تخوض جهات سياسية وحزبية وفصائل مسلحة ضمن مليشيات "الحشد الشعبي" حراكا واسعا في البصرة لوأد محاولات تنظيم تظاهرات موحدة خلال اليومين المقبلين، من المرجح أن تستمر بشكل يومي كما حدث في تظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي دفعت بغداد بسببها أكثر من 50 ألف عنصر أمن إلى المحافظة للسيطرة على الأوضاع هناك. وانتهت بحرق القنصلية الإيرانية ومكاتب مليشيات موالية لها وأحزاب دينية، احتجاجا على تردي الخدمات واتساع رقعة الفقر والبطالة في المحافظة النفطية المطلة على الخليج العربي جنوبي العراق.
والثلاثاء، كشف مسؤول محلي بارز في البصرة عن بدء عدد من القوى السياسية والأحزاب الإسلامية وفصائل مسلحة تحركات على دواوين العشائر والعائلات العريقة بالبصرة للمطالبة بعدم المشاركة في أي تظاهرات، وأن المطالب سيتم الاستجابة لها خلال شهرين أو ثلاثة على أبعد تقدير، بعد ترتيب الحكومة الجديدة أوراقها وبدء العمل بالموازنة الجديدة للعام 2019.
وأكد المسؤول ذاته أن هناك "شبه اتفاق" من قوى سياسية ومسلحة في البصرة على منع عودة التظاهرات بشكل مشابه للسابقة، لكن نقمة السكان عالية للغاية، و"المسؤولين في البصرة باتوا يتحركون بحمايات مكثفة، وشددوا الحراسة حول منازلهم خوفاً من عمليات انتقامية من البصريين الغاضبين".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن "الطبقة المتوسطة بالبصرة انسحقت في الفترة الأخيرة، وباتت هناك طبقتان: غنية جدا وهم المسؤولون وأعضاء الأحزاب والفصائل المسلحة ورجال الدين والتجار ومتعهدو شركات النفط، والفقيرة جدا وهم عامة سكان البصرة"، مضيفا أن "عائلات بصراوية معروفة وعشائر عدة رفضت التجاوب، واعتبرت أنها لن تمنع أو تعرقل خروج المواطنين للتظاهر للمطالبة بحقوقهم، وهناك آخرون وعدوا بعدم التدخل ومنع أبنائهم من المشاركة".
وتوقع المصدر ذاته أن تجري عمليات اعتقال واسعة في صفوف الناشطين من التيار المدني على وجه التحديد خلال الفترة المقبلة، حيث توجه لهم أصابع الاتهام بأنهم هم من يقود التظاهرات وينسق وقت خروجها وانسحابها، والشعارات التي تحمل، وهي بالعادة مناوئة لحكم الأحزاب الدينية والنفوذ الإيراني بالمحافظة.
في المقابل يسعى قادة التظاهرات في البصرة إلى تنسيق تحركات واسعة في عموم المحافظة، محاولين إعادة الحراك الشعبي للضغط على الحكومة لتحقيق مطالب السكان بشأن الخدمات.
وقال عوض منسي الفتلاوي، أحد قادة التظاهرات في البصرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأسباب التي فجرت تظاهرات البصرة قبل عدة أشهر ما زالت قائمة، بل وتفاقمت أكثر"، مضيفا أن "كل وعود الحكومة السابقة لم تتحقق، فلا ماء عذب ولا كهرباء ولا مستشفيات محترمة، ولا مدارس ملائمة للأطفال، وحتى الشوارع غارقة بالنفايات والأطيان، وفوق كل هذا الفقر تجاوز نسبة 40 بالمائة، والبطالة متفاقمة، والمخدرات تفتك بالبصرة، وعصابات الخطف والسرقة والابتزاز تنتشر في كل مكان".
وبين الفتلاوي أنّ "جهات سياسية وحزبية عدة في البصرة قدمت مغريات، منها رشى ووعود بوظائف لقادة التظاهرات والشخصيات البارزة فيها، لكن تم رفضها بالمطلق، لأننا لو فعلنا سنكون أحقر منهم"، على حد قوله، كاشفا عن أنهم يعدون حاليا لحراك واسع وتنظيم تظاهرات ستنطلق الجمعة في عموم محافظة البصرة، كما أن "هناك مساعي لتكون أيضا في المحافظات الأخرى، ومنها بغداد".
في غضون ذلك، كثفت القوات الأمنية من انتشارها في عموم مناطق المحافظة، خاصة المناطق التي تشهد تظاهرات، وسط مخاوف من صدامات مع المتظاهرين.
وقال ضابط في قيادة عمليات البصرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التوجيهات التي استلمناها من القيادة نصت على تكثيف الانتشار، وتوفير الحماية الكاملة للمباني الحكومية ومقار الأحزاب والقنصليات"، محذرا من "خطورة وجود مندسين داخل التظاهرات، يدفعون باتجاه الصدام مع القوات الأمنية". وأكد أنّ "القوات تسعى لتجنب أي صدام مع المتظاهرين".
ويحذّر سياسيون من خطورة غضب الشارع، ومن إجراءات الحكومة للسيطرة عليه، الأمر الذي يستدعي إجراءات وقرارات تمتص الغضب الشعبي وتجنب محاولات قمعه.
يشار إلى أن شرارة التظاهر اندلعت بالبصرة خلال فترة حكومة حيدر العبادي، تحديدا في يوليو/ تموز الماضي، احتجاجا على سوء الخدمات، وتم خلالها اقتحام وحرق متظاهرين للقنصلية الإيرانية في البصرة، ومبان حكومية ومقار للأحزاب السياسية والمليشيات، وتعرض قادة التظاهر على أثر ذلك لحملة اعتقالات واغتيالات.