خطاب بوتفليقة "الحربي"... رسائل إلى دوائر الحكم والمعارضة و"الكارتل" المالي

01 ديسمبر 2018
وجه بوتفليقة رسالة سياسية إلى "الكارتل" المالي (العربي الجديد)
+ الخط -

خلّف الخطاب السياسي المنقول عن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والذي ألقي الأربعاء الماضي في مؤتمر الولاة (حكام الولايات)، جدلاً سياسياً حاداً في البلد، خصوصاً بالنظر إلى توقيته السياسي والسياق الذي جاء فيه، قبل شهرين من استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان المقبل، وقد وصفه مراقبون سياسيون بأنه خطاب حرب موجه ضد جماعات في السلطة والمعارضة وتحذير من انقلاب.

ولم تطمئن رسالة بوتفليقة الأخيرة، والتي ألقاها نيابة عنه الأمين العام لرئاسة الجمهورية حبة العقبي، الرأي العام في الجزائر، فهو لم يقدم جردة حساب إيجابية عن منجزاته خلال أربع ولايات من حكمه تمتد منذ العام 1999، بقدر ما أثارت المخاوف بسبب طبيعة اللغة الحادة التي تضمنها الخطاب، وجملة الاتهامات التي وجهها بوتفليقة إلى أكثر من طرف، في السلطة والمعارضة. وبرزت في الخطاب، والذي وصف بالناري ونسب إلى الرئيس، رسالة حادة إلى دوائر سياسية وعسكرية مقربة من الحكم، أصدرت أخيراً مواقف متذبذبة حيال بوتفليقة ومشروع الولاية الرئاسية الخامسة، واستشعرت من خلالها الرئاسة وجود تحركات وطرح سيناريوهات محتملة لما بعد بوتفليقة، وذلك على خلفية تجدد الدعوات من سياسيين للجيش بالتدخل لإنقاذ البلاد. ووجه بوتفليقة تحذيرات من حدوث انقلاب أو "المساس باستقرار مؤسسات الدولة والمساس بالدستور وبركن من أركان هذا البيت الحصين الذي يجمعنا ويؤمننا من كيد الكائدين".

وذهب بوتفليقة أبعد من ذلك، إذ أعلن رفضه لمحاولة الأطراف الحكومية البقاء في منطقة رمادية. وقال "من واجب الجميع الالتفاف حول مؤسسات الجمهورية والذود عنها، ومواجهة كل محاولة لاستغلالها من أجل قضاء مآرب آثمة والمناورات الدنيئة والدسائس التي يتخذ منها البعض موقف المتفرج المترصد أو المتواطئ، لأن مثل هذا السلوك غير مقبول. يجب تحمل المسؤولية والانخراط كلياً ضمن الخيارات السياسية والاقتصادية الوطنية أو الخروج منها كلياً، فعهد إمساك العصا من الوسط قد ولى". واعتبر بوتفليقة أن تحذيره هذا نهائي، عندما استعمل عبارة "رفعت الأقلام وجفت الصحف". ولا يخرج عن هذا السياق إعلان بوتفليقة قلقه بشأن الفساد وتمدد المافيا المالية التي بدأت تبسط يدها على المقدرات الاقتصادية، لكنه اختار توجيه رسالة سياسية، ولو كانت متأخرة إلى "الكارتل" المالي، قائلاً "نلاحظ تفاقماً لبعض الآفات وتحولها إلى طفيليات خدمة لمقاصد خبيثة وتعاطٍ لممارسات مذمومة ومرفوضة قانونياً وأخلاقياً، مثل الرشوة والمحسوبية والمعاناة والتصرفات البيروقراطية الجائرة ومحاولات العناصر الضالة التي تحاول تحقيق مآربها الآثمة في مختلف القطاعات". وأشار إلى تمدد من وصفهم "بالفئة المنحرفة التي لا تأبه بمعاناة مواطنينا وانتظاراتهم، ولا تحركها سوى أنانيتها ومصالحها الفئوية الدنيئة". وأكد دعمه لحكام الولايات بشكل كامل للتصدي لهم.




