6 محطات في الصراع بين السيسي وشيخ الأزهر

14 ديسمبر 2018
تشهد العلاقة بين السيسي والطيّب توتراً وخلافات حادة (الأناضول)
+ الخط -

أثار غياب شيخ الأزهر أحمد الطيب، عن مناسبات رسمية مصرية عدة، كان حضوره فيها معتاداً، كثيراً من علامات استفهام المراقبين، على خلفية ما تكرر أخيراً من تجاذبات، أقرب إلى الصراع مع النظام الحالي، ومؤسسة الرئاسة على وجه الخصوص. وفي الوقت الذي تحفّظت مشيخة الأزهر على التعليق الرسمي، حول هذا الغياب، قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ الطيّب "يختار تجنّب أي تصعيد خلال المرحلة الحالية، وكذلك يتجنّب التورط في التعليق على ما يثار من قضايا، خصوصاً في ما يتعلّق بمسألة تعديل الدستور، بكل تفاصيلها"، مضيفةً أنّ الطيب "يدرك تماماً، احتمال أن يتعمّد إعلاميون على صلة بالنظام، سؤاله حول هذه الأمور، التي لا يريد الخوض فيها".

وتشهد العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر أحمد الطيّب، توتراً وخلافات حادة منذ فترة ليست قصيرة، وذلك على الرغم من موافقة الطيب على الظهور خلف السيسي بمشهد الثالث من يوليو/تموز 2013، الذي أعلن فيه قائد الجيش وقتها الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي. بعد ذلك، أخذت العلاقة بين الطيب والسيسي في التراجع خطوة تلو الأخرى، حتى وصلا إلى ما يشبه الصدام بسبب رفض الطيب إقرار مقترحات رؤى رئاسية ذات علاقة بنصوص شرعية وفقهية.

 

التمسّك بحرمة الدماء ورفض مجزرة الفضّ

لم تدم مباركة الطيب للانقلاب العسكري طويلاً، فسرعان ما وقع الخلاف الأول، عندما أعلن شيخ الأزهر رفضه إراقة الدماء، في الوقائع التي أعقبت الانقلاب، حتى وصل ذلك إلى الذروة في البيان الصوتي الذي بثّه بصوت يملأه الحزن عقب ساعات قليلة من بدء فضّ قوات الشرطة والجيش اعتصامي أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/آب 2013، قائلاً: "إيضاحاً للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعاً أنه لم يكن يعلم بإجراءات فضّ الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم".

وتوجّه الطيب بعد ذلك إلى قريته القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، واعتزل هناك أسابيع عدة، احتجاجاً على ما حدث في مذبحة رابعة العدوية، وهو ما استفزّ قادة المشهد وقتها، والذين لم يكن في إمكانهم اتخاذ أي موقف ضدّ الطيب نظراً لحساسية تلك الفترة، فأضمروا له ذلك بانتظار أن تحين الفرصة المناسبة.

 

عدم التوسّع في التكفير

المحطة الثانية ضمن محطات الخلاف بين الطيب ومؤسسة الرئاسة، بأجنحتها الإعلامية والسياسية والأمنية، كانت رفض شيخ الأزهر التوسّع في إصدار فتاوى التكفير، أو "التكفير على المشاع"، كما أشار في تصريحات له، رافضاً ما يتم تداوله في الإعلام المصري بشأن إصدار فتوى تكفير تنظيم "داعش"، حيث رفض الطيب في 11 ديسمبر/أيلول 2014، التكفير المطلق لأعضاء التنظيم.

ويرى شيخ الأزهر أن تكفير أي شخص يلزمه أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، وقد رفض مبدأ التكفير بالرغم من الضغط عليه من خلال محاولة إصدار فتاوى بذلك من قبل وزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، ومفتي الجمهورية المواليَين للنظام.

 

رفض فتوى السيسي بعدم وقوع الطلاق الشفهي

في يناير/كانون الثاني 2017، وخلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة المصرية، فاجأ السيسي المشاركين في الاحتفال بالحديث عن نسب الطلاق المرتفعة في مصر ومدى خطورتها على أمن واستقرار الأسرة، وطالب بتعديل قانون الطلاق ليصبح الطلاق المعتمد فقط هو الموقّع أمام المأذون.

