هل انتهى دور جاريد كوشنر في البيت الأبيض؟

01 مارس 2018
اتصالات كوشنر التجارية أثارت القلق داخل البيت الأبيض (Getty)
+ الخط -
انتظر جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، أن تأتيه الضربة السياسية من المحقق الأميركي روبرت مولر في شبهة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، فأتته الصفعة من حيث لم يتوقعها، من داخل الإدارة ومن داخل البيت الأبيض، على خلفية شكوك بارتباطاته مع دول لا علاقة لروسيا بها، مثل الإمارات وإسرائيل والصين والمكسيك. شبهة ربما لا تعني تحييد اهتمام المحقق مولر بدور مزعوم لكوشنر بتنسيق التدخل الروسي لمصلحة والد زوجته ليصل إلى الرئاسة الأميركية، بل قد يحصل العكس، ذلك أن منعه المحتمل من إكمال عمله في الملفات الحساسة الموكلة إليه، بعد أن خسر حق الاطلاع على المعلومات المصنفة سرية للغاية في البيت الأبيض، قد يوسع دائرة البحث عن دوره المحتمل أيضاً في ملف التدخل الروسي في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ليصبح ترامب مرشحاً لخسارة أقرب المقربين إليه، ليس عائلياً فقط، بل أيضاً سياسياً، بعدما خسر العديد من مساعديه في غضون عام من رئاسته، أو ضحّى بآخرين لمحاولة النجاة من الاتهام المتعاظم بالتواصل مع دوائر روسية رسمية قد تكون ساهمت، مباشرة أو غير مباشرة في تغلبه على هيلاري كلينتون. لكن بجميع الأحوال، تلقى كوشنر ضربة موجعة، وهو الذي يساهم إلى حدّ بعيد في رسم سياسة البيت الأبيض في كثير من الملفات، لا سيما تلك المتعلقة بالصين والمكسيك وكندا، فضلاً عن عمله على ملف السلام في الشرق الأوسط. وإن صحّت التسريبات المتعلقة بمنعه من الاطلاع على الملفات الحساسة في الإدارة، وهو أمر مرجح جداً،
سيكون كوشنر الضحية الأرفع في إدارة ترامب الذي تلقّى بدوره، بهذا الإجراء، توبيخاً قاسياً بشأن عمل إدارته التي تمنح عائلته ومقرّبين منه أدواراً بارزة وحساسة في الحكم.


ويطرح هذا الأمر تساؤلات عدة حول ما إذا كان دور كوشنر قد انتهى أو شارف على الانتهاء، لا سيما بعد التقارير التي تحدّثت عن محاولة أربع دول، الصين والمكسيك والإمارات وإسرائيل، التأثير على عمل كوشنر.

وأكد مصدران لم يتمكنا من الإفصاح عن هويتهما كون وضع التصاريح الأمنية يعد مسألة سرية، صحة تقارير إعلامية أميركية ذكرت أن مستشار البيت الأبيض البالغ من العمر 37 عاماً لم يعد بإمكانه الوصول إلى المعلومات الأكثر سرية في الولايات المتحدة، في حين رفض البيت الأبيض بما في ذلك الرئيس نفسه، التعليق على المسألة. لكن مسؤولين أكدوا أن القرار لن يؤثر على دور كوشنر.

ومع ذلك، تلقي خسارة كوشنر القدرة على الوصول إلى المعلومات "السرية للغاية والحساسة" شكوكاً جدية على وضعه كشخصية نافذة داخل البيت الأبيض وقدرته على التفاوض في ملف السلام في الشرق الأوسط. وفي تعليقه على القرار، أشار المفاوض السابق في قضايا الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر إلى أن كوشنر يواجه حالياً خطر فقدان "مصداقيته" أمام محاوريه في الشرق الأوسط. وقال "يعرفون أنه لا يمكنك قراءة" الوثائق المتعلقة بهم "ولا يمكنك معرفة ما تجهله".

وأقر محامي كوشنر، أبي لوبيل، في وقت سابق أن موكله لم يكمل بعد الإجراءات الرسمية للحصول على التصريح، رغم أن تقارير تحدثت عن قدرته على الوصول إلى المواد الأكثر سرية الواردة في الايجاز اليومي الذي يحصل عليه الرئيس والتي تعد صفوة عمل الاستخبارات الأميركية.

وأمر كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي بإجراء تغييرات في نظام التصاريح بعدما عمل المستشار روب بورتر لشهور من دون تصريح كامل، إثر اتهامات له بأنه اعتدى على زوجتيه السابقتين. وقال كيلي في بيان "لن أعلق على التصريح الأمني الخاص بأحد". وكان كيلي أكد لكوشنر أن لديه "ثقة كاملة بقدرته على القيام بالمهام الموكلة إليه في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولا سيما الإشراف على مفاوضات السلام الاسرائيلية الفلسطينية ومسألة علاقاتنا مع المكسيك". وأكد كيلي أن "الجميع في البيت الأبيض ممتن لهذه المساهمات القيمة (التي قام بها كوشنر) لدعم أجندة الرئيس. لا توجد أي مصداقية في التلميح لأمر آخر".


