قنبلة ترامب… هل يفجرها في واشنطن بدل سورية؟

11 ابريل 2018
الحصار يشتد على ترامب (مارك ويلسون/Getty)
+ الخط -



في أقل من 24 ساعة تغير المشهد وتبدلت الصورة، وانتقلت الأولوية من التحضير لضربة عسكرية في سورية إلى الإعداد لتفجير قنبلة سياسية مزلزلة في واشنطن. كان الاعتقاد في ضوء تهديدات الرئيس دونالد ترامب أنّ البيت الأبيض قد يعلن في أي لحظة عن عملية عسكرية ضد دمشق، لكن الحسابات انقلبت؛ الآن واشنطن تنتظر تغريدة رئاسية غداً أو بعده، بإقالة وزير العدل جيف سيشنز أو نائبه رود روزنستاين مقدمة للإطاحة بالمحقق روبرت مولر.

خطوة تهدّد بأزمة حادة قد تكون "بداية النهاية لرئاسة ترامب"، كما حذّر السناتور الجمهوري لاندسي غراهم، الذي يشاركه في تحذيره غالبية أعضاء الكونغرس من الحزبين، مع ذلك من المرجح أن يلجأ الرئيس إلى الإطاحة بمولر بعد أن شارفت التحقيقات الروسية على ملامسة نخاع العظم.

المداهمة الصاخبة التي قام بها جهاز "أف بي آي" على مسكن ومكتب وغرفة محامي الرئيس في الفندق مايكل كوهين، لم تباغت البيت الأبيض فحسب، بل أدخلت الرئيس ترامب في دائرة "الخطر القانوني" الجدّي ولأول مرة، على حد تعبير مخضرم سبق وعمل في البيت الأبيض، فهذه العملية كان لها وقع الهزة على البيت الأبيض، والمخاوف مفهومة.



كوهين مقرب من الرئيس ويعمل معه منذ فترة طويلة كمحاميه الشخصي، في الآونة الأخيرة تبيّن أنه قام بالنيابة عن ترامب كما تردد وقبل انتخابات الرئاسة الأخيرة بـ11 يوماً، بتسليم ممثلة إباحية تدعى ستورمي دانيالز، كانت على علاقة بترامب قبل سنوات، مبلغ 130 ألف دولار نقداً مع كتاب بالاستلام موقع منها فقط وليس من ترامب؛ مقابل سكوتها عن العلاقة.

في المدّة الأخيرة، كشفت دانيالز عن القصة، إجراء الصفقة عشية الانتخابات والحصول الملتوي على المبلغ، حرّك الجهات العدلية للتحري عن جوانب غير قانونية في العملية، كأن يكون المبلغ قد جرى اقتطاعه في النهاية من صندوق الحملة الانتخابية، فضلاً عن نواحٍ أخرى يطاولها القانون.

التقط المحقق الخاص روبرت مولر الموضوع وأوعز بالمداهمة وفق الأصول والموافقات العدلية والقانونية اللازمة، وفي مثل هذه الحالة وهي نادرة، لا يوافق القاضي المختص على مداهمة مكتب ومنزل محام في قضية، "إلا إذا وجد في حيثيات الطلب ما يحمل على الاعتقاد باحتمال وجود أدلة جرمية في المكان"، على ما يقول مدع عام سابق.

رجال "أف بي آي" جمعوا من الأمكنة الثلاثة وثائق وحواسيب وهواتف، يقال إنها تحتوي على أدلة ليس فقط في قضية دانيالز بل منها ما يتعلق بعلاقات كوهين بالروس، التجارية منها والانتخابية. من جملة أدواره أنه كان في 2016 يتفاوض مع الجهات الروسية المعنية لبناء "برج ترامب" في موسكو.

إذا سمح القاضي المختص بتسليم المعلومات التي جرى جمعها إلى المحقق الخاص مولر، عندئذ يمكن لهذا الأخير استخدامها كورقة لإجراء مقايضة مع كوهين، كاتم أسرار ترامب؛ تقوم على مبادلة ما عند المحامي من معلومات حول الاتصالات بين حملة ترامب الانتخابية والروس، مقابل منحه أسباباً تخفيفية وإعفائه من عقوبة السجن. وهذا عرض فيه الكثير من الإغراء إذا كانت المعلومات جرمية مالية وسياسية.

من هنا، قلق البيت الأبيض وغضب الرئيس، الذي كشف عن عزمه أكثر من أي وقت مضى على القيام بخطوة تقلب الطاولة. ولهذا ألغى زيارته للمشاركة في قمة الدول الأميركية في بيرو، والتي كان من المقرر أن تبدأ بعد غد الجمعة، وكلّف نائبه، مايك بنس، بحضورها نيابة عنه للبقاء في واشنطن "من أجل متابعة الموضوع السوري"، كما قالت ناطقة رسمية في البيت الأبيض. لكن الواقع غير ذلك.

الكيميائي السوري صار ثانوياً في حسابات البيت الأبيض المستجدة، تتركه الإدارة للجنة تحقيق يقرها مجلس الأمن ولو أن مثل هذه المحاولة فشلت، يوم الثلاثاء. الآن البيت الأبيض يصوّب على الإطاحة بالمحقق مولر، يبحث عن مخرج قانوني للتخلص منه بإقالة مباشرة إذا تيسر ذلك. استعان الرئيس بصديقه وأحد كبار مؤيديه، أستاذ القانون السابق في هارفارد، المحامي الشهير ألن دارتشويز، الذي حضر، أمس، إلى البيت الأبيض والذي يرى أن الرئيس يتمتع بالصلاحية اللازمة لإقالة المحقق بصورة مباشرة.

اجتهاد يكاد يجمع خبراء القانون على دحضه كما أنّه سبق للمحكمة العليا أن قضت بخلافه، وإذا لم يتيسر هذا الخيار فإنّ الرئيس يمكنه التخلص من نائب وزير العدل المشرف على التحقيقات أو حتى التخلص أيضاً من وزير العدل الناقم عليه.


علما أن سلوك هذا السبيل يفتح الباب على مصراعيه لأزمة دستورية، إذ قد يرفض مجلس الشيوخ الموافقة على بديل لهذه المناصب إلا بشروط تقطع الطريق على إقالة مولر. وبذلك يدخل الوضع في دوامة من الشلل.

الواضح على ما يشير إليه شبه الإجماع في الكونغرس أن المؤسسة (الإستبلشمنت) قد حسمت بشأن المضي في مسيرة التحقيقات وتأمين وصولها إلى خواتيمها التي قد تهدد رئاسة ترامب. ومن جانبه يبدو الرئيس وكأنه حسم هو الآخر بعد مداهمة، أمس، في خياره لقفل ملف التحقيق بما لديه من أوراق، ولو أن في محاولته الكثير من المجازفة. فالحصار يشتد عليه والمواجهة تنذر بسقوط رؤوس كثيرة.

المساهمون