عام حتى بريكست: البحث عن الوحدة أبرز تحديات ماي

30 مارس 2018
تسعى ماي إلى طمأنة البريطانيين تجاه بريكست (Getty)
+ الخط -

قامت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بجولة بريطانية أمس الخميس، بدأتها صباحاً في اسكتلندا، وشملت أيرلندا الشمالية وويلز، قبل أن تنهيها في لندن، مع دخول العد التنازلي للبريكست مرحلته الأخيرة، إذ ستخرج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي بعد عام، حسب توقيت بروكسل.

والتقت ماي، خلال الجولة التي دامت 15 ساعة، بعائلات وعمال وفلاحين ومهاجرين أوروبيين، بهدف الاطلاع على رؤيتهم لما يعنيه بريكست لهم، وكيف يمكن للخروج من الاتحاد الأوروبي أن يحسن من حياتهم؟ كذلك تسعى ماي إلى طمأنة البريطانيين تجاه بريكست، وبالتالي تعزيز الروابط التي تصل بين الأمم الأربع المكوّنة للمملكة المتحدة. وستدعم جولة ماي زيارات أخرى يقوم بها خلال الأسابيع المقبلة وزراء الحكومة البريطانية، مثل وزير المالية فيليب هاموند، والبيئة مايكل غوف، والمواصلات كريس غرايلنغ.

وقالت ماي، في بيان قبيل بدء جولتها، "يبقى عام على مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي، ويبدأ مسار جديد في هذا العالم. سأزور الأمم الأربع المكونة لاتحادنا، لسماع آراء الأفراد من جميع أرجاء البلاد حول ما يعنيه بريكست لهم". وأضافت "ومع خروجنا من الاتحاد الأوروبي، وفي السنوات المقبلة أمامنا، سنعزّز الروابط التي تربطنا، لأن أمتنا هي أكثر اتحاد نجاحاً في هذا العالم". وتابعت "مع استعادتنا السيطرة على قوانيننا وحدودنا واغتنامنا الفرص التي يوفرها بريكست، ستزدهر المملكة المتحدة كبلد قوي ومتحد يعمل من أجل الجميع، بغض النظر عما إذا كنتم قد صوّتم للمغادرة أو البقاء".

إلا أن ماي تواجه معارضة شديدة في كل من اسكتلندا وأيرلندا الشمالية وويلز ولندن، التي صوّتت جميعها لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولا تزال تدعم نسخة مخففة من بريكست، تبقى فيها بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي. ويتجلّى هذا الاختلاف بين حكومات الأقاليم الثلاثة والحكومة المركزية في لندن في الخلاف حول السلطات التي ستستعيدها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكيفية توزيعها. فالحكومات المحلية في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية تطالب بأن تنتقل هذه السلطات إليها، بينما ترى الحكومة المركزية في المحافظة عليها مجالاً للتفاوض لدعم رؤيتها حول مستقبل بريطانيا بعد بريكست. فماي وعدت الحكومات الإقليمية بسلطات أكبر وموارد أفضل فور الخروج من الاتحاد الأوروبي، مجددة التزامها بتوزيع السلطات الذي تقدمت به حكومة طوني بلير، نهاية القرن الماضي، الذي أدّى إلى إنشاء برلمانات محلية في هذه الأقاليم. وتهدف ماي بذلك أيضاً إلى طمأنة الأحزاب المحلية، وبالتالي الحصول على دعمها في ويستمنستر عندما تحين لحظة الحقيقة، ويأتي موعد التصويت على اتفاق بريكست نهاية العام الحالي. كذلك تعهّدت ماي بالحفاظ على وحدة المملكة المتحدة ككل، وذلك في إطار سعيها إلى طمأنة اسكتلندا، التي لوّحت باحتمال التصويت على الاستقلال مجدداً في حال انتهى الأمر ببريكست مشدد. كما تطمئن أيرلندا الشمالية التي لا تزال حدودها مع الجمهورية الأيرلندية معضلة بانتظار الحل، وإن تقدمت المحادثات حولها مع الاتحاد الأوروبي.