وذكرت شبكة "سي أن أن" أن كوشنر "يعتقد اعتقاداً راسخا" بأن كيلي "يستغلّ الفرصة لإخراج كل غضبه اتجاهه". وطرحت كذلك تساؤلات بشأن مستوى التصريح الأمني الذي تمتلكه إيفانكا ترامب التي زارت كوريا الجنوبية أخيراً وأوجزت لرئيسها مون جاي-إن العقوبات على كوريا الشمالية.
وقبل ورود المعلومات بشأن التصريح الأمني، أعلن مستشار كوشنر المقرب جوش رافل أنه سيغادر البيت الأبيض، فيما اتهم صهر الرئيس بخرق "قانون هاتش" الذي يضع قيوداً على أنشطة مستشاري البيت الأبيض السياسية.



وفي وقت لاحق، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن أربع حكومات أجنبية على الأقل، الصين وإسرائيل والمكسيك والإمارات، فكّرت في الطريقة التي يمكنها من خلالها التأثير على أعمال كوشنر التجارية ونقاط ضعفه السياسية. وأثار ذلك عدة دعوات من النواب لإقالة كوشنر. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين مطلعين على تقارير الاستخبارات حول الأمر، أن المسؤولين الأجانب سعوا لاستغلال ترتيبات أعمال كوشنر ومصاعب مالية يواجهها وافتقاره للخبرة في السياسة الخارجية. وقال التقرير إنه لم يتضح إن كان أي من تلك الدول قد تصرف بناء على المناقشات بشأن كوشنر، غير أن اتصالاته التجارية مع بعض المسؤولين الأجانب أثارت القلق داخل البيت الأبيض، وكانت ضمن أسباب عدم تمكنه من الحصول على تصريح أمني دائم.

وقال مسؤولون أميركيون يوم الثلاثاء إن كوشنر، قد حرم من حضور الإفادة اليومية التي تقدمها الاستخبارات للرئيس والتي تعد أهم تقرير للاستخبارات، وذلك مع فرض البيت الأبيض مزيداً من الضوابط بشأن الاطلاع على الأسرار. ولم يرد متحدث باسم كوشنر في البيت الأبيض على طلب للتعليق على تقرير "واشنطن بوست". وقال التقرير إن مستشار ترامب للأمن القومي أتش.آر مكماستر علم أن كوشنر له صلات مع مسؤولين أجانب لم يبلغ عنها رسمياً أو ينسقها عبر القنوات الرسمية. وذكر التقرير أن اعتقاد المسؤولين الأجانب بشأن مواطن ضعف كوشنر كانت ضمن النقاط التي طرحت خلال إفادات مكماستر اليومية.

وأجبر كوشنر مراراً على مراجعة إفاداته أمام الاستخبارات الأميركية ووكالات أخرى بشأن اتصالاته بالمسؤولين الأجانب ومصالحه التجارية. وبات محط تركيز المدعي الخاص روبرت مولر بعدما التقى الأخير بشكل سري السفير الروسي سيرغي كيسلياك، ومصرفيا على ارتباط بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدعى سيرغي غوركوف، إضافة إلى حضوره اجتماعاً عقد في برج ترامب مع محامية مرتبطة بروسيا. وتساءل عضو الكونغرس روبن غاليغو "ما الذي يجب أن يفعله جاريد لتتوجب إقالته؟"، في حين اعتبر السناتور ريتشارد بلومنثال في تغريدة عبر "تويتر" أن سحب تصريح كوشنر الأمني جاء "متأخراً". وقال إن التحرك "يثير تساؤلات بشأن ارتباطاته بدول مثل الصين والتضارب المحتمل في المصالح، في وقت يتولى مسؤوليات هامة على صعيد السياسة الخارجية في البيت الأبيض".

ورغم تأكيد مسؤولين في الإدارة الأميركية أنّ القرار لن يؤثر على دور كوشنر وعمله، إلا أنّ مصادر عدة أكّدت أن ذلك قد يكون بمثابة انتهاء دوره في الملفات التي يعمل عليها. وقالت لورا تيريل، المستشارة القانونية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، في حديث لمجلة "تايم" إنه "سيكون من الصعب جداً على كوشنر أن يتعامل مع الملفات التي أوكلت إليه. بالنسبة للمهمات الواسعة التي يضطلع بها، سيكون من الصعب تصوّر كيف سيمكنه القيام بعمله".


كذلك، رأى خبراء أن "مهمات كوشنر المتمثلة بالإشراف على مجموعة واسعة من قضايا السياسة الخارجية العليا، سيعوقها فقدان الاطلاع على المعلومات والوثائق السرية، كما سيبقى خارج الاجتماعات التي كان يحضرها سابقاً، وسيحظر عليه عقد اجتماعات أو محادثات بشأن محتويات تلك الوثائق".

ورأى المحامي في وكالة الأمن القومي، برادلي موس: "سيؤدي ذلك إلى تدهور شديد في قدرته على أداء مهام الأمن القومي الحساسة ورفيعة المستوى. ملفاته ستتقلّص بشكل كبير". بدوره، قال، نيد برايس، المتحدّث السابق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إنه "بغض النظر عما إذا كان سيكون ناجحاً في مهمته السابقة أم غير ناجح، إلاّ أنه لن يكون وسيطاً فعالاً في ملف الشرق الأوسط بعد الآن".


(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون