر وهم دون سن الرشد (21 عاماً) وبين المتهمين بالانتماء لخلايا تكفيرية تابعة فكرياً أو تنظيمياً لداعش، وذلك بعدما كانت السجون تشهد في السنوات الثلاث الماضية تصعيداً دائماً بين الإخوان من ناحية والتكفيريين من ناحية أخرى، بسبب تكفير الخلايا الداعشية للإخوان واتهامهم بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع السياسية في مصر وإفشال مشروع الإسلام السياسي".



وأشارت المصادر إلى أن "الخطوط العريضة التي وضعتها لجنة السياسات المشار إليها عُهد تنفيذها إلى جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) ومصلحة السجون والأمن العام، باعتبارها الأجهزة الأكثر قدرة على تحديد مدى قبول السجناء قواعد الاندماج، وعلى مراقبتهم بعد خروجهم من السجون، وكذلك الأقدر على أن يحصّلوا منهم بعض المعلومات عن طبيعة الاتصالات بين أفراد الإخوان بالداخل والخارج".

وذكرت المصادر أنه "بموازاة ذلك، كثّفت وزارة الداخلية في بعض السجون محاضرات دينية للشباب الأحدث سناً تركز على طاعة الحاكم وضرورة عدم الخروج عليه، وتعيد تعريف مظاهرات الإخوان واعتصاماتهم بين عامي 2013 و2014 باعتبارها محاولة للخروج على إجماع الأمة، وإقحاماً للسياسة في الدين، وتحاول إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة إلى شباب الجماعة استغلالاً لضعفهم معرفياً ومعاناتهم في السجون".

وأضافت أن "الممارسة العملية أوضحت أن الأمن الوطني حوّل الإجراءات المقررة للدمج إلى محض مساومات للحصول على معلومات تنظيمية، وربط التوقيع على وثائق الاعتراف بالسيسي ونبذ العنف بالحصول على تسهيلات معيشية داخل السجن، بما في ذلك السماح للسجناء بلقاء ذويهم في مواعيد الزيارة الشهرية من عدمه. الأمر الذي أدى إلى حدوث خلافات بين مجموعات السجناء، لرغبة البعض في الحصول على تلك المميزات من دون التوافق على ذلك مع رفاقه، أو لحصول البعض على مميزات فعلية وعدم إدراك الآخرين سبب حرمانهم منها".

وذكرت المصادر نفسها أن "بعض الذين وقّعوا على تلك الوثائق أو أعطوا للأجهزة بعض المعلومات تم ترحيلهم إلى سجون أخرى غير السجون التي مكثوا فيها لسنوات مع زملائهم في نفس القضايا، ولكن رغم ذلك لم يوافق الأمن الوطني على ضمّ العشرات من هؤلاء إلى قرار العفو الأخير، مفضلاً تأجيلهم إلى قرارات لاحقة".



وعلى الرغم من أن العدد الإجمالي لمن وقّعوا على تلك الوثائق غير معروف، إلا أن العفو عن 331 شخصاً فقط من السجناء في قضايا تظاهر وعنف، بعضهم ليسوا من الإخوان، أكد فشل هذه المبادرة، واستمرار تعثرها، وعدم تفاعل معظم السجناء المحكومين معها، ليس فقط بسبب تعارضها مع ما يؤمن به معظمهم بافتقار السيسي إلى الشرعية، ولكن أيضاً بسبب الشروط التي وضعت السجناء تحت سطوة أجهزة الشرطة لمدة طويلة غير معلومة بعد خروجهم.

والجدير بالملاحظة؛ أن اشتراط الداخلية التوقيع على ما يفيد الاعتراف بالسيسي للحصول على العفو، يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يدّعي أن جميع السجناء هم من المخربين والإرهابيين المتورطين في أعمال عنف، مما يحول الوثائق الناتجة من المبادرة الجديدة إلى وثائق اعتراف ضمني من الدولة بأن الرأي السياسي وحده كان السند الوحيد لحبس ومحاكمة وإدانة عشرات الآلاف من شباب مصر منذ يوليو/ تموز 2013.

من جانبه، أفاد مصدر في مصلحة الأمن العام بأن "جميع السجناء المعفى عنهم خضعوا للمتابعة الأمنية داخل السجون منذ أشهر عدة، كما أكد الأمن الوطني صلاحيتهم للخروج بسبب صغر سنهم أو انقطاع الصلة بينهم وبين المجموعات التنظيمية التابعين لها، أو لكبر السن وتأكيدهم اعتزال العمل السياسي خلال لقاءات جمعت بعضهم بضباط الأمن الوطني داخل السجون".

وعن انضمام صبري نخنوخ إلى القائمة، أوضح المصدر أن "الداخلية لم تعترض على خروجه منذ البداية، وأنه تقدم بالتماسات عدة للجهات القضائية والرئاسة، فضلاً عن صدور حكم من المحكمة الدستورية منذ عامين بإعادة محاكمته منذ بدايتها، مما يعني أنه متهم وليس مداناً في الوقت الحالي". وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ ظهرت في حي بولاق أبوالعلا بالقاهرة لافتات أعلنت تأييد نخنوخ وأسرته السيسي، رغم كونه سجيناً، مما لفت الأنظار لاحتمال خروجه قريباً بعفو رئاسي، بعد 6 سنوات قضاها البلطجي الشهير البالغ من العمر 55 عاماً في السجن بتهمة ممارسة البلطجة وحيازة أسلحة نارية وحيوانات مفترسة ومخدرات، إذ ثارت اتهامات بين عامي 2011 و2012 حول تورطه في أحداث عنف عقب خلع حسني مبارك من الرئاسة، وخلال فترة تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة شؤون البلاد، لكنها لم تثبت في تحقيقات رسمية.

المساهمون