الحملة على رئيس الحكومة الجزائرية: حرب مراكز النفوذ مستمرة

07 نوفمبر 2018
العلاقة بين أويحيى ولوح ليست على ما يرام(العربي الجديد)
+ الخط -
أثارت تصريحات أطلقها وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، ضدّ رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، حرباً بين كتلتين متصارعتين داخل السلطة نفسها، قد تندفع باتجاه فتح ملفات سياسية تتعلق بفترة التسعينات، عندما كان أويحيى رئيساً للحكومة حينها، فيما لا يفصل متابعون هذه التصريحات عن مخاضات ما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة وحرب المواقع داخل السلطة، ورهانات تتعلّق بسيناريوهات متعددة محتملة لهذه الانتخابات. فهل أطلق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رجاله على رئيس الحكومة؟ قد يكون هذا هو السؤال الذي يمكن طرحه في ظلّ تصريحات وزير العدل الحادة، إذ يعدّ الأخير أحد أبرز المقربين من بوتفليقة.

فالتصريحات التي أطلقها لوح ضدّ أويحيى، فتح فيها واحدا من أكثر الملفات سوداوية في المسار السياسي للأخير خلال سنوات التسعينات، إذ عرفت تلك الفترة حملة اعتقالات طاولت 7600 شخص من الإطارات الجزائرية المديرة للشركات الاقتصادية العمومية، بهدف تسهيل خصخصتها استجابة لاشتراطات "صندوق النقد الدولي".

وليست العلاقة بين الرجلين، لوح وأويحيى، على ما يرام منذ أكثر من سنة، لكن طبيعة التصريحات التي تأتي من وزير ضدّ رئيس حكومته، ومن قيادي في حزب الأغلبية البرلمانية ضدّ رئيس حزب شريك في هذه الأغلبية في الحكومة، ومن شخص مقرّب من الرئيس بوتفليقة ضدّ شخصية تحظى بثقة الرئيس بدليل إسناد منصب رئيس الحكومة إليها، تدفع إلى التساؤل عن توقيت هذه التصريحات وخلفياتها، وعلاقتها بحرب المواقع بين رجالات بوتفليقة ورجالات السلطة في مستويات متعددة من الحكم، والتي تسبق بقليل موعد أبرز استحقاق انتخابي في البلاد، والمتمثّل بالانتخابات الرئاسية المقرّرة في ربيع العام المقبل.

ما يجعل تصنيف تصريحات وزير العدل الحادة ضدّ رئيس الحكومة بأنها مخطط لها من قبل كتلة أكثر منها من قبل وزير، وليست في سياق خطاب سياسي، هو أنّ المحيط المقرّب من وزير العدل، كان قد أبلغ عدداً من مراسلي كبرى الصحف بولاية وهران غربي الجزائر، يوم الثلاثاء الماضي، أي قبل يوم من لقاء لوح مع كوادر المجتمع المدني في الولاية، بأنّ الوزير سيطلق تصريحات مهمة. وبالفعل، فتح لوح الملف الأسود لاعتقال إطارات جزائرية في عهد رئاسة أويحيى للحكومة في التسعينات، والذين حصل أغلبهم على البراءة في وقت لاحق بعد تولي بوتفليقة الحكم عام 1999، إذ تبيّن أنّ الملفات القضائية كانت فارغة ومفبركة. وقال لوح إنّ "التعسّفات التي وقعت في حق إطارات الدولة في التسعينات قد انتهت ولا عودة إليها إطلاقًا في إطار القانون، والعدالة في الوقت الحاضر لا تنظر في الممنوع وغير الممنوع، بل تقوم على قواعد واسعة لمواكبة التطوّر الذي يعكس قيم المجتمع ومعالمه وأخلاقيات الأمة ومبادئها". وهاجم لوح رئيس الحكومة، واتهمه بمحاولة فرض ضرائب على استخراج بطاقات الإقامة وجوازات السفر في قانون الموازنة لعام 2018، قبل أن يتدخّل بوتفليقة لإلغائها. وقال إنّ "الرئيس بوتفليقة هو من تدخّل لإلغاء الرسوم التي فرضت في قانون المالية على المواطنين، في ما يخصّ وثائق الهوية الوطنية".

