ما بعد حفتر: الخلفاء ومراكز القوى وعقدة عقيلة صالح

22 ابريل 2018
لم يجهز حفتر أي شخصية لخلافته (فاسيلي ماكسيموف/فرانس برس)
+ الخط -
تنشغل الساحة الليبية بغياب اللواء خليفة حفتر عنها منذ ما يزيد عن الأسبوع، بعد نقله إلى باريس بشكل عاجل للعلاج إثر تدهور وضعه الصحي. وكما ظهر الرجل بشكل سريع وغامض بعد ثورة 2011، يغيب سريعاً ليحيط الغموض مجدداً بمصيره، ويبرز سؤال هام حول من سيكون خليفته، وما إذا كان غيابه نهائياً عن المشهد سيدفع لإنهاء الانقسام السياسي والأمني في البلاد، أم أن ذلك سيشكّل عرقلة إضافية للتوافق والاستقرار. ومع الغموض الذي يلفّ حالة حفتر الصحية، تتزايد التكهنات والهموم بين المحيطين به، لا سيما الدول التي دعمته وراهنت عليه ليكون وكيل أجنداتها السياسية في المنطقة، بينما بدا أن سباقاً مبكراً انطلق بين الخلفاء المحتملين لوراثته سياسياً وعسكرياً، في ظروف معقدة. فحفتر (75 عاماً) لم يجهز أي خليفة له، إما لأنه كان يشعر بأن بقاءه على رأس سلطاته في الشرق الليبي وبعض مناطق الجنوب، سيدوم لفترة أطول، أو لأنه كان يخشى من انقلاب قد ينفذه ضده أي مرشح جدي لخلافته من داخل معسكره في إطار "عملية الكرامة" وبرلمان طبرق ومراكز القوى الكثيرة في الشرق الليبي.

بروز حفتر
الظروف التي رافقت ظهور حفتر بشكل مفاجئ بالتوازي، مع شخصيته العسكرية التي يغلب عليها الطابع التسلطي، أديا لصعود نجمه بشكل سريع، مقابل اختفاء ذكر أحد غيره في محيطه، بمن فيهم المقربون منه. مزيج من التحالفات القبلية والعسكرية والسياسية التي شكّلت مجموعة حفتر، توحّدت في البداية تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، لكن ذلك الشعار سريعاً ما تبخّر، ليظهر بشكل جلي أن الرجل الطامح في السلطة لم يتمكّن من التوفيق بين رغبات الأطراف التي دعمته، سواء داخلياً على مستوى القبائل، أو خارجياً بسبب تقاطع وتعارض الدول الداعمة له.

ولم يكن خافياً أن الأوضاع التي يعيشها معسكر حفتر تعمّها الفوضى، فمنذ أكثر من سنة تخلّى عن بعض حلفائه القبليين بسبب رفضه لأبنائهم العسكريين كشركاء له في الحكم، لتتحوّل تلك القبائل إلى منغص يقض مضجعه، بالتوازي مع تباعد بينه وبين مجلس النواب الذي مثّل الوجهة السياسية لحراكه العسكري في السنوات الماضية، فرئيس المجلس عقيلة صالح بما له من ثقل قبلي هو الآخر بدا أنه لم يعد على وفاق معه، من دون أن تتجلى أسباب هذا الخلاف أيضاً.

على الصعيد الدولي، لا يزال حفتر بنظر الكثير من الدول، هو المعرقل الأول للاتفاق السياسي الذي أجمعت الأسرة الدولية على ضرورة تطبيقه لإنهاء حالة الانقسام في البلاد، وهو ما أثّر سلباً على مواقف داعميه سواء العرب أو الأجانب، فما يجري في كواليس القاهرة وأبوظبي وباريس وموسكو لا يتم في العلن، ما يشير إلى عدم وثوق تلك الدول بشكل كبير في نجاحه، وبالتالي فرهانها عليه بدا ورطة أكثر منه مكسباً بعد أربعة أعوام من القتال والحروب في أكثر من اتجاه. أمام حالياً، فتبدو الجهود قائمة دولياً ومحلياً للبحث عن بديل لحفتر، وإن لم تتكشف بشكل رسمي جهود هذه المساعي، إلا أنه تبرز على الساحة الليبية شخصيات عسكرية عديدة، قد تكون إحداها البديل له، أبرزها:

