مسيرة العودة: مستفيدون ومتضررون

02 ابريل 2018
تفجّر المقاومة سيقلّص من قدرة الأنظمة العربية على التطبيع(الأناضول)
+ الخط -
تحمل مسيرة العودة، التي يواصل الفلسطينيون فعالياتها منذ يوم الجمعة الماضي، في طياتها، طاقة للتأثير بشكل كبير على البيئتين الإقليمية والدولية لكل من الفلسطينيين وإسرائيل. ففي حال تواصلت هذه الفعاليات، وحافظت على وتيرتها، فإنها ستقلّل بشكل كبير من قدرة الأطراف الإقليمية على التأثير على القضية الفلسطينية، وستؤدي إلى تراجع مكانة بعض أنظمة الحكم العربية لدى إسرائيل والإدارة الأميركية. فقد انطلقت فعاليات مسيرة العودة في ظلّ تحرك أميركي لإملاء جملة الأفكار التي أعدّها فريق مستشاري الرئيس دونالد ترامب، بوصفها مشروع تسوية لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتي أطلق عليها "صفقة القرن".

ومن الواضح أن حرص منظمي مسيرة العودة على تصميم فعالياتها لتأكيد تشبث الفلسطينيين بحق العودة للاجئين، يمثّل رسالة لنظامي الحكم في مصر والسعودية اللذين يحاولان مساعدة إدارة ترامب على تمرير الصفقة، التي تشطب، بالإضافة لأمور أخرى، حق العودة للاجئين، وذلك للتأكيد على أنّ تحركات هذين النظامين لن يكتب لها النجاح.

إلى جانب ذلك، فإنّ تفجّر مظاهر المقاومة الشعبية الفلسطينية ضدّ الاحتلال وتواصلها، مع ما يرافقها من سقوط شهداء وجرحى، سيقلّص من قدرة أنظمة الحكم العربية على التطبيع مع الاحتلال وسيحرجها أمام الرأي العام في بلدانها. ناهيك عن أن هذا التحوّل سيجعل مهمة النخب المرتبطة بهذه الأنظمة والتي كلّفت بتسويغ التطبيع مع تل أبيب، مستحيلة.

ولما كان هدف إدارة ترامب المعلن من وراء "صفقة القرن" ودفع التطبيع بين إسرائيل وأنظمة الحكم العربية التي تدور في فلكها، هو التمهيد لبناء شراكة استراتيجية بين هذه الأنظمة وتل أبيب في مواجهة إيران والقوى الإسلامية، فإن إسهام مسيرة العودة في إسدال الستار على "صفقة القرن" وتجفيف بيئة التطبيع، يعني المس بفرص خروج الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والدول العربية للعلن. وفي حال تحقّق هذا السيناريو، فإن مكانة أنظمة الحكم العربية، لا سيما السعودية ومصر، لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ستتراجع.

وتدل كل المؤشرات على أن خريطة مصالح نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قطاع غزة تحديداً ستتأثر سلباً، في حال تواصلت مسيرة العودة وتمّ الحفاظ على وتيرة فعالياتها. فحتى انطلاق هذه المسيرة، كان نظام السيسي يوظّف تأثيره على القطاع، لا سيما من خلال تحكمه في معبر رفح، بوابة غزة الوحيدة للعالم، في محاولة تحسين مكانته لدى إسرائيل، من خلال التوسّط بين حركة "حماس" وتل أبيب بشأن التهدئة، وبحث فرص التوصّل لصفقة تبادل أسرى تكون مريحة لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. ونظراً لأن مسيرة العودة، كنمط من المقاومة الشعبية، تشارك فيها الكثير من القوى السياسية والفعاليات الجماهيرية، التي تعدّ "حماس" جزءاً منها فقط، فإن قدرة نظام السيسي على الضغط على الحركة محدود للغاية.


في الوقت ذاته، فإن توجّه الفلسطينيين إلى الحدود مع الكيان الصهيوني يبعث رسالة واضحة بأن هذه الجماهير ستكون مستعدة للتوجه لكل الحدود التي يتم عبرها فرض الحصار على القطاع. وإن كان وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قد أقرّ في مقابلة أجرتها معه أخيراً صحيفة "ميكور ريشون" الإسرائيلية، بأن نظام السيسي يفتح ويغلق معبر رفح بالتنسيق مع إسرائيل، فإن هذا قد يستدعي تحركاً جماهيرياً فلسطينياً لتغيير هذا الواقع.

وسيمثّل تواصل مسيرة العودة تحدياً للقيادة الأردنية أيضاً، على اعتبار أنها ستجعل الفلسطينيين أقلّ استعداداً لقبول تجاهل نظام الحكم في عمان، المسؤول عن الإشراف على الأماكن المقدسة في القدس، للسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى إحداث تحوّل على الوضع القائم في المسجد الأقصى من خلال التوسّع في السماح لغلاة المتطرفين من المستوطنين اليهود بمواصلة تدنيس المسجد. وقد يضطر الأردن لتغيير نمط سلوكه الحالي تجاه الممارسات الإسرائيلية، مما يحمل في طياته إمكانية الدفع نحو حدوث تدهور على العلاقة الاستراتيجية التي تربط تاريخياً إسرائيل بالنظام في عمان.

إلى جانب ذلك، فقد أثّرت مسيرة العودة على اتجاهات الجدل الداخلي في إسرائيل، وأعادت ترسيم الاستقطاب الحزبي والإيديولوجي إزاء المسألة الفلسطينية. وقد دل السجال بين الفرقاء السياسيين والمعلقين في دولة الاحتلال بشأن أنماط التعاطي مع مسيرة العودة، على أن استراتيجية حكومة نتنياهو في التعامل مع المسيرة تتسم بحالة من انعدام اليقين، وهذا ما عبّر عنه حتى أبواق اليمين الأكثر التصاقاً بالمؤسسة الحاكمة.

وللمرة الأولى منذ انتهاء حرب 2014، شعرت إسرائيل بمظاهر تراجع مكانتها الدولية بسبب تعاظم الانتقادات التي وجهتها المحافل الدولية بسبب العدد الكبير من الشهداء والجرحى الذين سقطوا بنيران قوات الاحتلال أخيراً. وقد اضطر قادة الاحتلال بقدر كبير من النزق والتوتر والعصبية، لخوض سجالات مع المؤسسات الأممية التي طالبت بالتحقيق في سقوط الشهداء والجرحى الفلسطينيين على هذا النحو.