‎وبعد مطلب السيسي بتعديل قوانين الطلاق بأسبوعين تقريباً، أصدر الأزهر - ممثلاً في هيئة كبار العلماء- بياناً مذيلاً بتوقيع الطيب يرفض فيه هذا التعديل المتنافي مع الشرع، على حد تعبيره.

ولم يكتفِ البيان برفض مقترح السيسي فقط، بل خُتم بفقرة حادة اعتبرها مراقبون أنّها موجّهة للسيسي شخصياً، وتقول: "على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حلّ مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم".

‎بعد بيان الأزهر شديد اللهجة، ثم غياب شيخ الأزهر عن الندوة التثقيفية التي عقدتها الشؤون المعنوية للقوات المسلحة بمسرح الجلاء وقتها، بدأ الخلاف بين الرجلين يتضح جليّاً أمام الجميع.

 

معركة الخطبة الموحدة

جاءت أزمة الخطبة الموحدة للأئمة في صلاة الجمعة، والتي سعى وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، لإقرارها بإيعاز من مؤسسة الرئاسة، لتسجّل معركة وخلافاً جديداً بين الأزهر والرئاسة؛ إذ بدأت الأزمة عندما أعلنت وزارة الأوقاف، في يوليو/تموز 2016 عن وجود خطبة موحدة مكتوبة للأئمة يوم الجمعة، فيما أعلنت هيئة كبار العلماء رفضها القرار، ليردّ جمعة بالقول: "نحترم هيئة كبار العلماء، لكن القرار غير ملزم".

وأكّدت هيئة كبار العلماء أنّ الخطبة الموحدة قد تتسبب في "تجمّد" الخطاب الديني، وذلك في تحدٍّ واضح للحكومة والرئاسة، مضيفةً أنّ فرْض خطبة مكتوبة مسبقاً سيؤدي بعد فترة إلى تسطيح فكر أئمة المساجد. وتابعت أنّ "الإمام سيجد نفسه غير قادر على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ من الدين ستاراً لها، وتستخدم بين أساليبها تحريف بعض آيات القرآن والأحاديث النبوية عن مواضعها".

وفي وضع حدّ للأزمة بعد توسّع نطاقها، وكسب الطيب شعبية كبيرة من جراء تمسّكه بموقفه في مواجهة الموقف الرسمي للدولة، اضطر السيسي للتدخّل وإنهاء الأزمة بشكل يحفظ ماء وجهه، عندما أحال الأمر شكلياً إلى لجنة للبتّ فيه ومن ثمّ غلقه، برفض المقترح.

 

معارك في ساحة المحيطين

اتخذ الصراع بين السيسي والطيب من الرجال المحيطين بكلتا المؤسستين، ساحة له، ينقل عبْرها كل منهما رسائله إلى الآخر. ففي فبراير/ شباط 2015، أطاح شيخ الأزهر بوزير الأوقاف مختار جمعة المحسوب على مؤسسة الرئاسة، والذي يمثّل رأس حربة في المعركة من عضوية المكتب الفني للمشيخة. تبع ذلك رفْض رئيس الجمهورية التجديد لوكيل الأزهر وأهم مساعدي الطيب الموثوق فيهم لديه، الدكتور عباس شومان، وهو ما اعتبره شيخ الأزهر ضربة موجهة له شخصيّاً، وقد فشلت كل جهوده للوساطة عند الرئيس من أجل إقرار مدّ خدمة شومان التي انتهت ولايته أخيراً، واضطر الطيب لاستبداله.

ومع بدء الصراع الصريح بين الطرفين، كان السيسي قد دفع بالداعية الشاب أسامة الأزهري إلى صدارة المشهد عبر اتخاذه مستشاراً دينياً، وفتح الفضائيات أمامه طوال الوقت، حتى بدأ الحديث عن تجهيزه لتولي المشيخة، في إطار حملات الدعوة للتجديد.