نجلا حفتر
صعد نجم الابنين البارزين لحفتر، صدام وخالد، منذ انطلاقة "عملية الكرامة" منتصف عام 2014، إذ كان حفتر يسعى لإبرازهما في المشهد العسكري المحيط به. صدام الذي يحمل رتبة رائد، يتولى مهمة قيادة الكتيبة 106 التابعة لوالده، وهو مكلف بمهام ملاحقة خصوم حفتر، ومن أبرز نشاط هذه الكتيبة اكتساح مقرات عسكرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي والتي أعلن من داخلها النقيب فرج قعيم، وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق والقيادي المنشق عن قوات حفتر، ما يشبه الانقلاب العسكري. أما خالد، فحضوره العسكري غير لافت لكن اسمه برز في اتهامات وُجهت لحفتر بتحويل ملايين الدولارات إلى حسابات خاصة بأبنائه، وتبيّن لاحقاً أن حفتر حوّل تلك الأموال لشراء أسلحة، كما قام نجله خالد بتوقيع عقد مع شركة "غراس روتس" بقيمة 120 ألف دولار بهدف الترويج لوالده في الأوساط الأميركية.
لكن حظ الإثنين في خلافة والدهما ضئيلة، فصدام غير مرحب به من الكثير من الأوساط القبلية التي قام بالاعتداء على أفرادها واعتقالهم، كما أن الإثنين معاً لا خبرة عسكرية كبيرة لهما مقارنة بشخصيات عسكرية بارزة في معسكر والدهما يحملون شارات عسكرية وخبرات كبيرة.

عبد الرزاق الناظوري

كان اسم عبد الرزاق الناظوري الأبرز إعلامياً منذ مرض حفتر، وترددت أنباء في الآونة الاخيرة عن عزم عقيلة صالح تكليفه بخلافة حفتر، وهو الذي يتولى حالياً مهمة قيادة قوات حفتر حول درنة وفي بنغازي. برز الناظوري كرجل عسكري قاد كتيبة مسلحة في بنغازي ساهمت في الإطاحة بحكم معمر القذافي عام 2011، قبل أن يتوارى عن الأنظار لسنين، ويعود نجمه للصعود مجدداً إثر انضمامه إلى "عملية الكرامة" عند انطلاقتها.
كان الناظوري آمراً لوحدة عسكرية بالقرب من قاعدة حفتر في المرج، إلى أن أعلن مجلس النواب في أولى أيام انعقاده في طبرق في أغسطس/آب 2014 تعيينه رئيساً لأركان الجيش. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، عيّنه مجلس النواب حاكماً عسكرياً للمنطقة الواقعة بين درنة شرقاً إلى بن جواد بالهلال النفطي وسط البلاد.

بقي الناظوري مخلصاً لحفتر ومن أبرز رجالات معسكره، حتى أنه كان على رأس ممثلي قيادة حفتر في اللقاءات التي رعتها القاهرة أخيراً بهدف توحيد مؤسسة الجيش. وسارع الناظوري إلى نفي قرار تداولته وسائل الإعلام أخيراً بشأن تكليفه برئاسة قوات حفتر، لكن حضوره اللافت في بنغازي وفي غرف قيادة القوات في درنة يدل على طموحه لهذه الخلافة لما يملك من مؤهلات وما شغله من مناصب عسكرية بارزة، حتى أشيع أخيراً أن حادث الاغتيال الذي تعرض له منتصف الأسبوع الحالي مدبّر من قبل الموالين لحفتر لإنهاء طموحه في هذا المنصب.


ونيس بوخمادة

يُعتبر ونيس بوخمادة من أبرز ضباط وقادة القوات الخاصة في بنغازي، شارك في كل معارك حفتر ضد خصومه في المدينة، وله شعبية كبيرة في أوساط القوات الخاصة، كما تولى مسؤوليات أخرى كقيادته للغرفة الأمنية المشتركة في المدينة التي تشبه منصب الحاكم العسكري. وعلى الرغم من جهوده العسكرية وقيادته لأغلب معارك بنغازي، إلا أن شبهات لم تفتأ عن الظهور على مدار السنين الماضية حول خلافات تدور بينه وبين حفتر، يرى البعض أنها تقوم على خلافات شخصية قديمة بين الرجلين قبل أن يبرزا في المشهد الحالي. وشكّل منصبه كقائد لقوات "الصاعقة"، والشعبية التي يتمتع بها، عاملي إزعاج لحفتر، لا سيما أن تلك القوات هي أبرز كتائب المدينة، بالتوازي مع تردد اسم بوخمادة ضمن عملية الرائد فرج قعيم في بنغازي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما دفع حفتر لعزله من منصبه كقائد للغرفة الأمنية المشتركة وتكليف الناظوري مكانه.

أما اليوم، فعوامل وظروف عديدة يمكن أن تحوّل بوخمادة إلى طامح لخلافة حفتر، إذ بالإضافة للخلافات الشخصية المبطّنة مع حفتر، هو ينتمي إلى قبيلة المغاربة التي خدعها حفتر في السابق بأن عقد صفقة معها لتسليم منطقة الهلال النفطي مقابل تعيين أبنائها كمسؤولين على رأس مؤسسة النفط لكنه لم ينفذ ذلك. لكن طموحه بكل تأكيد سيصطدم مع رفض المقربين من حفتر العارفين بتحفظاته على بوخمادة، كما أن قبائل أخرى بارزة في الشرق الليبي سترفض توليه المنصب بسبب الخلافات القبلية العميقة. كذلك فإن أبرز المقربين منه هو الضابط محمود الورفلي، المشهور بلقب قائد الاغتيالات والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، ما قد يجعله غير مرحب به دولياً، خصوصاً أن بوخمادة دافع عن الورفلي ورفض أوامر المحكمة بضرورة تسليمه لمحاكمته على جرائمه.