إلا أن القائمة تطول بالأطراف التي يتوجب على ماي إرضاؤها في ويستمنستر، كي تتجنّب الفشل في البرلمان البريطاني، الذي قد يؤدي إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. فماي لا تزال تحاول المناورة بين طرفي حزبها المتناقضين في رؤيتهما لبريكست، إذ يشكل جاكوب ريس موغ، رئيس الكتلة المحافظة المعادية للاتحاد الأوروبي، والمطالبة ببريكست مشدد، التي يبلغ قوامها 60 برلمانياً، شوكة في خاصرة حكومتها. وموغ، الذي يزاحم ماي على زعامة الحزب، ويحظى بدعم الجناح المطالب ببريكست مشدد في حزب المحافظين، لم يوفر فرصة لينتقد فيها سياسات حكومة ماي الخاصة ببريكست، التي كان آخرها تذكير رئيسة الحكومة بأن الفشل في الوصول ببريطانيا إلى بر بريكست سيعد كارثة وطنية بحجم الإهانة التي تلقتها في حرب السويس. كما كان موغ قد وجه رسالة احتجاج ضد اتفاق المرحلة الانتقالية الذي توصلت إليه حكومة ماي مع مفاوضي الاتحاد الأوروبي قبل أسبوعين، برميه الأسماك من على متن قارب في نهر التايمز أمام مقر البرلمان في لندن، في معرض اعتراضه على الفقرة الخاصة بتمديد اتفاقية حقوق الصيد في المياه البريطانية مع الاتحاد الأوروبي حتى نهاية المرحلة الانتقالية، وذلك على الرغم من دعمه الاتفاق بشكل عام.

ومن ناحية أخرى تواجه ماي تحالفاً نادراً بين حزب العمال ومتمرّدي حزبها من المؤيدين لبريكست مخفف، الذي كان قد ألحق بماي أول هزيمة برلمانية في التصويت على قانون بريكست في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ونجح في إضافة تعديل يلزم الحكومة بطرح الاتفاق النهائي على بريكست أمام البرلمان للتصويت. وكان وزير بريكست في حكومة الظل العمالية، كير ستارمر، قد أكد استعداد حزبه للتصويت ضد صفقة بريكست التي يعمل عليها فريق الحكومة المفاوض، في حال كانت دون المستوى المطلوب. وقال ستارمر، في تصريح لصحيفة "الإندبندنت"، "ستكون الأشهر الـ12 المقبلة حاسمة لكامل عملية بريكست. لا وقت للتراجع والتخلي عن مواجهة التحدي. إنه وقت المواجهة والنضال من أجل مستقبل بلادنا". وأضاف "لن يدعم حزب العمال صفقة تفشل في اجتياز النقاط الست التي وضعتها العام الماضي. ولكننا لن نسمح أيضاً بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة".

ويدعم طوني بلير هذا الموقف، وقد طالب البرلمانيين بالتصويت وفقاً لما يرون صوابه، سواء كانوا من حزب العمال أو المحافظين، مشيراً إلى مؤيدي الاتحاد الأوروبي في حزب المحافظين. إلا أن بلير دعا حزب العمال إلى الاستفادة من التعديل الذي تم إقراره على قانون بريكست، والضغط على الحكومة للحصول على صفقة بعيدة عن بريكست مشدد، عوضاً عن الانتظار والتصويت ضد صفقة ماي. ويعتقد حزب العمال بأنه في حال فشل ماي في تمرير صفقتها في البرلمان البريطاني خلال العام المقبل، فإنها ستضطر للاستقالة، وبالتالي إجراء انتخابات عامة، يتوقع الحزب أن يكون المنتصر فيها. إلا أن بلير يرى هذه المقاربة خاطئة، مذكراً بأنه لا تجب على ماي الاستقالة في تلك الحال، بل يمكن حل المسألة من خلال استفتاء شعبي على الصفقة المقبلة. وبناء على ذلك، لا يزال مستقبل بريطانيا مفتوحاً على جميع الاحتمالات، إلا أن الأمر المؤكد فعلاً أن الأشهر الـ12 المقبلة ستكون حاسمة في تقرير مستقبل البلاد لأجيال مقبلة.