لكنّ رئيس الحكومة لم يردّ على تصريحات وزيره للعدل واتهاماته، على الرغم من أنّ الأخير تحدّث بصفته الحكومية. إذ فضلّ أويحيى الردّ عبر بيان باسم حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي"، في محاولة لإبعاد الحكومة عن الجدل السياسي والإعلامي من جهة، ولإعطاء بعد يتعلّق بصراع حزبي بين أويحيى الذي يقود "التجمع"، ووزير العدل الذي ينتمي إلى حزب "جبهة التحرير الوطني". ووصف الحزب في بيانه الثلاثاء والذي حمل عنوان "تصويب وذكر بعض الحقائق"، هذه التصريحات "بالاتهامات الباطلة والافتراء من بعض الأصوات، تطاولت مرة أخرى ضدّ أويحيى، في إشارة أخرى إلى الملف الفارغ للإطارات المسجونة في التسعينات". واتهم الحزب وزير العدل "بالسعي لتغليط الرأي العام بالنوايا المبيتة"، وقال في بيانه إنه "نظرًا للتأويل والتهويل الذي تغذّيه هذه التصريحات التي لا تخفى نواياها على أي كان، نرى أنه من المفيد أن نزوّد الرأي العام ببعض الحقائق"، مشيراً إلى أنّه "عندما وقع سجن بعض الإطارات في أوساط التسعينات، وعددهم بعض العشرات وليس الآلاف، فإنّ أحمد أويحيى لم يكن آنذاك مسؤولاً عن قطاع العدالة، ومن ثمّ فإنّ اتهامه بسجن إطارات هو اتهام باطل وافتراء عليه، وهو في نهاية الأمر إساءة لأخلاق القضاة المستقلين".

قد يبدو الوضع كاريكاتورياً، كما وصفه المحلّل السياسي، بوعلام غمراسة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، معتبراً أنّ "من السخرية السياسية أن يتهم وزير العدل رئيسه المباشر، رئيس الحكومة، بالتعسّف، ويقول عنه إنه يتّخذ قرارات في غير مصلحة الشعب وأنّ رئيس الجمهورية لم يرض عن هذه القرارات فألغاها، ثم يردّ رئيس الحكومة على عضو طاقمه الوزاري في بيان، فيتهمه بالافتراء عليه".

لكن أكثر من متابع للوضع السياسي في الجزائر يعتقد أنّ وجود مجموعة الرئاسة التي ينتمي إليها وزير العدل، ومجموعة من الليبراليين يتزعمهم رئيس الحكومة أحمد أويحيى، في الكتلة الداعمة للرئيس بوتفليقة نفسها، لا يعني انسجاما في المواقف. إذ تحاول مجموعة الرئاسة البقاء على مسافة من التحفّظ من أويحيى ومجموعته، والحذر من الطموحات البارزة للأخير في الحكم وفي تقديم نفسه كخليفة لبوتفليقة في أي وقت يغيب فيه الأخير عن الحكم، وقطع الطريق على طموحاته هذه، خصوصاً مع شخصيته الكاريزمية التي يصعب تطويعها من قبل كتلة الرئاسة بدون بوتفليقة.

إلى ذلك، وصف المحلل السياسي، أحسن خلاص ما يجري بأنه "حرب مواقع حقيقية بين الكتلتين لما بعد بوتفليقة، بدأت منذ أكثر من عام، خصوصاً بين الرجلين، لوح وأويحيى"، مضيفاً "لكن يبدو مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي أن هذه الحرب دخلت منعرجها الأخير، إذ كل من الفرَق الموجودة داخل التحالف البوتفليقي تطمح إلى قول كلمتها فيما بعد وفاة الرئيس أو انسحابه من الحكم".

وهذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها كتلة الرئاسة حرب تصريحات ضدّ رئيس الحكومة. ففي عام 2016، أطلق عمار سعداني، الأمين العام السابق للحزب الحاكم "جبهة التحرير الوطني"، تصريحات ضدّ أويحيى، ووصفه بأنه "رجل يخون الرئيس بوتفليقة وغير مؤتمن". لكنّ إطلاق تصريحات جديدة من قبل مسؤول حكومي يدير ملفات القضاء ووزارة العدل، يبدو أقرب إلى التهديد السياسي، والسعي الجدي لإبعاد أويحيى عن أي دور سياسي في مرحلة ما بعد 2019، في حضور بوتفليقة أو في غيابه.

المساهمون