تيلرسون والملفات السورية-اللبنانية-الإيرانية: تفسيرات متناقضة لمواقف غير واضحة

15 فبراير 2018
ريكس تيلرسون ونظيره أيمن الصفدي في عمّان(خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
اختار وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الأردن ليطلق منه مجموعة مواقف سياسية لافتة في أكثر من ملف، سورياً وفلسطينياً ولبنانياً وإيرانياً. مواقف ستختلف تفسيراتها بلا شك، وخصوصاً أن طبيعة بعض التصريحات التي أطلقها الوزير الأميركي سجالية، كقوله إنه "يجب الاعتراف بأن حزب الله جزء من العملية السياسية في لبنان"، وكإعرابه عن سعادته بأن "الدولة اللبنانية تتخذ خطوات لتنأى بنفسها عن أزمات المنطقة وعن التورط في الحروب"، وهو ما يرجح أن يطرح أسئلة حول ما إذا كان ذلك يعكس نية أميركية بتهدئة معينة مع إيران وحزب الله.


لكن إصرار تيلرسون، في مؤتمره الصحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، على ضرورة "انسحاب إيران من سورية"، يعيد خلط التفسيرات، وخصوصاً أن رئيس الدبلوماسية الأميركية اكتفى بالإعراب عن انزعاج واشنطن من "الأحداث الأخيرة المتعلقة بإسرائيل وإيران في سورية"، في إشارة إلى إسقاط الدفاعات السورية طائرة حربية إسرائيلية يوم السبت، وما سبق ذلك وتلاه من قصف لدولة الاحتلال على مواقع سورية بلغ عددها 12، بحسب رواية تل أبيب. وإن أضيفت هذه المواقف إلى اللقاء الذي جمع بين تيلرسون ووفد من المعارضة السورية، في العاصمة الأردنية، أمس أيضاً، بناء على طلب أميركي، بحسب ما علمت "العربي الجديد"، والارتياح الذي أعرب عنه بيان المعارضة بعد اللقاء، تصبح الصورة أكثر غموضاً، بما أن البيان، الذي يرجح أن تكون واشنطن وافقت على مضمونه قبل صدوره، لم يشر بكلمة إلى مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، ولا إلى شرط إطاحته، ورغم ذلك شدد على دعم أميركا للمعارضة "سياسياً وإنسانياً"، وعلى ضرورة "جلب" الأسد إلى طاولة التفاوض، وإشراك الروس بفعالية في جهود إحلال السلام، فضلاً عن اتفاق الطرفين، الأميركي والسوري المعارض، على "الانتقال السياسي"، وهي العبارة العامة التي تحمل تفسيراتها أوجهاً عدة في حال لم تقترن بـ"من دون الأسد ورموز نظامه". وصحيح أن البيان السوري الصادر بعد اللقاء مع تيلرسون استهلّ بـ"جو من التوافق على معظم القضايا الأساسية في الملف السوري"، إلا أن بعض عباراته جاءت عامة جداً، مثل "استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع الهيئة بشكل أكبر للوصول إلى نتائج حقيقية للعملية السياسية"، وإشارة البيان إلى كلام الوزير الأميركي حول أن بلده يعمل "بالتعاون مع روسيا بشكل جدي على إجراءات بناء الثقة المتمثلة بتحريك ملف المعتقلين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة"، وهي بنود إنسانية لا ترقى إلى مستوى الحديث السياسي عن حل سلمي للحرب السورية.

وفي مؤتمره الصحافي مع الصفدي، شدد تيلرسون على ضرورة سحب إيران جنودها والقوات التي تدعمها من سورية "وأن تسمح بالأمل في أن تتعزز عملية السلام في جنيف". وحول حرب تركيا في عفرين، كرر تيلرسون موقف واشنطن ومفاده أن عملية "غصن الزيتون" أدت إلى "حرف مسار" المعركة مع "المتطرفين" في شرق البلاد. وتابع أن الولايات المتحدة تحتاج لإيجاد سبيل لمواصلة العمل في اتجاه واحد مع أنقرة حليفتها في حلف شمال الأطلسي، وأعرب عن أمله في إجراء محادثات بشأن التعاون للحد من التهديدات لتركيا، التي يصلها اليوم الخميس.

وعن لبنان، قال تيلرسون إنه "يجب الاعتراف بأن حزب الله  جزء من العملية السياسية في لبنان الذي اتخذ خطوات إيجابية في النأي بنفسه عن صراعات المنطقة". وأضاف: "ندعم لبنان ديمقراطياً وحراً وخالياً من التدخلات الخارجية. نعلم أن حزب الله متأثر بإيران وهذا لا يصب في مصلحة لبنان ومستقبله على المدى البعيد، لكن علينا أن نعترف بالواقع أن الحزب جزء من العملية السياسية اللبنانية. أعتقد أن لبنان يتخذ خطوات إيجابية في النأي بنفسه خلال العام الماضي وبعث رسالة واضحة بأنه لا يريد أن يرى حزب الله متورطاً في أي صراعات".


وفي الشأن الفلسطيني، نقل تيلرسون عن الرئيس دونالد ترمب اعتباره أن "الحدود النهائية في القدس أمر يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي"، موضحاً أن بلاده لديها "خطة متطورة لسلام الشرق الأوسط كان يجري تطويرها منذ عدة أشهر ووصلت لمراحل متقدمة". وقال عن هذا الموضوع إن "توقيت إعلان الخطة وتفاصيلها أمر متروك للرئيس ولا أريد أن أستبقه. لقد اطلعتُ على الخطة وهي قيد التطوير خلال الأشهر المقبلة". وفي محاولة لطمأنة الجانب الأردني، قال تيلرسون "اعترف الرئيس (ترامب) بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنه اعترف أيضاً بدور الأردن بالنسبة للأماكن المقدسة"، مؤكداً أن للأردن "دوراً هاماً في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين". طمأنة لم تمنع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، من التشديد على أن عمّان مختلفة مع واشنطن حول القدس "لكننا نتشارك بضرورة تحقيق السلام في الشرق الأوسط"، بما أن "حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام" بالنسبة للأردن، بحسب تعبير الصفدي.

ويحيل كلام تيلرسون عن "خطة السلام" إلى ما يسمى "صفقة القرن" التي تشير ملامحها إلى تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة دولة الاحتلال، وهو ما بدأ بقرار اعتبار واشنطن القدس عاصمة لإسرائيل. واعتبر الوزير أن هذا القرار (الاعتراف بالقدس) "لا يحول دون حل الدولتين المحتمل بين إسرائيل والفلسطينيين". ولم يتأخر الرد الإيراني على كلام تيلرسون، إذ قال علي أكبر ولايتي، المساعد الكبير للمرشد الأعلى علي خامنئي، إن التواجد العسكري الإيراني في سورية "مشروع وجاء بناء على دعوة من دمشق، ومن يجب أن يغادروا سورية هم من دخلوها دون إذن من الحكومة السورية الشرعية".