ويشير موقف بوتفليقة من "الكارتل" المالي، الذي شكل لعقدين من الزمن الداعم الأول لخياراته الاقتصادية والحزام المالي الذي كان يمول كل حملاته الدعائية، إلى انزعاج محيط الرئيس الجزائري من حدوث تقارب بين عدد من أبرز رجال الأعمال الفاعلين في البلاد مع رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، الذي يطمح لخلافة بوتفليقة، فيما يسعى مقربون من الرئيس، وأبرزهم وزير العدل الطيب لوح، إلى قطع الطريق على أويحيى، وكان قد دخل في حرب تصريحات معه قبل أسبوعين، برغم وجودهما في حكومة واحدة. على صعيد ثالث، لم يخطئ بوتفليقة في الرمي باتجاه المعارضة السياسية التي تتمسك، في مجمل مواقفها ومبادراتها السياسية، بالاعتراض على مشروع الولاية الرئاسية الخامسة، وتطالب بتغيير وجوه الحكم وتنتقد حصيلة حكمه. وقال إن "البعض يختزل رهانات الحاضر والمستقبل في تغير وتعاقب الوجوه والأشخاص، وهم يروجون لهذا التوجه لحاجة في نفس يعقوب. إن المغامرين، الذين يسوقون لثقافة النسيان والنكران والجحود، لا يمكن أن يكونوا أبداً سواعد بناء وتشييد، فهم يخفون وراء ظهورهم معاول الهدم التي يسعون لاستخدامها من أجل الزج بالبلاد نحو المجهول". واعتبر أن مواقف المعارضة "مناورات سياسية تُلحظ مع اقتراب كل محطة حاسمة من مسيرة الشعب الجزائري دليل واضح يفضح هذه النوايا المبيتة، التي سرعان ما تختفي بعد أن يُخيب الشعب الأبي سعيها".

وبحسب وزير الاتصال الجزائري السابق، عبد العزيز رحابي، فان خطاب بوتفليقة يحمل "طابعاً حربياً"، ويؤكد عدم إنجاز المؤسسة الديمقراطية القادرة على ضمان انتقال سليم للسلطة تحت أي ظرف. وقال رحابي، في تعليق مكتوب، إن "بوتفليقة، الذي قدم جردة مطولة لعيوب السياسة التي قادها دون رقابة شعبية أو قضائية، يُشرّح اليوم الوضع دون الاعتراف بمسؤوليته في الانسداد الحالي. حتى اللهجة المستعملة لا ترقى إلى مقامه، ولا تصب في اطمئنان الشعب ولا تعطي أي إشارة واضحة حتى للموالاة أنفسهم". وأضاف أن "المعارضات، بكل أشكالها، لا تتحمل كل المسؤولية في أزمتنا بل المسؤولية الحقيقية للأزمة يتحملها بوتفليقة، وذلك من حيث أنه لم ينظم خلافته والتداول في إطار استمرارية النظام كما فعل من سبقوه، أو وضع شروط منافسة سياسية مفتوحة وشفافة وذات مصداقية". وأشار إلى أن "رئيس الدولة يستدعي مرة أخرى هاجس الخوف، ويلجأ إلى الابتزاز الأمني لتبرير الوضع الراهن ورفض أي بديل آخر خارج الرئاسة مدى الحياة التي جعلت الجزائر تسير ضد تيار تاريخ الدول المتقدمة. وكعادته ومن خلال وضع نفسه في قلب كل شيء، تهجم على من يراهنون على تغيير المسؤولين والشخصيات، لكنه نسي أنه اختزل كل الجزائر في شخصه".

ودفع الخطاب الأخير لبوتفليقة فاعلاً سياسياً كرئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، إلى تفسيره باتجاه التأكيد على وجود "صراعات داخل النظام السياسي، وانغلاق الأفق نحو الانتخابات الرئاسية في 2019، إذ لا يبدو أن ثمة عهدة خامسة، كما أشرنا إلى ذلك، فلا القوى الموالية قادرة على التوافق على مرشح واحد ولا المعارضة باستطاعتها الدخول في المنافسة الانتخابية في ظل هذا الغموض وغياب الضمانات". وتبدو الأوضاع في الشارع السياسي هادئة مع حالة من الترقب، لكنها لا تبدو كذلك في أعلى هرم السلطة، إذ تلقي خطابات بوتفليقة والسياسيين الموالين له مزيداً من الغموض على المشهد الجزائري المستعصي على الفهم، قبل نحو خمسة أشهر من الاستحقاق الرئاسي.



المساهمون