عبد السلام الحاسي
يبقى عبد السلام الحاسي من أبرز المرشحين لتولي منصب حفتر أو على الأقل تعيينه نائباً له إلى حين غياب حفتر نهائياً عن المشهد. وتحدثت مصادر لـ"العربي الجديد" قبل أيام عن وجود إجماع محلي ودولي على القبول به لخلافة لحفتر، فهو يمتلك إمكانات وخبرات عسكرية، وشارك في قوات حفظ السلام الدولية في أفريقيا، بالإضافة إلى عدم وجود ممانعة محلية حوله لتولي هذا المنصب. يُعرف عن الحاسي ولاؤه الشديد لحفتر الذي رقّاه إلى رتبة لواء وعيّنه المسؤول الأول لغرفة "عملية الكرامة" في بنغازي، وهو انضم مبكراً لهذه العملية وتولى المسؤولية عن غرفة عمليات الجبل الأخضر، واعتمد عليه حفتر في إقصاء خصومه، ومن أشهر عملياته إنهاء ما يشبه الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد فرج البرعصي وضباط آخرون عام 2015. ولم تتوقف ثقة حفتر فيه عند قيادة قواته بل بلغت إلى حد إرساله مبعوثاً إلى السودان والجزائر مطلع هذا الشهر لتحسين العلاقات مع هذه الدول، مما يشير إلى خبرته في الجانب السياسي بالإضافة إلى العسكري.

صعوبات قائمة
أمام هذا الواقع وتعدد المرشحين المحتملين لخلافة حفتر، يبقى أن أياً من هؤلاء سيكون أقل تأثيراً من حفتر في الأوساط العسكرية التي شكّلها الأخير، كما أن عليه وراثة تركة ثقيلة بعد أربع سنوات من الغموض في علاقة حفتر مع الدول الداعمة له أو على صعيد علاقاته الخاصة مع استخبارات دول كبرى كفرنسا أو الولايات المتحدة، بالإضافة إلى كمّ كبير من الخلافات مع شخصيات سياسية وقبلية بارزة في الشرق الليبي.

ولم يكن حفتر يثق بأحد ليفضي بأسراره إليه، فكل الضباط والشخصيات المحيطة به كانت تؤدي أدواراً ثانوية ومحددة ولا تطلع على ما يدور في كواليسه الخاصة، وبالتالي شغل منصبه لن يكون سهلاً، وهو ما يهدد صمود جبهته وإمكانية انهيارها في أي لحظة. ومن عوامل الضعف التي ستحيط بأي شخصية عسكرية تخلف حفتر، عدم وجود فصائل عسكرية توالي هذا الضابط أو ذلك لتوفر الحماية والدعم له، فلا الناظوري ولا الحاسي يسيطران على كتائب معيّنة يمكنها أن تفرض قرارتهما على الفصائل الأخرى. أما ما يتوفر لبوخمادة من دعم عسكري بواسطة القوات الخاصة فلن يتعدى بنغازي، لكن تلك القوات المدرّبة بشكل جيد ستمثّل عامل إزعاج وخوف لأي عسكري جديد سيخلف حفتر، إذ عُرفت قوات "الصاعقة" بتمردها وعدم قبولها لأي فصائل أخرى في بنغازي، مما يرجح إمكانية دخول بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي في فوضى مسلحة.

كما أن على أي مسؤول عسكري جديد أن يحظى برضى وتأييد عقيلة صالح، ذي الثقل القبلي والسياسي، فهو ينتمي لقبيلة العبيدات الأكبر شرق البلاد ويتولى منصب رئيس مجلس النواب الذي سيصدر عنه قرار تولية خليفة لحفتر. وإمكانية دعم صالح لأي من الموالين والمقربين بشدة لحفتر تبقى صعبة، فالخلافات الغامضة وغير معروفة الأسباب بينه وبين حفتر لا تزال قائمة، كما أن دعمه لشخصية عسكرية غير مقربة من حفتر ربما سيصطدم مع أنصار الأخير أو مع رفض خارجي.

في ظل هذا المشهد، سرت أنباء عن توصل أجهزة استخبارات غربية لحل من شأنه أن يقلل مضاعفات فوضى غياب حفتر، ويتمثّل في تعيين نائب لحفتر يتولى مهامه العسكرية مع استمرار الأخير شكلياً في منصبه، حتى إذا ما غيب الموت حفتر لن يكون النائب غريباً عن منصبه أو عن القوات التي سيقودها، لكنه حل سيبقى مؤقتاً بوجود العوامل السابقة التي ستحد من إمكانية سيطرة النائب على منصبه في حال وفاة حفتر.