وأخذ الأزهري بعد ذلك في الهجوم على القيادة التاريخية للأزهر، وكتب في إحدى مقالاته الأسبوعية في جريدة "الأهرام": "الأزهر لا يلبي نداء الوطن ولا يستجيب لما يطلبه الوطن"، ثمّ تبع ذلك بمقال آخر نشر في 28 يناير/كانون الثاني 2017، حمل هجوماً واضحاً على الطيب، إذ قال: "لقد ظلّت إدارات الأزهر المختلفة والمتعاقبة عبر التاريخ محافظة على الحدّ الأدنى لهذا العقد الاجتماعي، لا تنزل عنه، ولا تُخلّ به. نعم، يتفاوت الأداء قوةً وضعفاً باختلاف شخصية من يتولى مشيخة الأزهر، لكنهم جميعاً مضوا وما أخلّوا بالقدر الأدنى من هذا المستوى من العمل، إلا أننا شهدنا في الفترة الحالية أمراً عجيباً، وهو أنّ الوطن يستنجد بالأزهر، ويلح عليه، ويطالبه، ويلمح ويصرح، ويستنهض ويشير، ويتألم ويستغيث، فيبقى الأمر ثابتاً عند مستوى واحد من تسيير أموره وقوافله وجولاته وأجنحته في معرض الكتاب، بدون القفز إلى مستوى الحساسية والجد والخطر الذي يحيط بالوطن".

 

تجديد الخطاب الديني

تعدّ قضية تجديد الخطاب الديني ساحة المعركة الأبرز في الصراع بين الرجلين، حيث دأب السيسي على تحميل الأزهر والمؤسسة الدينية مسؤولية انتشار العنف والتطرف في البلاد، متهِماً المؤسسات الدينية بالجمود، وغياب جهدها في تجديد الفكر الديني، وهو ما عارضه مراراً شيخ الأزهر، مشيراً إلى أنّ التطرّف والعنف لهما أسباب مختلفة، في إشارة إلى المسؤولية السياسية، وهو ما اعتُبر رفضاً منه لجعل الأزهر أو المؤسسة الدينية شماعة لتعليق أخطاء سياسية عليها، بدلاً من الاعتراف بمسؤولية القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية الخاطئة عن انتشار هذا التطرّف.

وكان الصدام الذي جرى أخيراً أمام أعين الجميع خلال الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي، أحدث حلقات الخلاف بين الجانبين، والذي اتخذ هذه المرة من السنة النبوية عنواناً له؛ إذ دافع شيخ الأزهر عن مكانة السنة ودورها في التشريع، وحذَّر ممن يستخِفُّون بها أو يطالبون بإهمالها، معتبراً أنّ هذا يمثل هدماً لثلاثة أرباع الدين، بالنظر إلى أن الكثير من الأحكام والعبادات التي ورد ذكرها في القرآن قامت السنة بتحديد صفاتها وأركانها وطرق أدائها. فما كان من السيسي، الذي كان حاضراً في الاحتفال، إلا أن أجرى مداخلةً خارجةً عن خطابه المكتوب، ردّ فيها على الطيب، فُهم منها أنه أدرك أن كلام شيخ الأزهر يمثّل إسقاطاً على ما قاله الرئيس قبل ذلك. وقال السيسي، في كلمته، إنّ الذين أنكروا السنة ليسوا أكثر خطراً على الإسلام من الذين أساؤوا تفسيرها وتفسير التراث الإسلامي، في إسقاط مقابل على الشيخ الذي غمزه الرئيس مراراً بأنه لا يقوم بتنقية التراث ومواجهة التشدد بالقدر الكافي.

قوة الطيب

أرجع مصدر مقرّب من الطيب قوة الأخير في الصراع مع الرئاسة وخروجه من كل معركة من المعارك المتبادلة مع السيسي والمحيطين به منتصراً، إلى أنه شخص "زاهد ومستغنٍ"، مضيفاً في تصريحات خاصة: "لا يرغب في أي مكاسب، ويرى في موقعه وشخصه الحالي مدافعاً عن الشرع وصحيح الدين"، مؤكداً أنّ "الطيب حتى يومنا هذا لا يتقاضى أي دخل من المشيخة ويكتفي فقط بالحصول على راتب أستاذ جامعي".

وتابع: "في أكثر من مناسبة وعبر أكثر من وسيط، عرض على الرجل مكاسب مادية وسياسية، إلا أنّه كان يغضب، ويؤكّد أنّ لديه من المال الذي ورثه عن أبيه وأجداده ما يكفيه ليحيا حياة كريمة". وأكد المصدر أنّ الطيب بالنسبة إلى السيسي ورجاله "ملهوش مَلْكة"، في إشارة إلى أنه غير مدان بأي نقيصة يمكن للسلطة استخدامها للضغط عليه. وقال: "الطيب لا يخشى عصا الملك –في إشارة إلى السيسي– لكونه اعتاد أن يعيش زاهداً في حياته الشخصية، كما أنه لا يريد ذَهَبَه أيضاً".